في الوقت الذي يستعد فيه الفلسطينيون للحشد الجماهيري داخل الأراضي الفلسطينية وفي الشتات لإحياء ذكرى يوم الأرض, ومرور عام على مسيرات العودة الكبرى, يصعد الاحتلال عسكريا ضد قطاع غزة, ويمضي في مخطط شن عدوان جديد على القطاع, بذريعة سقوط صاروخ على منطقة «الشارون» شمال «تل أبيب» أدى إلى إصابة سبعة إسرائيليين وتدمير احد المنازل وتضرر عدد آخر, ورغم عدم تبني أي فصيل فلسطيني حتى كتابة هذه السطور لإطلاق الصاروخ, إلا ان الاحتلال وجه اللوم فورا ودون دليل للمقاومة الفلسطينية وتحديدا حركتي حماس والجهاد الإسلامي بأنهما تقفان خلف إطلاق الصاروخ, والحقيقة ان فصائل المقاومة غير مطالبة بالدفاع عن نفسها وتفنيد رواية الاحتلال.
ولعل الاحتلال الصهيوني يتجاهل ما يفعله الآن بحق الأسرى الفلسطينيين في سجن النقب الصحراوي, حيث اصيب نحو تسعين أسيرا فلسطينيا بجراح, ومن بينهم إصابات حرجة وخطيرة للغاية, ولا زالت آلة القمع العدوانية الصهيونية تستهدف الأسرى وتعتدي عليهم بهمجية, بغية كسر إرادتهم وعزيمتهم, وإجبارهم على العيش في أقسام ملغمة بأجهزة تشويش مسرطنة تهدف للتشوبش على الاتصالات كما يزعم الصهاينة, وهذه الأجهزة من شأنها ان تصدر إشعاعات خطيرة تسبب صداعاً دائماً للأسرى, وعدم وضوح في الرؤية ودوراناً, ولها تأثيرها المستقبلي على صحة الأسرى وانتشار السرطان.
الاحتلال الصهيوني تمادى في غيه, وبدأ يفتح المعارك مع الفلسطينيين ويتخطى الخطوط الحمراء, ويبدو ان كل هذا يأتي ضمن الحملة الانتخابية للمرشحين لانتخابات الكنيست الصهيونية, وحالة التنافس التي وصلت إلى ذروتها مع اقتراب موعد الانتخابات, فالتصعيد ضد الأسرى, وممارسة سياسة الإعدام الميداني في الضفة, وشن عدوان جديد على غزة, كل ذلك يأتي ليصب في صالح الناخبين الصهاينة, المشهد يبرز بأبشع صوره في صورة العدوان الذي يشنه الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة, والحديث عن ضربة مفاجئة وغير مسبوقة, وان «إسرائيل» مستعدة لتأجيل موعد الانتخابات في سبيل توجيه ضربات مؤلمة لقطاع غزة تستهدف فصائل المقاومة الفلسطينية, وكأن هذا الخطاب المتكرر للقيادة الصهيونية سيرعب المقاومة, ويدفعها للتراجع خوفا من بطش الاحتلال.
المقاومة الفلسطينية تدرك تماما أنها تواجه عدواً همجياً بربرياً شرساً مفتون بالقتل وموصوماً بالنهم والإيغال في دماء الأبرياء, وهو تتعامل معه وفق هذه الصفات الموصوم بها, وهى قادرة على مواجهته باللغة التي يفهمها, فاهم ما يميز فصائل المقاومة الفلسطينية ان حساباتها مع الاحتلال مختلفة, فميزان القوة لصالح الاحتلال, لكنها تسعى لان تواجهه بالقوة التي تستطيع ان تصل إليها, فهي تؤمن بقدراتها الذاتية التي تستطيع من خلالها إيلام الاحتلال, وإيقاع الخسائر الكبيرة في صفوفه.
على ما يبدو ان الاحتلال لم يدرك بعد ان معادلة الصراع مع الشعب الفلسطيني تغيرت, وان المقاومة باتت ثقافة لدى الفلسطينيين يمارسونها بقناعة تامة لمواجهة آلته القمعية, وانه كلما تغول الاحتلال بشكل اكبر وأراق دماء الفلسطينيين, فان الثمن الذي سيدفعه يكبر لدى الفلسطينيين ويزيدهم إصرارا وعزيمة على مواجهته, فتجبر الاحتلال وتغوله لن يضمن له الاستقرار والأمن, ووفق ذلك عليه ان يعيد حساباته جيدا, وان كان الوهم قد أوصل الاحتلال إلى أحلامه بأن المقاومة لن ترد على انتهاكاته لحقوق الشعب الفلسطيني, وسفك الدماء, وإزهاق الأرواح, وتدمير غزة وقصفها, فعليه ان يستفيق من هذا الحلم, وان يدرك ان من يعبث مع غزة عليه ان يتحمل ردها, وان يدفع ثمن هذا العبث, فغزة لا تخاف الموت ولا تخشى القصف ولا ترعبها صواريخ الاحتلال.
لقد وصل الشعب الفلسطيني إلى قناعة كاملة بأن الاحتلال لا يمنح الحقوق, إنما تنتزع منه انتزاعا, وان من يراهنون على «السلام» مع هذا الكيان المجرم واهمون, وسوف يتلقون الصفعات تلو الصفعات من الإسرائيليين دون ان يحققوا أية مكاسب للشعب الفلسطيني, لعل الحقائق تدلل على صحة ما نقول واقعا, فالاحتلال يعدم في الضفة, ويشعل معركة باب الرحمة في القدس, ويعتبر الجولان أراضي غير محتلة, ويمضي نحو اعتبار الضفة الغربية أراضي غير محتلة ايضا بفرض سياسة الأمر الواقع على السلطة, ويشعل الحرب في غزة, أليس هذا يدلل على العقلية التي يتعامل بها الإسرائيليون مع الفلسطينيين وقضيتهم, ويستدعي ان نبقى مستعدين وأيدينا دائما على الزناد.