من يتراجع أولا
بقلم: تل ليف رام
(المضمون: رفض ابو مازن قبول اموال الضرائب من اسرائيل قد يؤدي الى انهيار اقتصادي للسلطة واشعال المنطقة. والمعركة تدور حاليا حول من يتراجع أولا – والدروس التي يمكن استخلاصها من الواقع الامني في الضفة من الحدث الاخير في ارئيل - المصدر).
على خلفية موجة العمليات التي سجلت في الشهر الاخير وقبيل المواعيد الحساسة من ناحية أمنية – يوم الارض، يوم النكبة وشهر رمضان – في جهاز الامن يقدرون بان هناك احتمال عال للتصعيد في الساحة الفلسطينية في يهودا والسامرة. يمكن الخروج من نقطة انطلاق ان هذا الصحيح في كل سنة، وان سيناريوهات أكثر خطورة اخذت في الحسبان العام الماضي لن تتحقق وبقي على الارض استقرار نسبي. غير ان هذه السنة يوجد معطى واحد يختلف كثيرا عن الماضي.
حسب المعطيات في اسرائيل، فقد اقتطعت ميزانية السلطة الفلسطينية هذه السنة بـ 55 في المئة. فقد قرر ابو مازن هذه المرة السير حتى النهاية والا يأخذ اموال الضرائب التي تجبيها اسرائيل عن السلطة. ورغم الثمن الاقتصادي الناشيء عن الخطوة، فان استطلاعا اجراه خليل الشقاقي رئيس المركز الفلسطيني للسياسة ومسوح الرأي العام خليل الشقاقي يبين أنه بعد سنوات من التآكل في مكانة ابو مازن الجماهيرية يحظى مجددا بثقة الجمهور.
تبلغ ميزانية السلطة 17.5 مليار شيكل في السنة. منها نحو 8 مليار من أموال الضرائب التي تحول من اسرائيل الى حساب البنك الفلسطيني كل شهر. غير ان هذه المرة لم يسحب ابو مازن الاموال، لان اسرائيل اقتطعت من هذا المبلغ الاموال التي صرفتها السلطة الفلسطينية لعائلات السجناء.
اضيفوا الى هذا المنحة الامريكية التي شطبت تماما، وكالة الغوث التي تمحى، حقيقة أن الدول العربية لم تعد تفتح محفظتها والتقليص الدراماتيكي في التبرعات من اوروبا لمشاريع دولية. الفلسطينيون بعيدون عن اثارة اهتمام العالم. ابو مازن معني بخلق أجواء أزمة بوسائل غير عنيفة، وصندوق السلطة الذي يفرغ يؤثر بشكل دراماتيكي على الميدان.
غير أنه اذا استمر في هذا الخط، دون مقدرات للحكم، فسيكون من شبه المتعذر أداء المهام. في هذه الاثناء رئيس السلطة مصمم، وهو يواصل دفع المخصصات للسجناء حتى آخر شيكل في الوقت الذي يقلص فيه 50 في المئة من الرواتب لنحو 100 الف موظف. هذا التقليص ينطبق ايضا على اجهزة الامن الفلسطينية وفي محطات الوقود في المناطق لم يعودوا مستعدين لان يحترموا بطاقات الوقود التي تشحن السيارات بواسطتها. اذا استمر هذا الوضع، فمن شأنه أن يؤثر ايضا على التنسيق الامني في الميدان وعلى مواصلة نشاط رجال أجهزة الامن لاحباط الارهاب.
قد لا يكون ابو مازن معنيا بمواجهة عنيفة في هذه اللحظة، ولكن عندما تكون أبخرة الوقود تتصاعد في الجو، يكفي عود ثقاب واحد في الحرم، او سلسلة عمليات خطيرة كي تضرم شعلة كبرى.
ان عدم الاستقرار هذا ليس مصلحة اسرائيلية. فضلا عن ذلك، فان ارتباط لعناصر معينة يقلق ايضا القيادة السياسية عندنا، ولكن في اسرائيل أيضا لا توجد نية هذه المرة، ولا سيما في فترة الانتخابات للتنازل في موضوع اموال السجناء. وتدور اللعبة في هذه اللحظة تحت قانون واحد فقط: من يتراجع أولا؟ ربما سيتغير هذا بعد الانتخابات.
في جهاز الامن يقدرون، بتقدير غير دقيق، ان 90 في المئة من السكان في يهودا والسامرة ليسوا عنيفين او ذوي امكانية كامنة لارهاب عنيف. 2 – 3 في المئة فقط يعتبرون كانوا يشاركون في نشاط فاعل ضد اسرائيل، من اعمال الاخلال العنيفة بالنظام وحتى الارهاب الاجرامي. ويحاول الجيش الاسرائيلي ملاحقة من يعتبرون كاصحاب امكانية كامنة للعنف، منهم خرج ارهاب السكاكين. والخوف هو من تعاظم ارهاب الافراد، فيما أن الجيش يلاحظ منذ الان تغييرا في نمط عمل المخرب الفرد، الذي يتضمن تفكيرا أكثر، جرأة اكثر بل واحيانا تحصيلا لوسائل قتالية ايضا.
ان صورة الوضع الحالية هي مثابة اخطار استراتيجي. من ناحية طبيعة التغطية الامنية وجدول الاعمال الجماهيري في السنوات الاخيرة، تحتل غزة مركز المسرح اكثر من يهودا والسامرة. اما اذا تضعضع الاستقرار الامني في الضفة تماما، فان احتمال الضرر الاستراتيجي لاسرائيل سيكون عظيما. هكذا بحيث أن هذا الموضوع سيكون من التحديات الاولى للحكومة التالية التي ستقوم في اسرائيل.
