خبر فشل وثكل/ هآرتس

الساعة 11:56 ص|22 يناير 2009

بقلم: جدعون ليفي

بعد عودة اخر الجنود من غزة الى البيت يمكن ان نجزم بيقين انهم خرجوا الى هناك عبثا. ففي هذه الحرب فشلت اسرائيل فشلا ذريعا. ليس الحديث فقط عن الفشل الاخلاقي العميق، وهو شأن بالغ الخطر في حد ذاته، بل عن عدم قدرتها ايضا على احراز اهدافها المعلنة. بعبارة اخرى اضيف الى الثكل الفشل ايضا. لم نفد شيئا من هذه الحرب، سوى مئات القبور، وفيها لصغار، والاف المعوقين، والدمار الكثير وضعضعة صورة اسرائيل. ان ما بدا خسارة معلومة مقدما لقلة فقط يوم نشوب الحرب، سيتضح كذلك لكثيرين بعد زوال هتاف النصر.

 

كان اول هدف للحرب وقف اطلاق صواريخ القسام؛ وهذا الاطلاق لم ينقطع حتى يومها الاخير، وبحسب تقديرات الجهات الامنية بقي عند حماس اكثر من 1000 صاروخ. تم وقف اطلاق الصواريخ بعد ان احرز اتفاق هدنة. وهذا الاتفاق احرز في حزيران الماضي ايضا بغير حرب.

 

لم يتم ايضا احراز هدف الحرب الثاني وهو وقف التهريبات، فقد قدر رئيس الشاباك ان التهريب سيجدد في غضون شهرين. حتى لو قبلنا حملة التخويف والمبالغة التي تصحب هذه التهريبات، التي يرمي اكثرها الى كسر كسرة للسكان في الحصار ويرمي اقلها فقط الى تهريب السلاح، فان هذه الحرب قد برهنت على ان سلاحا ضئيل الشأن وقليلا جاز في الانفاق. وسيظل يجوز فيها بالرغم من جميع مذكرات التفاهم المهينة مع الولايات المتحدة.

 

يشك ايضا في احراز الهدف الثالث فلا يوجد ردع ولا بطيخ. فالردع الذي احرزناه في حرب لبنان الثانية لم يؤثر شيئا في حماس، وهذا الذي احرز الان لم يجد: فقد استمر الاطلاق المتفرق في الايام الاخيرة ايضا. بل ان هدف رابعا غير معلن لم يحرز لان الجيش الاسرائيلي لم يعد بناء قدرته. فهو لم يكن قادرا على اعادة بناء قدرته في حرب غير حرب، بازاء منظمة بائسة قليلة، لم تكد تحاربه. ولن تجدي جميع اوصاف البطولة واناشيد المديح لـ "النصر العسكري": فالطيارون خرجوا في طلعات تدريب والقوات البرية اجرت مناورات تجنيد واطلاق نار. ان تتويج العملية على انها "انجاز عسكري" كما يقول الجنرالات والمحللون ليس اكثر من سخيف.

 

لم نضعف حماس. فالكثرة الساحقة من مقاتليها لم تصب وسيزيد التأييد الشعبي لها فقط. فهذه الحرب زادت من قوة روح الصمود والثبات المصمم. يجب على الدولة التي ربت اجيالا على روح ثبات القلة للكثرة، ان تعلم تقدير هذا الان. لم يكن في هذه الحرب اي شك في من هو داوود ومن هو جالوت. السكان في غزة الذين تلقوا ضربة جدا بالغة، لن يصبحوا اكثر اعتدالا بل العكس. سيوجه الشعور الوطني الان لمواجهة من سبب لهم ذلك وهو دولة اسرائيل. كما انجر عندنا الرأي العام الى اليمين بعد كل عملية سيحدث هكذا هنالك بعد العملية الضخمة التي اوقعناها بهم.

 

اذا كان شيء قد ضعف بعقب الحرب فانه فتح، التي قوي الان هروبها من غزة واسلامها لمصيرها. يجب ان نضيف الى سلسلة اخفاقات الحرب بطبيعة الامر اخفاق سياسة الحصار والقطيعة: فقد تبين منذ زمن ان هذا غير مجد. لقد قاطع العالم وفرضت اسرائيل حصارا وسيطرت حماس وما زالت تسيطر.

 

لكن ميزان هذه الحرب من جهة اسرائيل لا يتلخص بعدم اي انجاز فقط. فالحديث عن ابهظ ثمن جبي وسيجبى بعد. من الجهة السياسية لا يحل ان تتعتعنا مسيرة تأييد زعماء اوروبا لايهود اولمرت اقتناصا لفرصة التصوير. فقد سببت اعمال اسرائيل اضرارا بالغا بتأييد الرأي العام لنا. في الحقيقة ان هذا لا يترجم دائما للغة السياسية المباشرة لكن الامواج الارتدادية ستأتي. في العالم كله رأوا الصور. وقد زعزعت كل انسان، وان لم تزعزع اكثر الاسرائيليين. والاستنتاج ان اسرائيل دولة عنيفة وخطرة، لا يقفها شيء ولا يكبح جماحها شيء تتجاهل بفظاظة قرارات مجلس الامن وتستخف بالقانون الدولي؛ والتحقيقات في الطريق. واخطر من ذلك بطبيعة الامر المس بعامودنا الفقري الاخلاقي: نهاية الاسئلة الصعبة عما فعله الجيش الاسرائيلي في غزة، والتي ستثور ها هنا ايضا، برغم الاعلام الدعائي الطامس.

 

اذا كانت الحال كذلك فما الذي وجد لنا مع كل ذلك؟ حرب نشبت في الاساس لاعتبارات داخلية، ونجحت فوق المتوقع: فبنيامين نتنياهيو يقوى باستطلاعات الرأي. لماذا؟ لانها لم تكن كافية لنا