كَثر الحديث في الآونة الأخيرة حول مدى فعالية مسيرات العودة الكبرى في تحقيق أهدافها بعودة القضية الفلسطينية على الأجندة الدولية وحق العودة للفلسطينيين الذي هجروا من أراضيهم المحتلة عام 1948، فهل نجحت في تحقيق مكاسبها السياسية مع اقتراب الذكرى الأولى لها؟.
مسيرات العودة بدأت تدريجيًا ومع مرور الوقت بالحصول على شعبية كبيرة بشكل رسمي داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها، لا سيما تزامنها مع صفقة القرن الأمريكية التي أعدتها إدارة ترامب لحل ما يسمى "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي".
وأعلنت الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار، في وقت سابق عن انطلاق مليونية "الأرض والعودة" يوم 30 مارس الجاري، الموافق لذكرى يوم الأرض، ودخول المسيرات عامها الثاني، داعيةً لاعتباره يوم إضراب شامل في كل محافظات الوطن.
مختصان في الشأن السياسي والاستراتيجي، أكدا أن مسيرات العودة حققت العديد من المكاسب السياسية على جميع المستويات، وأجبرت المحافل والمؤسسات الدولية على تفعيل القضية الفلسطينية من جديد، رغم محاولات الاحتلال طمس القضية الفلسطينية.
"تأجيج الرأي العام"
الخبير الاستراتيجي محمود العجرمي، يرى أن مسيرات العودة ساهمت بشكل كبير في تأجيج الرأي العام لصالح الشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى أنها جاءت في لحظات فارقة أحيت جوهر القضية الوطنية وجعلها حاضرة أمام جماهير شعبنا الذي انخرط فيها بأشكال مختلفة في قطاع غزة والضفة المحتلة.
وأضاف العجرمي في حديثه لـ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"، أن المسيرة أعادت صياغة المشروع الوطني الفلسطيني بإبراز جوهر قضية العودة على المستوى الاستراتيجي والتكتيكي، لافتًا أنها أعادت الوحدة الوطنية بين مكونات الطيف السياسي الفلسطيني.
"مأزق حقيقي"
وشدّد على أن التحرك الجماهيري والمشاركة في مسيرات العودة وضع صفقة ترامب في مأزق حقيقي، وأوصل رسالة قوية مفادها "أن التربة المقدسة التي أراد ترامب والاحتلال استباحتها لن تستقبل هذا المشروع ولن يمر مرور الكرام".
وعلى الصعيد الدولي، أشار العجرمي، إلى أن مسيرات العودة فضحت وحشية الاحتلال الصهيوني لاستخدامه القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين، مبينًا أن مواقف دولية عديدة صدرت من غالبية دول العالم ومن قبل حلفاء للاحتلال رفضاً لاستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين.
"لقاءات غير مسبوقة"
ولفت إلى أنه لأول مرة على المستوى الدولي تجتمع الجمعية العامة للأمم المتحدة لثلاث مرات على التوالي لتناقش الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، حيث أنه أصدر (705) قرار تؤكد على الحقوق الفلسطيني، مضيفًا أن مجلس الأمن اجتمع أربع مرات لاسيما أنه أصدر (86) قرارًا يؤكد على الثوابت والحقوق الفلسطينية.
وذكر العجرمي، الجامعة العربية اجتمعت ثلاث مرات أكدت فيها على حقوق الشعب الفلسطيني، فيما اجتمعت منظمة التعاون الإسلامي مرتين، موضحًا أن هذه اللقاءات الدولية والعربية غير مسبوقة على المستوى الدولي والعربي وهذا يدلل على أن القضية الفلسطينية تتصدر جدول أعمال العالم.
"أدوات مسيرة العودة"
في السياق، أوضّح أن أدوات مسيرة العودة المتمثلة بوحدات الكوشوك وقص السلك والارباك الليلي شكّلت نقيضًا للوجود الاستيطاني في محيط غلاف غزة، مشيرًا إلى أنها تركت أثارًا عميقة على نفوس المستوطنين وفرضت عدًا تنازليًا على وجود الاحتلال.
