مقال لأسير من داخل السجون: من أجل الأمهات في عيدهن حرق الأسرى غرفهم

الساعة 08:16 ص|21 مارس 2019

فلسطين اليوم

بقلم الأسير: محمد أبو مصعب

سجن "ريمون" الصهيوني

لا تختلف ممارسات العدو الصهيوني في داخل السجون تجاه الأسرى والأسيرات عن ممارسته الوحشية والإجرامية في خارج السجون ضد أهلنا وشعبنا في الضفة الغربية والقدس المحتلة وقطاع غزة المحاصر وحتى في أراضينا المحتلة عام 1948م، حيث أن هذه الانتهاكات المختلفة لحقوق الفلسطينيين هي غيض من فيض وهي ليست بالأمر المستهجن؛ إذ أن هذا الكيان الصهيوني هو كيان إرهابي غاصب خرج قيادته المزعومة وكيانه المسخ على وعد ديني توراتي كاذب ومضل وعلى حق موهوم بزعم أن فلسطين هي أرض الميعاد، ووصفها بالأرض التي ليس لنا فيها أي حق باعتراف التاريخ والجغرافيا والآثار والشواهد، فبنى كيانه هذا على جماجم العرب والفلسطينيين الذي لم يدع فرصة للنيل منهم إلا وانتهزها، فهل يمكن لهذا كيان أن يحترم عهد أو ميثاق أو يعترف بحق؟

ولهذا فإن العدو الصهيوني ممثلًا بما يسمى بمصلحة السجون وكما هو متوقع لم يعمدوا وبأي حال إلى إعطاء الأسرى والأسيرات في سجونها ومعتقلاتها أي رعاية أو عناية وفقًا لما تحض عليه الاتفاقيات الدولية مثل المادتان (5) و(9) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان اللتان تنصان على عدم جواز التعرض لأي إنسان بالتعذيب أو المعاملة القاسية أو الوحشية التي تحط من كرامته، والمادة (85) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1948م والتي جاء فيها أنه على الدولة الحادثة أن تتخذ جميع التدابير اللازمة لضمان إيواء الأشخاص المحميين منذ بدء اعتقالهم في ميدان أو أماكن تتوفر فيها كل الشروط الصحية، فأي اتفاقيات هذه التي تجبر العدو على التعاطي معها، فهو يكاد لا يترك ساعة من ليل أو نهار وإلا ويتفنن في كيفية تدمير الروح المعنوية للأسير الفلسطيني لكسر إرادته وشوكته ليجعل منه إنسانًا محطم النفس بلا هدف يذكر، بحيث يصبح لا يؤمن بعدالة قضيته، والسبيل لذلك بنظر العدو هو عبر قمعه على حد الذهنية الصهيونية وليس جسديًا فحسب بل ومعنويًا، والهدف كما ذكرنا هو إذلال الأسير أو الأسيرة وإشعارهم بأن نفسية الأسير أصبحت خائفة مرتعبة ذليلة محطمة، وكل ذلك من أجل السيطرة عليه وأداء كل الأوامر المطلوبة منه بحيث لا يكون قادرًا هذا الأسير على أخذ نفسه ورفع رأسه أو إن أراد أن يتحدث مع السجان أو الضابط الصهيوني عليه أن يطأطئ رأسه ويتحدث بصوت خافت الرجاء يا سيدي السجان، وهذا هو قمة الإذلال وقمة العبودية في هذا الزمان، ولكن خاب أملهم ورجائهم؛ لأن الأسير الفلسطيني استطاع أن يقاوم العدو ومصلحة سجونه ووزارة أمنهِ ممثلة في المجرم "أردان"، يقاومهم بيدهِ وأسنانه والأهم بإرادته، فاجتمعت قوة الجسد وروح المقاومة فكان الانتصار على الجلاد في مراحل كثيرة، ولهذا فقد أدرك الأسير أن سلاح الوعي هو السلاح المكمل والمتكامل مع البندقية، ولهذا فهو مطالب دومًا بكبح أية هجمة شرسة من العدو تستهدف صموده ووطنيته؛ لأن الوطنية هي جوهر المقاوم الفلسطيني، فكيف عندما يفقدها الأسير من خلال لحظة يأس أو لحظة انهيار فسيتحول حينها بكل جوهره لنقطة قاضية على كيانه كله، بل وتحطمه وتجعله كتلة هامدة فارغة من محتواها النضالي، لذلك فإنه على مدى عقود مضت لا تزال الحركة الأسيرة بكافة فصائلها الوطنية والإسلامية تواجه وتقاوم الهجمات الصهيونية بحقها رغم اشتدادها في الآونة الأخيرة عبر قيام وزير الأمن الصهيوني "أردان" ومصلحة سجونه الممثلة بـ"أشر" و"ذاكل" و"يوغال بيتون" بتشديد القبضة الحديدية على واقع الحركة الأسيرة وخاصة حماس والجهاد الإسلامي عبر حرمانهم من زيارة ذويهم ومصادرة مقتنياتهم وسحب العديد من الإنجازات التي حصلوا عليها عبر إضرابات كثيرة تعمدت بالدم، وكذلك حرمانهم من أدنى متطلبات العلاج الطبي وتقليص مشتريات الكانتينا، وتقليص كميات الطعام والشراب وعدم إدخال الملابس الشتوية والتشديد عليهم بالبوسطات، وهي عبارة عن سيارات كبيرة لنقل الأسرى أشبه بتوابيت حديدية، وهذا عدا عن التفتيشات اليومية عبر اقتحام الغرف في الليل والنهار عبر وحدات مخصصة لقمع الأسرى الفلسطينيين كما حدث في سجن "عوفر"، وعدا عن استفراده بالأسرى الأشبال لإفراغهم من محتواهم النضالي، وعدا عن استفراده بالأسيرات الفلسطينيات في سجن "الدامون".