عنصر المفاجأة
من الاسبوع الماضي يمكن أن نتعرف على الكثير من الواقع الامني في يهودا والسامرة: من الاخفاقات العملياتية الهامة في العملية الاجرامية في مدخل ارئيل وحتى اغلاق الدائرة السريع لقوات الامن مع تصفية المخرب. هذا الاسبوع ظهرت نقاط ضعف عملياتية، تحتاج اصلاحا فوريا، الى جانب تفوقات نسبية في كل ما يتعلق بقدرة الاستخبارات العالية لدى المخابرات الشاباك والاستخبارات امان وقدرات الوحدات الخاصة مع التشديد على وحدة يمم، على ان تنفذ بسرعة حملة اعتقال او تصفية للمخربين في المنطقة
لقد اصبحت وحدة يمم في الاشهر الاخيرة الذراع الاكثر نجاعة لقيادة المنطقة الوسطى لتنفيذ حملات اعتقالات خاصة. يحتمل أن يكون الجيش الاسرائيلي ولا سيما في الوحدات الخاصة، يوجد من يحب هذا الميل، ولكن في القرار لتفضيل يمم ووضعها في مكان عال في تنفيذ مهام من هذا النوع ثمة قدر كبير من النضج لم يكن في الجيش دوما.
يثير هذا الميل اهتماما خاصا في ضوء حقيقة أن من يتصدر هذا الخط هو قائد المنطقة الوسطى، اللواء نداف فدان، الضابط الذي تربى في وحدة سييرت متكال وقاد ايضا وحدة دوفدفان، التي تختص في مكافحة الارهاب في يهودا والسامرة. وبينما يثبت هذا الخط نفسه في الاشهر الاخيرة، يتعين على قيادة المنطقة الوسطى أن تتأكد من أن اختيار يمم كخيار أول لا يمس باحساس القدرة لدى الوحدات الخاصة في الجيش، مع التشديد على دفدفان التي تختص في الساحة الفلسطينية. فالفرص العملياتية لن تنقص لاحقا.
وعودة الى الاخفاقات في العملية في مفترق ارئيل، والتي في اثنائها اخترقت منظومة الحراسة للجيش الاسرائيلي عدة مرات. في الاشهر الاخيرة سيكون تواصل لاحداث عملياتية ظهرت فيها اخفاقات في اداء القوات في الميدان ويجب لهذا ان يشعل اضواء حمراء. ومع ذلك يجدر بالذكر انه في ذات الفترة وقعت عشرات عديدة من الاعمال العملياتية الناجحة تصرف فيها المقاتلون كما كان متوقعا منهم في اللقاء مع المخربين.
في الحرب ضد الارهاب يجب أخذ عنصر المفاجأة بالحسبان. لقد درج على القول انه في الجيش "حتى لو فوجئت فانك لم تهزم". اما حقيقة أن مخربا غير مدرب على استخدام السلاح نجح في التسلل عبر كل دوائر الحراسة في ا لمفترق فيجب أن تقلق القادة في الجبهة. فالعدو المركزي للجيش الاسرائيلي هو الروتين، ولكننا نشهد مؤخرا مشاكل اخرى تكرر نفسها، ضمن امور اخرى بالمهنية وبالخبرة الاساسية على مستوى المقاتل الفرد، بما في ذلك عدم السعي الى الاشتباك مع منفذ العملية وحتى مواضع الخلل القيادية على مستوى اعداد المهامة والجنود وتدريب القوات في الميدان.
من الصعب أن نتنبأ كيف سيتصرف المقاتلون في زمن القتال تحت النار. من التحقيقات في الجيش الاسرائيلي يتبين أن المقاتل الذي كان يتواجد الى جانب العريف اول غال كيدان الراحل اصيب بالصدمة في زمن الحدث. ظواهر من هذا النوع وقعت دوما في ميدان المعركة. لا يمكن أن نقبل الادعاء بان مقاتلي المدفعية او المدرعات ليسوا أهلا لتنفيذ مهام كهذه، وثمة غير قليل من النماذج من السنوات الاخيرة عن احداث عملياتية انتهت بشكل مختلف. اذا حرصنا على اعداد اساسي وجدي في المجال المهني والعقلي قبل الصعود الى الخط وعلى تدريب القوات في الميدان في سيناريوهات مختلفة، يمكن ان نستخلص الدروس حتى قبل ان يقع الحدث.
ان هذه الفجوة بين المستوى العملياتي العالي للوحدات الخاصة وبين المقاييس المتوسطة التي تظهر في اثناء تنفيذ مهام عادية وروتينية للامن الجاري هي واسعة. ينبغي جسر هذه الفجوة ايضا بسبب حقيقة أن الصورة الجماهيرية للجيش الاسرائيلي كجهاز جدي ومظفر تتقرر قبل كل شيء من الوحدات الميدانية والكتائب في الميدان، قبل كثير من الوحدات الخاصة والعمليات الخاصة. مثلما كان التحقيق في حادثة التدريب في جدول حيزون فرصة لرئيس الاركان أفيف كوخافي لتحديد خطوطه الحمراء في كل ما يتعلق بمسؤولية القادة بالتدريبات، يمكن الافتراض بان هذا التحقيق ايضا كفيل بان يصبح من ناحيته تحقيقا اساسيا يوضح ما هو متوقع من المقاتلين في الجيش الاسرائيلي في مثل هذه الاوضاع.