بعد 22 شهراً من التحقيقات حول التدخّل الروسي المحتمل في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، والتي أرّقت الرئيس دونالد ترامب والمقربين منه، قدّم المحقق الخاص روبرت مولر تقريره النهائي، مساء الجمعة، من دون أن يُكشف عن مضمونه، وإذا كان يوجّه اتهامات مباشرة للرئيس الأميركي بالتواطؤ مع روسيا، بما يفتح باباً يستغله خصومه الديمقراطيون لمحاسبته، فيما يُتوقع أن تبدأ معركة جديدة محورها هل سيُنشر تقرير مولر كاملاً أم أجزاء منه، ومن سيكون لديه الإذن للاطلاع عليه قبل نشره.
ولم يتوانَ ترامب منذ إطلاق التحقيقات في 2017، عن مهاجمتها هي والمحقق مولر، واصفاً إياها بـ"مطاردة الساحرات". ولم يُعرف حتى الآن ما إذا كان التقرير يتضمّن تبرئة ساحة الرئيس الأميركي أم إدانته هو أو أحد أفراد عائلته أو مستشارين سابقين له بالتواطؤ مع روسيا أو إعاقة العدالة، وهما المحوران الرئيسيان للتحقيق، مع ذلك يُتوقع أن تكون لخلاصات التقرير وبغض النظر عن طبيعتها، تأثيرات بالغة على الساحة السياسية الأميركية، لا سيما مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل.
"وقدّم مولر مساء الجمعة تقريره النهائي في التحقيق بالتدخل الروسي، بحسب ما أعلن المتحدث باسمه بيتر كار، قائلاً إن "مهمة المحقق الخاص ستنتهي في الأيام المقبلة، وسيبقى عدد قليل من الموظفين لفترةٍ من الوقت، من أجل المساعدة في إنهاء عمليات مكتب" المحقق. وبقي مضمون التقرير سرياً، لكن المدعي العام بيل بار كتب في رسالة إلى الكونغرس أنه قد يكون قادراً على تلخيص "استنتاجاته الأساسية" وعرضها على الكونغرس خلال إجازة نهاية هذا الأسبوع.
ويتوقع أن تدور معركة حول ما سينشر من التقرير ومن سيطلع عليه. ودعا الديمقراطيون على الفور إلى نشر محتواه وعدم السماح لترامب أو معاونيه بالاطلاع عليه. وقالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي ورئيس الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، في بيان مشترك، إنه "من الملزم للمدعي العام بيل بار أن ينشر التقرير كاملاً، وكذلك أن يقدّم الوثائق المتعلقة به والنتائج التي توصل إليها إلى الكونغرس". وأضاف البيان أنه يجب على بار ألا "يعطي الرئيس ترامب أو محاميه أو موظفيه الحق بأي معاينة سريعة للنتائج والأدلة التي توصل إليها المحقق الخاص مولر، ويجب ألا يُسمح أيضاً للبيت الأبيض بالتدخّل في القرارات حول الأجزاء التي يجب نشرها".
ووجّه الديمقراطيون رسالة شديدة اللهجة بأنهم لن يتوانوا عن فعل أي شيء لكشف كل ما جاء في التقرير، وهو ما برز في كلام الرئيس الديمقراطي للجنة القضائية في مجلس النواب جيري نادلر، الذي قال إنه إذا فشلت المفاوضات في إنتاج التقرير الكامل والأدلة الأساسية، فإن الديمقراطيين سينتقلون إلى إجراءات قسرية مثل مذكرات الاستدعاء، و"الخطوة التالية بعد ذلك هي مطالبة مولر بالإدلاء بشهادته أمام اللجنة".
في المقابل، رحب البيت الأبيض بتقديم التقرير الذي طال انتظاره. وقالت المتحدثة باسمه سارة ساندرز إن "الخطوات التالية تعود إلى المدعي العام بار، ونحن نتطلع إلى أن تأخذ العملية مجراها. البيت الأبيض لم يتلق تقرير المحقق الخاص ولم يتم إطلاعه عليه". وهناك معلومة رئيسية واحدة أكدتها بالفعل وزارة العدل، وهي أن مولر لا يوصي بتوجيه اتهامات أخرى. وخلال التحقيق الذي أجراه، وجّه مولر اتهامات إلى ما يزيد عن ثلاثين من الأفراد والكيانات، بما في ذلك 25 من الروس وستة من مساعدي ترامب السابقين. لكن الأخبار التي تفيد بعدم التخطيط لتوجيه مزيد من الاتهامات تعني أن شخصيات قريبة من الرئيس، بما في ذلك ابنه دونالد ترامب جونيور، وصهره جاريد كوشنر، يمكن أن يرتاحا.
هذا الأمر استغله سريعاً فريق ترامب، وقال محاميه رودي جولياني، إنه "واثق من عدم وجود تواطؤ من قبل الرئيس" وإن ترامب لم يرتكب أي "خطأ". كما اعتبر النائب الجمهوري ستيف سكاليز، في بيان أن "التقارير التي تفيد بعدم وجود لوائح اتهام جديدة تؤكد ما عرفناه طوال الوقت: لم يكن هناك أي تواطؤ مع روسيا".
