صفقة العار- يديعوت 

الساعة 04:00 م|01 مارس 2019

فلسطين اليوم

صفقة العار- يديعوت بقلم: اليكس فيشمان

(المضمون: خطة ترامب تدخل رسميا الى قائمة متزايدة من العوامل التي تسرع بالذات الانفجار بين اسرائيل والفلسطينيين. من ناحية الجيش المواجهة في غزة محتمة وفي الضفة ليس للجيش وللمخابرات اي قدرة للتأثير على الوضع في ظل الانتخابات واستهتار الحكومة بما ستكون من نتائج في الميدان بعدها –المصدر).

"كل عائلة يمكنها أن تجلس على طاولة وجبة العشاء وان تقرأ الخطة مع الاولاد وأن ترى كم من المجدي ان تتبناها. وهم سيمارسون ضغطهم على ابو مازن".

المحفل السياسي الاسرائيلي لم يصدق ما تسمعه أذنيه. يجلس امامه من يتولى منصبا مركزيا في الادارة الامريكية التي تعمل على "خطة القرن" لترامب. رجل يتجول في الشرق الاوسط من اللحظة التي انتخب فيها ترامب رئيسا. هل تؤمن حقا، سأله المحفل السياسي الاسرائيلي بعجب، بان المجتمع الفلسطيني هو مجتمع ديمقراطي حديث قادر على ممارسة الضغط الجماهيري الذي يؤثر على زعماء السلطة؟ يتبين أن الامريكيين يؤمنون بالضبط بان هكذا هو الوضع. فقد أوضح الامريكي بان الخطة كتبت ببساطة شديدة. ليس فيها هذر قانوني زائد. وبالمقابل يوجد فيها الكثير جدا من التوصيفات الصورية التي تأتي لاقناع الجمهور الفلسطيني كم سيكون خيرا له: عمل، مال، حرية حركة وكذا سيادة معينة. وكأن هناك حاجة لشرح حقائق بسيطة للاطفال.

يبدو ان الامريكيين واثقين انه في 10 نيسان، بعد يوم من الانتخابات، ستنشر الخطة وفي نهاية ذاك الاسبوع سيجلس كل الفلسطينيون في بيوتهم ليقرأوا اسطورة ترامب عن خروج الفلسطينيين العبودية الى الحرية ويهنئون بها. سجل المحفل الاسرائيلي السياسي امامه: حين تلتقي السذاجة مع الهواية فان هذه وصفة للمصيبة. خطة ترامب تدخل رسميا الى قائمة متزايدة من العوامل التي تسرع بالذات الانفجار بين اسرائيل والفلسطينيين.

في صياغة "خطة القرن" لم تشارك محافل مهنية في الادارة توجد في بواطن الشرق الاوسط. فقد ابقيت وزارة الخارجية في الخارج. كما أن الفريق الصغير في مجلس الامن القومي الذي يساعد المبعوثين جارد كوشنير وجيسون غرينبلت على بلورة مواقفهما، ساعد بالاساس في جمع المعطيات ولكنه اقصي عن النتيجة النهائية. كل هذه الوثيقة كتبت، في واقع الامر، في مثلث السفير الامريكي ديفيد فريدمان، كوشنير وغرينبلت. ولم تكن السلطة الفلسطينية مشاركة في اي مرحلة

بالمقابل، هناك شهادات عن مشاركة عميقة من سفير اسرائيل في الولايات المتحدة رون ديرمر في الوثيقة وعلى اي حال رئيس الوزراء نتنياهو ايضا. ولا غرو ان ليس للسلطة الفلسطينية أي دافع للبحث في هذه الوثيقة وقد رفضتها حتى قبل أن تعرض.

لم يخلق التسريب من جانب جارد كوشنير هذا الاسبوع، عن تغيير الحدود الدائمة لاسرائيل، والذي يعني اقامة دولة فلسطينية الى جانبها، زخما ايجابيا لدى الفلسطينيين. وفي جهاز الامن في اسرائيل ترجموا هذا التسريب كمحاولة لتليين موقف السلطة الفلسطينية، على خلفية سلسلة الضربات التي وجهتها ادارة ترامب الى ابو مازن: بدء باقامة السفارة في القدس، عبر اقتطاع نحو مليار دولار من الاموال التي تدفع للسلطة ومؤسسات الاغاثة للفلسطينيين، الى جانب الضرر المالي الذي يلحق باجهزة الامن وانتهاء بقرار اغلاق القنصلية الامريكية في القدس التي كانت تعمل مع السلطة. ولكن المحاولة الامريكية للتملق للسلطة بعد كل هذا – لا تنجح.

