تهدئتان لا تصنعان سلاماً ولا استسلاماً -بقلم : د. عصام نعمان

الساعة 01:11 م|23 مارس 2019

فلسطين اليوم

بقلم : د. عصام نعمان

ليس هناك وضع مستقر في غزة؛ إذ إن «إسرائيل» تثابر على التحرش والتعدي والقصف والتخريب بين فينة وأخرى، وفصائل المقاومة تردّ بضربات محسوبة بدقة، ومعنى هذا أن الطرفين يحاذران الانزلاق إلى حربٍ مدمرة. فما السبب؟

لبنيامين نتنياهو همّ رئيسي: فوز معسكر أحزاب اليمين في الانتخابات؛ كي يبقى رئيساً للحكومة؛ ذلك يتطلّب، في تقديره، عدم إغراق «إسرائيل» في حربٍ شاملة لكل مناطقها ومرافقها الحيوية قبل الانتخابات في 9 إبريل/‏نيسان المقبل. الحرب سيفٌ ذو حدّين، قد تخدم حلفاءه في معسكر اليمين، وربما تكون لها مفاعيل سلبية يستفيد منها معسكر الوسط - اليسار. المقامرة غير مستحبة، إذاً، في حال عدم اليقين.

لفصائل المقاومة همّ رئيسي مُغاير: عدم الانجرار إلى فصل «إسرائيلي» إضافي من التدمير والتقتيل؛ لأنه سيزيد الضائقة المعيشية في قطاع غزة ضيقاً، وقد ينعكس سلباً على قدرات الصمود والتصدّي. كل ذلك في وقتٍ لا تتبدّى بارقة أمل باستعادة وحدةٍ وطنية ضربتها مواقف ملتبسة لحركة «حماس» وزعزعتها سياسةُ سلطةٍ في رام الله تخلّت عن خيار المقاومة وباتت أسيرة اتفاقات نقضتها «إسرائيل» وضغوطٍ أمريكية لحملها على السير في مزالق «صفقة قرنٍ» توثّق تصفية نهائية لقضية فلسطين بما هي قضية تحرير وعودة وإقامة دولة مستقلة.

هكذا يتضح أن للطرفين مصلحة ظرفية في تهدئةٍ لا تنطوي على تراجعٍ عن الثوابت الرئيسية، إنما تخدم مرحلياً ضرورات سياسية واقتصادية تتصل بأوضاعٍ داخلية دقيقة لكلٍّ منهما.

يتجلّى توليف للتهدئتين في حدثين لافتين:

الأول، إطلاق صاروخين من طراز «فجر» استهدفا «تل أبيب»، ولم تتمكّن منظومة «القبة الحديدية» للدفاع الجوي من إسقاطهما. إلى ذلك، نتج عن الحدث ما يمكن اعتباره، بالمعايير العسكرية، فضيحتين مدوّيتين. أولاها، اعتراف مصدر عسكري «إسرائيلي» بأن الجيش فوجئ بإطلاق الصاروخين، وكأنما كان من المُنتظر من فصائل المقاومة في غزة أن تُخطره مسبقاً باعتزام إطلاقهما ! ثانيتها، قول المصدر العسكري إياه أن الصاروخين الفلسطينيين أُطلقا بطريق الخطأ !

الحدث الثاني قيام فتى فلسطيني مقاوم بمهاجمة دورية عسكرية «إسرائيلية» نجح خلالها بطعن أحد جنودها وانتزاع رشاشه وقتله بكل هدوء، ثم الانطلاق بسرعة لإمطار سيارات المستوطنين المارّة بوابل من الرصاص ما أدى إلى مقتل أحد الحاخامات وجرح خمسة مستوطنين، جروح بعضهم بالغة. اللافت أن القوات «الإسرائيلية» في منطقة العملية الفدائية تصرّفت بقدرْ كبير من البلبلة والضياع؛ ما مكّن الفدائي الجريء والحاذق من الاختفاء ثلاثة أيام قبل إعلان استشهاده. والطريف أن أحد الإعلاميين الصهاينة سخر بقوله إن ما حصل كان أيضاً بطريق الخطأ !

الجانب الفلسطيني لم ينفِ ولم يسخر بما تفوّه به الجانب «الإسرائيلي». بالعكس، سكت عن مقولة إن إطلاق الصاروخين حصل بطريق الخطأ؛ بل أوحى بأنه حصل فعلاً ! لماذا؟ لأن الطرفين له مصلحة ظرفية بالتهدئة. فالتهدئة في هذا الظرف الدقيق ضرورة، والضرورات تبيح المحظورات حتى لو كانت مضحكة !

هل تدوم التهدئة إلى9 إبريل/‏نيسان؟

الأرجح أنها ستدوم؛ لكن ذلك لن يكون بمقدوره أن يمنع الطرفين من القيام بتحركات لافتة تخدم قضيته من دون أن تتسبّب بإفساد التهدئتين الظرفيتين. فنتنياهو لم يتوانَ عن الإعلان بأن 850 وحدة استيطانية سيجري بناؤها داخل «اريئيل»؛ حيث تمّت العملية الفدائية، ومن المؤكد أنه سيثابر على إرسال طائراته لقصف المزيد من المواقع التي يعدها مهددة لأمن المستوطنين في غلاف قطاع غزة.

فصائل المقاومة لن تتوانى أيضاً عن تصعيد أنشطتها الميدانية والإعلامية التي تؤكد حق العودة. هذه الأنشطة ستصل إلى أوجها في احتفالات يوم الأرض في 30 من الشهر الجاري. ولعل بضع بالونات حارقة قد تستبقها لإشعال حقول القمح التي تكون مزروعاتها قد نضجت بما يكفي لالتقاط نيران البالونات المحرقة.

ماذا بعد انتهاء الانتخابات في 9 إبريل ؟

نتنياهو لن يراهن كثيراً على «صفقة القرن»؛ لأن معظم بنودها قد تحقق. الأرجح أنه سيضغط بوسائله المعروفة داخل أمريكا من أجل حمل دونالد ترامب على إعلان «حق» «إسرائيل» بالسيادة على الجولان السوري.

أما فصائل المقاومة فالأرجح أنها ستركّز جهودها على كسر الحصار المضروب على قطاع غزة؛ وذلك بالضغط على مصر من أجل انتزاع ترتيبات من «إسرائيل» تتيح وصول الكثير من الغذاء والدواء ومواد البناء للقطاع المرهق بالحصار وبمتطلبّات مئات الآلاف من سكانه المترعين بالفقر والكرامة والصمود معاً.

الخلاصة: تهدئتان لا تصنعان سلاماً... ولا استسلاماً.

 

كلمات دلالية