وعلى الرغم من عدم تسريب ما جاء في تقرير مولر، إلا أن لوائح الاتهام التي وجّهها المحقق الخاص في فترات سابقة، ووثائق المحكمة، كشفت الكثير عن التحقيق. وتحدثت وثائق المحكمة عن جهود مستمرة بذلتها موسكو للتأثير على انتخابات 2016 وتعطيل النظام الديمقراطي في البلاد. وتحدث مولر عن قراصنة تحركهم الحكومة الروسية ويتحركون عبر مواقع التواصل الاجتماعي عملوا لتعزيز فرص ترامب على حساب هيلاري كلينتون.
وخلال المدة التي استمر فيها التحقيق، كان ترامب يشدد مراراً على أنه "لم يكن هناك تواطؤ" مع الروس، وأنه ضحية "خدعة" دبرها الديمقراطيون. لكن خبراء قانونيين يقولون إن مولر ربما نبش معلومات حول وجود صلات بين ترامب وروسيا، لكن ليس بما يكفي كعناصر إثبات أمام القضاء. هذا لا يعني، مع ذلك، أن القضايا ستزول. إذ يمكن أن يظل بعضها موضوع تحقيقات قسم الاستخبارات التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي، وقد تولى بالفعل بعض المدعين الاتحاديين التحقيق في بعض الجرائم المزعومة. ومن بين العديد من الأسئلة التي لم تلقَ إجابة، حجم تعاملات ترامب التجارية مع روسيا، والتي تشمل مسعى لم يكشف عنه سابقاً لبناء برج ترامب في موسكو، مع استمرار المحادثات حتى عام 2016. لكن الرئيس الأميركي قد يكون قادراً على القول إنه كان بريئاً منذ البداية لأن مولر لم يثبت أي تواطؤ. واستمر ترامب في مهاجمة مولر على هذا الأساس حتى قبل ساعات قليلة من تسليمه التقرير. وقال "لقد عشنا هذا العبث طيلة عامين، لأنه لا يوجد تواطؤ مع روسيا. الناس لن يقتنعوا بهذا".
ومرّ التحقيق خلال الأشهر الـ22 الماضية، بالكثير من المسارات، خصوصاً مع توجيه اتهامات لترامب بالسعي لعرقلة مساره، لا سيما بعد قيامه بإقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، جيمس كومي. أما فريق مولر فتابع عدداً من مسارات التحقيق، بما في ذلك ما إذا كان سلوك الرئيس المؤدي إلى طرد كومي بعد ذلك، يرقى إلى مستوى محاولة عرقلة العدالة.
ومع تقدّم التحقيق، زادت المعارضة الجمهورية لعمل مولر، وشجّعتها جزئياً التصريحات المتكررة للرئيس بأن التحقيق كان "مطاردة ساحرات". ووصفه الجمهوريون بأنه مهزلة وإهدار للمال. ومع تجنّب أي تسريب إلى وسائل الإعلام، وهو أمر نادر الحدوث في واشنطن، قام فريق مولر بتوجيه تهم ضد شركاء ترامب ومسؤولين في حملته الانتخابية، وهم، بول مانافورت، وريك غيتس، ومايكل فلين، ومايكل كوهين، وجورج بابادوبولوس، وروجر ستون، ودين خمسة منهم بجرائم مختلفة. ولكن اللافت أن أياً منهم لم يُتهم بالتآمر للتواطؤ مع الروس. بدلاً من ذلك، أقروا بارتكاب جرائم مختلفة، بما في ذلك الكذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي. وانتهى التحقيق من دون توجيه اتهامات لعدد من الشخصيات الرئيسية التي كانت لفترة طويلة تحت أنظار مولر. في المقابل، فإن 25 من الأشخاص الذين اتهمهم مولر هم من الروس، ولأن الولايات المتحدة ليست لديها معاهدة لتسليم المجرمين مع روسيا، فمن غير المرجح أن يمثل هؤلاء أمام محكمة أميركية.
وعلى الرغم من أن تحقيق مولر حظي بالعديد من الإشادات، غير أن المحقق الخاص لم يستطع الاستماع لشهادة الشخص الأساسي، وهو ترامب. وبعد التفاوض لعدة أشهر، وافق محامو الرئيس على تقديم إجابات مكتوبة على أسئلة المحقق الخاص. وفي النهاية، لم يقم مولر باستدعاء ترامب، وهو ما كان يمكن أن يؤدي إلى معركة في المحكمة العليا. وكشفت رسالة المدعي العام بار إلى الكونغرس الجمعة، أن رؤساء مولر لم يرفضوا أبداً أي خطوة تحقيق أراد أن يتخذها، مما يعني أن المحقق الخاص لم يطلب رسمياً إذناً لاستدعاء الرئيس. ولكن وراء الكواليس، استمر مولر وفريقه في التمسك بالتهديد لاستدعاء ترامب حتى ديسمبر/كانون الأول، وأصروا على ضرورة إجراء مقابلة مع ترامب لاستكمال عملهم. وكان ترامب وبعد فترة وجيزة من إعلان ترشيحه للرئاسة في يونيو/حزيران 2015، أشاد مراراً بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين كقائد قوي. وحتى بعد توليه منصبه، كان ترامب متردداً في إدانة تصرفات روسيا.