وتابع العجرمي: "إبداعات مسيرات العودة فاجأت وصدمت الاحتلال ومستوطنيه، وأحيّت "عدم شرعية دولة الاحتلال بأنها قامت على أنقاض الشعب الفلسطيني، وخلقت مأزقًا لدى حكومات الاحتلال المتعاقبة في المحاكم الدولية خاصة بعد الاعتداءات المتعاقبة على قطاع غزة منذ عام 2006حتى اليوم".
"شعب يريد التحرير"
على الصعيد ذاته، قال المختص بالشأن السياسي مصطفى الصواف، إن مسيرات العودة حققت مكسبًا سياسيًا كبيرًا بإحياء القضية الفلسطينية من جديد على أجندة المجتمع الدولي وإعادتها على أجندة الشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى أنها أثبتت بأن هناك شعب فلسطيني يريد التحرر والعودة إلى أرضه المحتلة.
وأضاف الصواف لـ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية": "إن مسيرات العودة سببت حالة من الارباك الشديد لدى دولة الاحتلال ما جعله يزحف نحو البلدان العربية للضغط على الفلسطينيين لإيقاف المسيرات، مؤكدًا أن الاحتلال يعيش حالة من القلق الدائم وإرهاق قوات الاحتلال على حدود قطاع غزة وأشغلت الساحة "الإسرائيلية" طوال الوقت.
"الوحدة الوطنية"
وشدّد الصوّاف أن المطلوب حاليًا هو الاستمرار في فعاليات مسيرات العودة، وإعادة تطوير الأدوات المستخدمة لتحقيق بقية الأهداف المرجوّة منها، كما شدّد على أهمية وحدة الشعب الفلسطيني على برنامج وشراكة سياسية واحدة بين الفصائل والقوى الفلسطينية.
"إنجازات مسيرة العودة"
بدوره، أكد رئيس الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة وكسر الحصار، خالد البطش في تصريحات صحيفة سابقة، أن مسيرة العودة حققت ست إنجازات في عامها الأول، أولها: أعادت القضية الفلسطينية إلى مكانتها والصدارة الدولية، كما أعادت الصراع والاعتبار لحق العودة إلى سابق عهده، وثانيها: الوحدة الوطنية التي تحققت بمشاركة كل القوى الوطنية والإسلامية والشرائح المجتمعية والشعبية في صياغة المسيرة.
والإنجاز الثالث: الحشود الجماهيرية "الهائلة" التي خرجت لتشارك وأثبتت أن الجماهير حية ولم تمت على الرغم من المشككين، فيما يتمثل الإنجاز الرابع: بالبطولات والإبداعات الشعبية في "وحدات الإرباك الليلي، والكوشوك، والطائرات الورقية".
وذكر أن الإنجاز الخامس يتعلق بنظرة العالم العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية بأنها غير ميتة، وتصدت لمشروع التطبيع "فلم يكن بإمكان أي قوة التصدي لمشروع التطبيع دون دعم مسيرات العودة".
وقال: "هذه المسيرة أحرجت قطار التطبيع، وهناك أنظمة لولا مسيرة العودة والدم النازف في غزة لطبعت مع الاحتلال منذ زمن".
ونبه إلى أن الإنجاز السادس يتمثل بكشف وجه (إسرائيل) القبيح وإرهاب قادتها، مدللا بتقرير لجنة الأمم المتحدة، الخميس الماضي، الذي أشار إلى ارتكاب جنود الاحتلال جرائم حرب بحق متظاهري مسيرة العودة.
ويُصادف يوم الثلاثين من آذار المقبل، الذكرى السنوية الأولى لمسيرات العودة، وذكرى يوم الأرض، حيث شارك الفلسطينيون في غزة بـ50 جمعة على التوالي حتى اليوم، حيث ارتقى قرابة الثلاثمائة شهيد، وآلاف الجرحى منذ انطلاقها