غير مرتقب وغير سوي.. عن صواريخ غزة نتحدث.. يديعوت

الساعة 11:48 ص|15 مارس 2019

غير مرتقب، غير سوي

بقلم: اليكس فيشمان

(المضمون: اطلاق الصواريخ لم يكن متوقعا وليس معقولا في الوقت الذي تسعى الاطراف الى ارضاء حماس ماليا وسياسيا، فهل بوادر الربيع العربي في غزة هو ما دفع حماس لان تنقل الغضب الشعبي نحو اسرائيل؟ وما هي خيارات اسرائيل في الرد؟ هل وصلت الى الطريق الذي سيدفعها الى القضاء على حكم حماس في غزة بثمن حملة برية لزمن ما؟ - المصدر).

بدأت تدق في وقت متقدم أكثر مما خطط له الساعة العملياتية للحرب المخطط لها للقوة العسكرية لحماس والجهاد الاسلامي في غزة. فلا يوجد هنا وضع من المفاجأة الاستراتيجية. إذ انه من يوم تسلم رئيس الاركان آفي كوخافي مهام منصبه، يعنى اساسا باعداد الجيش لهذه الحرب. ولكن توجد هنا "مفاجأة وضعية": فأحد لم يتوقع ان ينفذ أي تنظيم عسكري في غزة مثل هذا الاستفزاز الذي يستوجب من اسرائيل رد فعل قاس حتى قبل الانتخابات.

ابتداء من مساء يوم أمس بدأت غرف العمليات في هيئة الاركان وفي قيادة المنطقة الجنوبية تعمل بوتيرة تدل على التقديرات بتدهور شامل. فالجيش ينتظر الاوامر. ففي الساعات الاولى بعد اطلاق النار يحاولون هنا فهم ما الذي حصل: لم يكن اخطار باطلاق نار، لم يكن تصعيد شاذ في الميدان، بل العكس. ولفهم ما الذي أدى الى اطلاق النار يوجد هنا معنى حرج والا فنحن في حرب.

لقد قرر المبعوث الامريكي الخاص الى الشرق الاوسط جيسون غرينبلت الامر منذ الان. فقد اتهم علنا أمس حماس بتنفيذ اطلاق الصواريخ نحو مدن في اسرائيل. فضلا عن ذلك، قال، نحن ندعم بشدة حق اسرائيل في الدفاع عن مواطنيها. بكلمات اخرى: يوجد لاسرائيل ضوء اخضر من الولايات المتحدة للهجوم في غزة.

وبالتوازي أعلن وفد المخابرات المصرية الذي وصل الى غزة أمس كي يجمل بنود التفاهم مع اسرائيل وادخال الاموال والمشاريع الى القطاع عن مغادرته. والمعنى هو أن المصريين أيضا يفهمون بان حماس لم تترك لاسرائيل اي مخرج آخر غير الهجوم، وهم لا يعتزمون تعريض حياة رجالهم للخطر.

أما الجهاد الاسلامي – المشبوه الفوري بمحاولة تعطيل كل تسوية مع اسرائيل – فقد سارع الى النفي بان يكون المسؤول عن اطلاق الصواريخ. من ناحية اسرائيل يوجد لهذا النفي معنى جد محدود. ففي اسرائيل يعرفون بان للجهاد، مثلما لحماس، يوجد صواريخ فجر بعيدة المدى منذ عقد. ومثل هذه الصواريخ سبق أن اطلقت في عمود السحاب وفي الجرف الصامد.

تقول فرضية الانطلاق في اسرائيل ان نار الصواريخ بعيدة المدى من قطاع غزة لا يمكن أن تطلق دون تنسيق مع حماس او على الاقل بعلم المنظمة، المتسللة جيدا الى المنظمات المختلفة ايضا. بعد نحو ساعتين من اطلاق الصواريخ رفعت حماس المسؤولية عن نفسها بواسطة المصريين. ومعقول جدا الافتراض بان اسرائيل تتابع ما يجري في الميدان كي تفهم هل حماس تبذل بالفعل جهودا للبحث عن منفذي اطلاق النار أم انها تتظاهر فقط.

