الربيع لم يصل بعد -هآرتس

الساعة 01:21 م|13 مارس 2019

فلسطين اليوم

بقلم: تسفي برئيل

(المضمون: بعد عشرين سنة في الحكم هناك من اعتبروا قرار بوتفليقة عدم ترشحه للرئاسة في الانتخابات كجولة ناجحة اخرى للربيع العربي. ولكن عدم اليقين حول موعد الانتخابات والخوف من انضمام جهات راديكالية الى الاحتجاج يمكن أن تدهور الدولة الى الفوضى - المصدر).

كان لرئيس الجزائر عبد العزيز بوتفليقة أول أمس بشرى مزدوجة لمواطني الدولة: صحيح أنه لن يتنافس في الانتخابات القادمة، لكن في هذه الاثناء ايضا لن تجرى انتخابات. يبدو أن

الاحتجاجات الكبيرة التي بدأت في الشهر الماضي والتي طالب فيها آلاف المواطنين بانسحاب بوتفليقة من الترشح للرئاسة، توجت بالنجاح. لقد كان هناك من توج اعلان الرئيس كجولة ناجحة اخرى لثورات الربيع العربي، بعد ثماني سنوات من اندلاعها في تونس. ولكن الى جانب نجاح الجمهور والاعتراف بقوته (وتهديداته) تقف الآن عدة علامات استفهام تواصل تحريك الاحتجاج في الشوارع.

هتافات الفرح ورفع الاعلام وصافرات الشوارع التي عبرت عن الاحتجاج يمكنها أن تحل قريبا محل احتجاجات ومظاهرات جديدة. الجمهور يتوقع أن يطلب معرفة على الاقل متى سيتم اجراء الانتخابات القادمة واذا كان بوتفليقة يخطط لاستغلال فترة التأجيل حتى النهاية والبقاء رئيسا.

 

الرئيس وعد باجراء حوار وطني في مسألة التعديلات في الدستور، واجراء اصلاحات اقتصادية تضمن زيادة اماكن العمل وتقليص الفجوات الاجتماعية. ولكن الخوف هو من أن تأجيل الانتخابات سيفرض على الجزائر فترة جمود وتعزيز النخبة التي بدأت في تعزيز صفوفها من اجل ضمان أن يكون الرئيس القادم، مهما كان، أن يضمن لها الامتيازات التي حظيت بها خلال عشرين سنة من ولاية بوتفليقة.

طالما أن الرئيس الحالي بقي الحكم، فان النخبة السياسية التي تتركز في الحزب الحاكم والجبهة القومية واصحاب رؤوس الاموال، المقربين من بوتفليقة، يمكنها رسم صورة الاصلاحات التي تكون مستعدة لها. وهي ايضا يمكنها التأثير على التعديلات في الدستور.

السؤال الرئيسي بناء على ذلك هو هل مقاربة النظام في الجزائر وقوة النخبة في الدولة ستتغير بعد ذهاب بوتفليقة النهائي، أو أن الامر يتعلق فقط بتغيير الاشخاص في حين أن المقاربة نفسها لن تتضرر. جزء من الجواب يكمن في سياسة الجيش، الذي بصورة تقليدية قرر من يقود الدولة وكيفية قيادتها. بين الرئيس الحالي وبين قادة الجيش تسود علاقات تعاون، لكن ايضا الشك والتهديد.

بوتفليقة توجد لديه معلومات تعرض للخطر قادة الجيش والمخابرات، التي بناء عليها الكثير من القادة شاركوا في حرب الاستقلال العنيفة ضد فرنسا. كشف هذه الاسرار يمكن أن تثير عاصفة في اوساط الجمهور وتؤدي الى المطالبة بتقديم عدد من هؤلاء الضباط للمحاكمة على جرائم حرب. آخرون يمكنهم أن يقدموا للمحاكمة على افعال غير قانونية نفذوها في الحرب الاهلية بعد اندلاعها بعد الغاء النظام للانتخابات في 1991. مع ذلك، ايضا للجيش واصحاب رؤوس الاموال يوجد ما يكفي من المواد عن بوتفليقة نفسه الذي هرب من الدولة بعد اتهامه بسرقة كبيرة وعودته بعد 16 سنة من المنفى في سويسرا.

 

ميزان القوى الهش بين الجيش واصحاب رؤوس الاموال من جهة والانتفاضة المدنية التي اجبرت الجيش على الادراك بأن الاستخدام المبالغ به للقوة يمكن أن يدهور الدولة الى فوضى تصعب السيطرة عليها من جهة اخرى، ستجبر قيادة المعسكرين على التوصل الى تفاهمات تمكن كل طرف من الادعاء بأنه قد انتصر.

ميزة الجزائر مقارنة مع مصر وتونس وليبيا واليمن، دول ثورات الربيع العربي، تكمن في أن سياستها مؤسسة، وأن احزاب المعارضة انبتت من داخلها قادة محليين. الحديث لا يدور فقط عن حركات احتجاج اقيمت بتسرع ويرأسها شباب غير معروفين مثلما حدث في احتجاجات الدول العربية الاخرى، هذه البنية يمكن أن تضمن سلوك سياسي منظم شريطة أن يسارع النظام الى تحديد موعد جديد للانتخابات يجر هذه الحركات الى الانتظام السياسي والى المنافسة على دور القيادة.