في هذه الايام يتنقل كوشنير بين دبي، ابو ظبي، قطر، السعودية ومصر، بل وزار اردوغان في تركيا، في محاولة لتجنيد الزعماء العرب لممارسة الضغط على السلطة لقبول الخطة. حملة مشابهة اجراها في تشرين الاول من السنة الماضية، فشلت. تقارير وصلت في بداية الاسبوع الى القدس من دول الخليج لا تفيد ببشرى جديدة. وحسب التقارير، مع ان كوشنير سمع من الزعماء العرب الذين التقاهم بان خطته "جد جديدة، جد مثيرة للاهتمام وفيها عنصر اقتصادي رائع. في "نيويورك تايمز" نشر هذا الاسبوع بان الخطة تتضمن استثمارا بـ 25 مليار دولار في يهودا والسامرة وغزة على مدى عقد من السنين. ولكن تنقص الخطة عدة امور صغيرة ستسمح للدول العربية بدعمها. مثلا، دولة فلسطينية على اساس خطوط 67، مع عاصمة في شرقي القدس، أو تبني المبادرة العربية بكاملها.

ليس للامريكيين خطة بديلة. وماذا سيحصل اذا ما وعندما ترفض الخطة؟ لدى رجل الادارة الكبير يوجد جواب: "في حالة كانت أجوبة الاطراف لا تسمح بالتواصل – فاننا ننصرف من القضية". والمعنى: اذا انهارت "خطة القرن" يعود الطرفان الى خانة الفراغ السياسي، الازمة الاقتصادية العميقة في الضفة وفي غزة، والتدهور الى مواجهة مسلحة.

ما تعلمه السنوار في السجن

ان خيبة الامل الفلسطينية من خطة ترامب هي عود ثقاب آخر في رزمة اعواد الثقاب التي اشعلت منذ الان وتهدد باحراق الضفة والقطاع حيال السلطة وحيال اسرائيل. فاذا كانوا في الجيش تحدثوا في كانون الثاني، عشية تغيير رئيس الاركان عن تحذير استراتيجي من انفجار مع الفلسطينيين في اثناء 2019، فاننا اليوم بتنا في داخل هذه الازمة ولا يزال دون وجهها العنيف.

منذ المداولات الاولى التي اجرتها هيئة الاركان اوضح رئيس الاركان أفيف كوخافي بان المواجهة في غزة محتمة ويجب الاستعداد لها وكأنها توشك على الوقوع غدا. وبالفعل، وفقا لتعليمات رئيس الاركان يوجد الجيش اليوم في ذروة جهد مركز للاستعداد للمواجهة في القطاع. وليس صدفة ان اختار الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي ان ينشر علنا وبالتفصيل اهداف المناورة المفاجئة التي جرت في بداية الاسبوع.

فقد خططت المناورة فور دخول كوخافي الى منصبه، في منتصف كانون الثاني. اما من فوجيء فكانت تلك الوحدات من قيادة الشمال التي جيء بها بشكل مفاجيء الى سيناريو حرب في جبهة الجنوب. وفحصت في المناورة "لبنة أساسية" واحدة في الجيش البري. فالحديث يدور عن طاقم قتالي لوائي يتشكل من كتائب مدرعات، هندسة ومشاة، بمرافقة قوة مدفعية وجوية. في الوضع الحقيقي فان عشرات "اللبنات" كهذه ستدخل الى قطاع غزة. في الجيش الاسرائيلي ارادوا لحماس ان تفهم بان القصة جدية، وانه بخلاف تقديراتهم للوضع – بان اسرائيل لن تتردد بالدخول الى القطاع.

في هذه الاثناء لا يصدق السنوار بان اسرائيل ستجتاز الخطوط، الى ما هو أكثر من بضعة ايام قتالية قصيرة. ويلاحظ سجناء امنيون كانوا معه لسنوات طويلة في السجن الاسرائيلي، ذات انماط العمل التي كانت له حين كان زعيما لحماس في السجن. وبزعمهم، فان فكرته الاساسية بقيت كما هي: لا يمكن تحقيق اي شيء من اسرائيل الا بالقوة. واستخدام القوة لديه، مثلما في السجن، متوازن ومدروس. ففي حينه كان يوجه السجناء تحت قيادته بان يفتحوا اضرابا متواصلا عن الطعام، في ظل أخذ مخاطرة برد فعل قاس من جانب مصلحة السجون، وحين لم يجد هذا وجه رجاله بمهاجمة السجانين. وكان مستعدا لان يدفع ثمنا باهظا لمعرفته بان في نهاية المطاف ستدخل سلطات السجن معه في مفاوضات.