ومع ذلك فإن الأسرى وعبر نضالات طويلة وعبر إضرابات عن الطعام متكررة نجحوا إلى حد ما في صد الهجمات الشرسة بحقهم، وذلك وفق تفاهمات ضمنية مع مصلحة السجون، ولكن أما أن تقوم مصلحة السجون بدعم وزارة الأمن بتركيب أجهزة تشويش مسرطنة في داخل أقسام الأسرى في السجون من أجل التسبب لهم بالأمراض السرطانية الخطيرة والموت البطيء فهذا ما لا يسمح به الأسرى؛ لأنهم رفعوا شعار: (لا نريد أن نموت إلا كما نريد)، وليس هذا فحسب بل لن يعيش الأسرى في أي قسم لا يمكنهم من خلاله التواصل مع عائلاتهم وذويهم، فترى الأسير يقاتل بكل قوة ممكنة متسلحًا بإيمانه بالله وبإصراره على تحقيق ما يريد ولو كلفه ذلك حياته، ومستعد للموت مرة وألف مرة حتى يتمكن من التواصل مع عائلته، وكيف لا وهو يصر على التواصل مع زوجته وأبنائه وأبيه وإخوته والأهم الأهم مع أمه مع هذه الأم الصابرة والمحتسبة، ففي الوقت الذي يحتفل فيه العالم بيوم المرأة العالمي وبعيد الأم فإن أمهات الأسرى والأسيرات الفلسطينيين يحتفلن به على طريقتهن الخاصة ما بين أم باحثة عن دواء لأبنها الجريح في مسيرات العودة، أو باكية على ابنها الشهيد، أو باحثة عن تصريح عبر الصيب الأحمر لزيارة ابنها أو ابنتها في داخل السجون، أو أم تفتش ليل نهار عن لقمة تقيم بها أود عائلتها بعد أن أعتقل أو استشهد معيلها ولاسيما بعد أن قامت السلطة الفلسطينية بقطع رواتبهم ومعاشاتهم، أو أم قابضة على حجر لتعطيه لم يستحقه لقذفه على آلية صهيونية، أو أم تبحث عن مكان آمن لتخبئ به مجاهدًا أو مناضلًا أو تحمي به أولادها من قصف صهيوني كما في قطاع غزة، لذلك فقد حرم الاحتلال الصهيوني هذه الأم من أبسط حقوقها فكيف للأسير الفلسطيني أن يخضع ويسلم وأن يرضى بتركيب أجهزة التشويش ويتحمل المرض والألم .

كلمات دلالية