كلما تأخر موعد اجراء الانتخابات سينضم الى حركات الاحتجاج شباب راديكاليين، بالاساس من التنظيمات الاسلامية. هذه الجهات يتوقع أن ترجح استراتيجية العمل وأن تملي جدول الاعمال الايديولوجي. هذا الامر يمكنه أيضا أن يحدد موقف الجيش من الاحتجاج: اذا كانت قوات الامن حتى الآن تصرفت بضبط نفس نسبي وحتى أنها اعلنت أن الجيش والشعب يرون بنفس المنظار مستقبل الدولة، فانه اذا غير الاحتجاج طبيعته السياسية واصبح ايديولوجيا، فمن شأن الجيش أن يتبنى هو ايضا مقاربة اكثر قسوة من شأنها أن تؤدي الى مواجهات عنيفة.

إن اتجاه الاحداث يتعلق الآن بسلوك بوتفليقة المريض ومستشاريه المقربين. في عمر الـ 82 يمكننا التقدير بأنه يفكر بالارث الذي سيخلفه وبطابع الدولة التي حارب من اجل تحريرها.

الرئيس لم يكن نموذج مثالي للزعيم الديمقراطي. لقد استند الى قوى لم تنتخب من قبل الجمهور وعلى الجيش. ومنع نمو قادة اقوياء في حزبه. في المقابل، هو الزعيم الذي نجح في تحقيق المصالحة الوطنية في الجزائر وانهاء الحرب الاهلية التي قتل فيها 200 ألف شخص تقريبا. يمكننا أن ننسب قرار انسحابه من المنافسة في الانتخابات وتأجيل اجرائها الى حكمته، التي اوضحت له أن الجمهور لا يوافق عليه لولاية خامسة، وليس فقط بسبب وضعه الصحي المتدهور.

في اليمين سارعوا لمهاجمة الاوقاف على اعتبار أنهم هم الذين بادروا الى الهجوم وقادوه. مقر منظمات الهيكل، حزب "القوة اليهودية" واتحاد احزاب اليمين، سارعوا الى الدعوة الى تحقيق السيادة في الحرم وطرد الاوقاف. في المقابل، ذوي النظرة الثاقبة لاحظوا أن من سارع الى الموقع لاطفاء الحريق كانوا رجال الاوقاف.

 

خلافا للصورة المتطرفة التي توجد للاوقاف لدى الجمهور الاسرائيلي فان الامر يتعلق بجسم مؤسسي جدا، محافظ ومعتدل جدا، بالتأكيد مقارنة مع القوى الاخرى التي تعمل في الحرم. الاوقاف هي ذراع حكومي اردني، لذلك فان لاسرائيل مصلحة في تعزيزها امام القوى الاخرى؛ وهي ايضا تعمل من خلال حقوق منحت لها من قبل اسرائيل في اتفاق السلام في 1994.

 

مجلس الاوقاف الجديد بادر الى فتح مبنى باب الرحمة قبل ثلاثة اسابيع، في خطوة بدأت بها الازمة الحالية، لكنها فعلت ذلك بعد سنوات من محاولات التحادث الهاديء مع اسرائيل. ومهما كان الامر، الاوقاف فقدت منذ ذلك الحين السيطرة على الاحداث. والادعاء بأنه كانت للاوقاف مصلحة في احراق مركز الشرطة أو أنها تقف من ورائها، مناقض للمنطق.

 

في الازمة الحالية الاوقاف توجد بين المطرقة والسندان: اسرائيل تتهمها بمساعدة الارهاب وتطالب باغلاق المبنى، وفي المقابل، الشارع الفلسطيني ينسب اليها التنازل وحتى التعاون مع السلطات. الشخصيات الكبيرة في الاوقاف يضطرون الى مواجهة تهديدات واتهامات شديدة بسبب "خيانة الاقصى". وفي الاسبوع الماضي قدم المدير العام للاوقاف، الشيخ عزام الخطيب، استقالته. فقط بضغط من الاردن بقي في وظيفته. بسبب الضغط الداخلي اضطرت الاوقاف الى الغاء لقاء خطط له مع قائد لواء القدس في الشرطة، المفتش دورون يديد. ونقلت المحادثات بشأن حل الازمة الى المستوى السياسي في عمان.

 

مع ذلك، في اليمين في اسرائيل محقون في الادعاء بأن اسرائيل لا تستخدم بالفعل السيادة على الحرم، كما لاحظ ذلك قبل سنوات البروفيسور اسحق رايتر من معهد القدس لابحاث السياسيات. في كل مرة تحاول فيها الدولة فرض سيادتها بالقوة على الحرم، فانها تنتهي بسيادة أقل مما كان قبل هذه المحاولة. هذا ما حدث عند فتح النفق في 1996، وعند زيارة اريئيل شارون الى الحرم في ايلول 2000، وعند محاولة وضع البوابات الالكترونية في 2017.

 

القوة فقط لم تساعد في هذه المرة. اغلاق المبنى سيجبر الشرطة على وضع قوة دائمة في نقطة اخرى في الحرم، الامر الذي سيخلق فقط نقطة احتكاك اخرى والمزيد من العنف. في المقابل يمكن التوصل الى تفاهمات مع الاردن حول اعادة ترميم شاملة وطويلة المدى للمبنى من قبل الاوقاف. ولكن هذا يقتضي القليل من العقل السليم وضبط النفس من جانب السياسيين، والقليل من التنازل في كل ما يتعلق بشعارات فارغة من المضمون حول الكرامة الوطنية. وهذه ثلاثة امور معدومة تماما في فترة الانتخابات.