في الايام الاخيرة نقل مبعوث الامم المتحدة الى الشرق الاوسط، نيكولاي ملدنوف رسالة الى اسرائيل من السنوار. في حديث بين الرجلين، كان موجها في مواقع الامر الى اذان اسرائيلية، اشار السنوار الى خيارين اساسيين للحل. الاول: المسؤولية عن اعمار قطاع غزة تتم بوسائل سلمية وبوساطة دولية. الثانية: ازمة عسكرية حادة ستستوجب تدخلا عربيا ودوليا فوريا لحل الضائقة في غزة. الخيار الاول هو باحتمال متدن، ومن ناحية السنوار لم يتبقَ له الا كسر القواعد، بالعنف. هذه هي الصيغة التي تبناها في السجن. اسرائيل لا تفهم الا لغة القوة.

في تشرين الاول الاخير فقط تعهد لسكان القطاع بان الحصار سيرفع. هذا لم يحصل. فقد اشترت اسرائيل الهدوء بالمال، مددت ساعات الكهرباء وسمحت للقطريين بنقل الاموال النقدية الى القطاع. ولكن هذه المناورة ايضا تنتهي. في 30 اذار ستحل سنة على مسيرات الاحتجاج على الجدار وحماس لا يمكنها أن تعرض انجازا جوهريا واحدا في صالح السكان. فضلا عن ذلك، في شهر اذار تبدأ فترة "ايام الذكرى": يوم الارض، يوم الاسير، يوم النكبة، يوم النكسة. شهران يتصاعد فيهما التوتر والعنف على اي حال في كل سنة. في المرحلة الحالية يتركز الجهد على ممارسة الضغط على سكان غلاف غزة، من خلال المظاهرات النهارية والليلية، الانفجارات على الجدار، استخدام مكبرات الصوت والبالونات المتفجرة – كذاك الذي رأيناه هذا الاسبوع. يقول التفكير الفلسطيني بان حساسية نتنياهو، عشية الانتخابات، لاحتجاج الاسرائيليين بسبب التدهور في الامن – ستثنيه.

في جهاز الامن يوجد هناك ايضا من يقدرون بان قيادة حماس في القطاع ستنتظر نتائج الانتخابات في اسرائيل قبل أن تنتقل الى خطة عسكرية. ليس مؤكدا ان لهذه النظرية اساسا في الواقع. فحملة الرصاص المصبوب في كانون الاول 2008 نشبت في ظل حملة انتخابات.

توجد اسرائيل اليوم في مسار المواجهة. ليس صدفة ان الزيارة الاولى التي اجراها كوخافي كرئيس اركان كانت في قيادة المنطقة الجنوبية. وهكذا يكون حدد عمليا سلم اولوياته: كمية الزمن التي يستثمرها كوخافي في جبهة غزة اكبر بلا قياس من المداولات المكرسة للجبهات الاخرى. ولكن بينما في قطاع غزة قوانين التفجر واضحة جدا، وللجيش توجد ادوات للتأثير عليها، ففي ما يتعلق بالضفة ليس للجيش الاسرائيلي، صحيح حتى الان، اي قدرة تأثير على ما سيحصل في المستقبل. فالمخابرات والجيش الاسرائيلي ومنسق الاعمال في المناطق حاولوا ان يتحدثوا الى قلب القيادة السياسية والتلميح برقة بالحاجة الى تأجيل، او على الاقل تلطيف حدة القرار على اقتطاع الاموال المحولة الى عائلات السجناء من اموال الضرائب التي تجبيها اسرائيل للسلطة. ولكن لم يكن هناك مع من يمكن الحديث. فالساحة السياسية في ايام الانتخابات ليست منصتة لخطوات غير شعبية.

ومع ذلك، استجاب نتنياهو في نهاية الاسبوع الماضي لطلب الملك الاردني الامتناع عن خطوات كاسحة من شأنها ان تؤدي الى انفجار عنف في الحرم، على خلفية سيطرة الاوقاف على المبنى المسمى باب الرحمة. وفي اسرائيل فهموا بان هذه الازمة تعبر عن صراعات قوى بين محافل اسلامية مختلفة على السيطرة في الحرم ولا تتعلق بنا. فالاوقاف الاردنية تشعر بانها تفقد نفوذها امام النشاط المكثف للجمعيات الخيرية التركية في الميدان مثل "تيكا" التي تتمتع بميزانية سنوية هائلة بمقدار ثمانية مليار دولار وتهدد الهيمنة الاردنية. وفعل نتنياهو الصواب حين لم يرفع هذه الازمة الى الانفجار، ولكن ضغط ناخبيه أخرج منه لاحقا تصريحات عن أنه وجه الشرطة لاخراج المصلين المسلمين من المبنى بالقوة. لم يتبقَ سوى الامل في أن يكون هذا مجرد تصريح من الفم الى الخارج.

