غزة.. الحرب المؤجلة - يونس السيد

الساعة 01:05 م|23 مارس 2019

فلسطين اليوم

ليست المرة الأولى التي تهدد فيها «إسرائيل» باجتياح قطاع غزة، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة؛ لكن أن تعلن «إسرائيل» عن مصادقة مجلسها الوزاري المُصغر (الكابينت) على خطة لإعادة احتلال قطاع غزة بالكامل؛ فذلك يدخل في حسابات أخرى معقدة قد يكون في مقدمتها عامل إعادة ترميم قوة الردع «الإسرائيلية»، ووضع الفلسطينيين في دائرة الضغوط المستمرة؛ لتحقيق مكاسب سياسية، وثنيهم عن مواصلة المقاومة.

اللافت أن الإعلان «الإسرائيلي» جاء مباشرة عقب إطلاق صاروخين من قطاع غزة على «تل أبيب»، سواء كان عن طريق «الخطأ» أو كان متعمداً كما تشكك وسائل الإعلام «الإسرائيلية»، وإن كانت هذه الوسائل قد شددت على أن الخطة لا علاقة لها بقصف «تل أبيب». كما أن الرد «الإسرائيلي»، بحسب هذه الوسائل كان «باهتاً»، أكثر منه رداً مناسباً على قصف مدينة بهذا الحجم، في ظرف كان يجب أن يكون الرد أكثر قوة؛ ما يعني الامتناع عن الانجرار إلى خوض حرب شاملة مع قطاع غزة. وبالتالي فإن الإعلان عن هذه الخطة يحمل أهدافاً ومضامين أخرى، على الرغم من أن «إسرائيل»، من حيث المبدأ، دائماً ما تضع الخطط البديلة والاستراتيجية مع المحيط، لكن في هذه الحالة، يبدو أنها تحمل سمات «الحرب المؤجلة»، خاصة وأنها اقترنت بعبارة «إذا دعت الحاجة إلى ذلك»، ما يعني أيضاً إمكانية إلغائها، من دون التخلي عن استثمارها في غايات أخرى، لعل في مقدمتها مفاوضات التهدئة، ووضع الجانب الفلسطيني أمام خيار إما التخلي عن شروطه وتقليص مطالبه بشأن رفع الحصار ما أمكن، وإما مواجهة خيار الحرب الشاملة في حال فشل المفاوضات، أي زرع سيكولوجية الخوف في الوعي الفلسطيني، وهو أمر لا يبدو ممكناً؛ نظراً للتجربة الفلسطينية الطويلة، وارتفاع منسوب الإرادة لديهم في المقاومة ومواجهة الاحتلال، كما في عملية سلفيت في شمال الضفة الغربية، على عكس الاحتلال الذي يسعى لترميم قدرته على الردع التي تآكلت أكثر فأكثر بعد قصف «تل أبيب» وفشل أجهزته الاستخباراتية في الضفة.

ما هو ثابت حتى الآن، هو عزوف قوات الاحتلال عن خوض الحرب الشاملة، ليس فقط بسبب اقتراب موعد الانتخابات «الإسرائيلية» التي أصبحت على الأبواب، أو بسبب وجود حافز لدى الفلسطينيين للرد بقوة على أي عدوان «إسرائيلي»، وإنما لعدم جاهزية جيش الاحتلال لخوض حرب برية وتوغلات في أماكن مكتظة بالسكان قد تكلفه الكثير من الخسائر البشرية، وعدم وجود أي ضمانة لنجاح مثل هذه الحرب تماماً كما حدث في الحروب السابقة، ناهيك عن إمكانية اتساع نطاق هذه الحرب، إن حدثت؛ إذ من الممكن أن تتمدد إلى الوسط والشمال، وهو ما لا يقوى الاحتلال على مواجهته في المرحلة الراهنة.

وما يعزز هذا القول سلسلة التقارير الصادرة عن قادة عسكريين في جيش الاحتلال وتصريحات ومواقف لضباط كبار ومتقاعدين، تؤكد عدم جاهزية الجيش «الإسرائيلي» لخوض حرب برية.

بهذا المعنى، فإن الإعلان عن خطة احتلال غزة، يبقى هدفاً حبيس الأدراج، سيسعى جيش الاحتلال لتحقيقه عندما تسنح له الظروف المناسبة؛ ولكنه يزيد الفلسطينيين إصراراً على المقاومة ومواجهة الاحتلال والعمل على إفشال كل صفقات التسوية المشبوهة.