قدم راجي الصوراني، مدير المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، مساء اليوم، شهادته أمام لجنة الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني المنعقدة في مدينة نيويورك، وذلك عبر تقنية الفيديو كونفرس، بسبب عدم السماح له بدخول الولايات المتحدة الامريكية، على الرغم من دعوتة من قبل الأمم المتحدة.
وقد أوضح الصوراني في شهادته أمام اللجنة نتائج الحصار غير الإنساني وغير القانوني على قطاع غزة، والتي تعد أكبر كارثة من صنع الانسان في عصرنا، وأكد أن الحصار قد أوصل القطاع الى حالة غير مسبوقة، حيث وصلت نسبة البطالة إلى 65%، و 90% من هم تحت خط الفقر، و80% يتلقون معونات من المؤسسات الدولية. بالإضافة إلى استمرار الأزمات التي يعاني منها المواطنون في غزة، مثل أزمة الكهرباء والمياه العادمة نتيجة الحصار.
وأكد الصوراني في شهادته أنه على الرغم من إدانة كل المؤسسات الدولية لذلك، إلا ان الحصار لا زال مستمراً، وشنت خلاله قوات الاحتلال ثلاثة حروب عدوانية، كان المدنيون وممتلكاتهم أبرز ضحاياها.
وشدد الصوراني على أن إسرائيل مارست جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من خلال استهدافها المدنيين في مسيرة العودة، بمن فيهم الأطفال، النساء، الطواقم الطبية، ذوي الإعاقة، والصحفيين بواسطة القناصة المنتشرين خلف الأبراج العسكرية الحصينة، في وقت لم تهدد خلال عام كامل حياة جندي إسرائيلي واحد للخطر ولم يصب او يقتل أحد، علماً بأن الحق في التظاهر السلمي والحق في حرية التعبير هو حق أساسي ورئيسي للمدنيين وبغض النظر عن مكانه على الحدود أو داخل المدن.
لقد طالبت لجنة التحقيق المشكلة من مجلس حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة بمحاسبة كل من قتل وأصاب المدنيين الفلسطينيين المشاركين في مسيرات العودة، بما في ذلك استهداف المعاقين والأطفال والمرضى والصحفيين، على ما قاموا به. كما طالبت اللجنة بأن يتم إحالة هذا الملف الى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيقات بكل الجرائم المنسوبة لقوات الاحتلال الإسرائيلي، علماً بأن كل مؤسسات حقوق الانسان الدولية والمقررين الخاصيين كانوا قد أكدوا على نفس الامر واعتبروا ما تمارسه إسرائيل جريمة ضد الإنسانية.
كما تطرق الصوراني في شهادته إلى مدينة القدس، وأكد أن التطهير العرقي والتهويد التي تفرضه سلطات الاحتلال بالمدينة المقدسة، يهدف إلى فرض سياسة الأمر الواقع، عملاً وقانوناً، وبأنه وصل مراحله النهائية.
أما في الضفة الغربية، فقد اكد الصوراني أن التوسع الاستيطاني مستمر فيها بوتير متسارعة، رأسياً وافقياً، من خلال إقامة مستوطنات جديدة، وشق شبكات واسعة من الطرق العابرة بين المستوطنات والمدن والقرى الاسرائيلية. وبوجود هذه الشبكة من الطرق والمستوطنات تتم محاصرة المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، ومنعها من التوسع استراتيجياً، ومحاصرتها في كانتونات ضيقة ومتباعدة عن بعضها.
ويعمل الاحتلال على مصادرة الأراضي الفلسطينية بصورة يومية كما يقوم بتقطيع اوصال الضفة وفصل القدس عن الضفة وشمال الضفة عن جنوبها والفصل بين المدن والقرى والمخيمات مما يجعل التواصل بينهما مهمة مستحيلة. ونتيجة ذلك، بات الاحتلال يسيطر عملاً وقانوناً على أكثر من 70% من مساحة الضفة الغربية، بما فيها القدس مما أدى الى خلق ابارتهايد من نمط جديد.
كما أشار الصوراني إلى مواصلة قوات الاحتلال باقتحام المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية وممارسة القتل العمد والاعتقالات دون استثناء، حتى في المناطق المصنفة (A) والخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية بشكل يومي.
إن هذا كله يتم بفضل الحصانة القانونية والسياسية التي تقدمها الولايات المتحدة الامريكية لإسرائيل، بما فيها الحصانة من المحكمة الجنائية الدولية والعمل على عدم ملاحقتها امام المحاكم الدولية وتطبيق شريعة القانون.
وأكد الصوراني انه بعد 25 عاماً من توقيع اتفاقيات أوسلو فإن الواقع المعاش في الأراضي المحتلة، أفضى أولاً، إلى محاولات تهويد مدينة القدس، وتطهيرها من سكانها الاصليين، وفرض واقع جديد فيها؛ وثانياً، ضم معظم أراضي الضفة الغربية لصالح الاستيطان، وإنشاء نظام فصل عنصري “أبارتهايد” من نمط جديد؛ وثالثاً، حصار خانق مستمر منذ 12 عاماً في غزة، تمنع خلاله حرية الحركة للافراد والبضائع وخنق اقتصادي واجتماعي.
وأضاف الصوراني، وأمام هذا الواقع المؤلم والمرير، لم يعد أحداً يتحدث عن تقرير المصير الفلسطيني، أو انهاء الاحتلال أو إقامة الدولة الفلسطينية حسب قرارات الأمم المتحدة. وأننا كفلسطينيين نعيش المرحلة الأسوأ في تاريخنا، وإننا امام وضع غير مسبوق منذ النكبة وان خيار الدولتين عملياً قد انتهى.
وأشار الصوراني الى انه أصبحت مهمة ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيلية مهمة شبه مستحيلة، بالذات بعد تغيير التشريعات في أوروبا والضغط السياسي الذي تمارسه الولايات المتحدة ضد المحكمة الجنائية الدولية والمدعية العامة وقضاتها.
وفي ختام شهادته، أكد الصوراني أن الفلسطينيين هم حجارة الوادي، كانوا ومازلوا هنا منذ الأزل، وسيبقون للأبد، متشبثون بأرضهم، لن يستطيع أحد أن يزعزعهم، وسيبقوا مناضلين من أجل حقهم في تقرير المصير، ولن يكونوا ضحايا جيدين لاحتلال يمارس جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وأضاف: إن من حق الفلسطيني ان يتمتع بالكرامة، ومن حقه الانعتاق من الاحتلال. واكد بأنه رغم قساوة الواقع، الا انه لن يستطيع احد رغم كل شيء ان ينتزع الامل من عقولنا وقلوبنا.
يشار إلى أنه شارك الصوراني في الجلسة البروفيسور مايك لينك، المقرر الخاص للأراضي المحتلة، وترأس الجلسة د. معين رباني.