الاقتطاع باقتطاع

تعتقد المحافل المهنية في تنسيق الاعمال في المناطق في المخابرات وفي الجيش الاسرائيلي بان الجمهور الفلسطيني في الضفة يتمتع باستقرار اقتصادي ما يمنع الاضطراب القائم. وفي اللحظة التي تكون فيها اسرائيل، حتى ولو لاكثر الاسباب وجاهة، تهز الاقتصاد فانها تكون اطلقت النار على ساقها.

بالاجمال اعتزمت اسرائيل أن تقتطع نحو 40 مليون شيكل في الشهر من الاستردادات الضريبية. ومع ان السلطة ما كانت لتنهار من هذا الاقتطاع ولكن اسرائيل تلعب على موضوع رمزي سبق أن رفعها في الماضي الى الالغام: في 2015 قررت اسرائيل معاقبة السلطة على انضمامها الى مؤسسات دولية واعلنت بانها لن تحول لها اموال الضرائب. فاعلن ابو مازن في حينه بانه يتخلى عن الاموال الاسرائيلية على الاطلاق. وفي غضون شهر نشأت ازمة اقتصادية في الضفة واستدعي في حينه قائد المنطقة نيتسان الون ومنسق الاعمال في المناطق اللواء فولي مردخاي الى رئيس الوزراء فوجدوا حلا ابداعيا، لم يكسر للحكومة كلمتها وبالتوازي أدى في النهاية الى تحويل الاموال. غير أن هذه المرة يجري الاقتطاع وفقا للقانون، وليس وفقا لقرار حكومي مثلما كان في حينه – مما يجعله لا مرد له.

لقد اقتطع الامريكيون للسلطة نحو مليار دولار في السنة. واقتطعت اسرائيل 500 مليون شيكل في السنة، وابتداء من 1 اذار لن تكون السلطة الفلسطينية قادرة على تشغيل الخدمات العامة. 40 في المئة من ميزانية السلطة السنوية – ببساطة شطب. وابو مازن يتصرف بالضبط مثلما فعل في 2014: فقد اعلن بانه يتخلى عن كل الاموال الاسرائيلية وليس فقط عن قسم منها، مع علم واضح بانه لن تكون له اي قدرة للسيطرة على التدهور في الميدان، وذلك لان رواتب اجهزة الامن ستتضرر ايضا. والنتيجة الفورية باتت واضحة منذ الان في الشبكات الاجتماعية، والشارع الفلسطيني مضطرب. احد قادة اجهزة الامن في الضفة قال مؤخرا لنظيره الاسرائيلي: "منذ زمن طويل وانا لا أنام في الليل خوفا من الا يأتي افراد الشرطة الى العمل في الصباح. اما الان فاني اخاف من اللحظة التي يأخذون فيها السلاح ويتمترسون في مكان آخر".

سيناريو التدهور في غزة واضح أكثر ويمكن الاستعداد له. اما في الضفة فالصورة اكثر اثارة للقلق وذلك لان احتمال العنف هناك اكبر بكثير. اما للجيش، في فترة الانتخابات فتكاد لا تكون امكانية للتأثير على الوضع. نائب ابو مازن، محمود العالول، دعا منذ الان السكان لمواجهة القرار الاسرائيلي تقليص اموال الضرائب. هذا مثال واضح على سياسة السلطة: فهي غير معنية بالانفجار، لا تريد وقف التنسيق الامني ولكنها تريد بالفعل أن يمارس ضغط على اسرائيل من خلال اعمال الاخلال الجماهيرية بالنظام. غير أن احدا لا يمكنه أن يتحكم بدينامية اعمال اخلال واسعة بالنظام.

لقد تميزت السياسة الاسرائيلية في الضفة حتى اليوم بالمراوحة في المكان: من جهة لا حراك كي لا يتغير الوضع الراهن، ومن جهة اخرى مواصلة الحراك لخلق ضجيج فعل. اما الاحساس اليوم في جهاز الامن فهو انه بسبب الانتخابات تسير الحكومة الى الوراء، دون أن تأخذ المعاني بالحسبان. بعدنا الطوفان.

كلمات دلالية