شيء ما متطرف، شاذ، كان ينبغي أن يحصل في قطاع غزة في الايام وفي الساعات ما قبل اطلاق النار كي يدفع حماس لان تتخذ قرارات بكسر القواعد والمخاطرة بحرب اخرى مع اسرائيل. لا يوجد اي سبيل آخر لشرح الخطوة غير المرتقبة وربما ايضا غير العاقلة هذه لاطلاق النار نحو اسرائيل، الا اذا كان هذا برق أو قوة طبيعية عليا اخرى اشعل هذه الصواريخ مثلما حصل في اطلاق النار نحو بئر السبع قبل بضعة اشهر. في اليوم الاخير لم يكن في القطاع سوى اعضاء وفد المخابرات المصرية الذي عرض وثيقة تفاهمات حصلت اسرائيل على بعض من بنودها، بل وكان ايضا السفير القطري، محمد العمادي، الذي جلب معه تعهدا باقامة سفارة قطرية في القطاع، اقامة مسجد مركزي من اكبر المساجد في العالم وبالطبع وعد بـ 30 مليون دولار لغزة في كل شهر في النصف السنة القريبة القادمة. كما ان سفير الامم المتحدة، نيكولاي ملدنوف، لم يغادر غزة الا اول أمس مع تعهد باقامة حاويات سولار ضخمة تضمن تشغيل محطة توليد الطاقة.

ولكن حماس، في لحظة واحدة، ألقت اغلب الظن الى سلة المهملات بكل هذه الوعود والآمال لاعادة بناء غزة والتي انكبت عليها في اثناء الاشهر الاخيرة، واطلقت صاورخين بعيدي المدى نحو اسرائيل دون غاية عملياتية. هذا لا يبدو منطقيا.

وعليه، فان شرح هذه الخطوة ربما ينبغي البحث عنه في خلل ما او في نوبة خوف ألمت بزعماء حماس على بقاء المنظمة في الحكم. فالحدث الاكثر دراماتيكية الذي وقع في اليوم الذي سبق اطلاق النار في القطاع كان المظاهرات الكبرى لسكان في جباليا على خلفية الوضع الاقتصادي، في ظل تعابير احتجاجية قاسية ضد منظمة حماس. وقد قمعت المظاهرات بوحشية من قبل أجهزة أمن المنظمة. ووصف مصدر عليم في القطاع ما حصل في جباليا بانه "نموذج ثورة شعبية".

ان قوة حماس في الشارع الغزي تنبع من قدرتها على أن تقرأ جيدا المزاج في الشارع الفلسطيني. وفهم قادتها بان هذه ليست مظاهرة اخرى بل مسيرة من شأنها ان تبشر بالربيع الفلسطيني في القطاع فقرروا وقف هذا التدهور من خلال الحل الدائم: توجيه الغضب نحو اسرائيل.

ان الكرة في ملعب اسرائيل. في القدس يمكنهم ان يقروا بان الحديث يدور عن خلل عملياتي في حماس، فيردوا بشكل مدروس وقصير، ويبقوا للشارع الفلسطيني مواصلة موجة الاحتجاجات ضد قادة حماس. أو ان يبقوا الدفتر مفتوحا، فيضربوا حماس في التوقيت الذي يقررونه، بعد الانتخابات، والا يتركوا لها ان تملي الجداول الزمنية.

يمكن لاسرائيل أيضا ان تنفذ هجمات جوية متواصلة وقاسية في ظل التسبب باضرار جسيمة لمنظومة حماس العسكرية، مما سيجر لجولة اخرى من القتال في المنطقة ستؤدي على اي حال الى تشويش السير السليم للانتخابات وينتهي برزمة عطايا اخرى الى غزة. وثمة طريق آخر من الخطوة العسكرية الشاملة، البرية والجوية، التي هدفها الوحيد هو كسر قوة حماس العسكرية واحلال الهدوء في المنطقة لسنوات طويلة، بثمن عملية برية لفترة زمنية معينة ايضا. اسرائيل ستصل الى هذه الطريق. السؤال المطروح الان على طاولة رئيس الوزراء هو هل الوصول اليها منذ الان.