تبادل ضربات- معاريف

الساعة 02:44 م|01 مارس 2019

فلسطين اليوم

تبادل ضربات- معاريف بقلم: جاكي خوجي

(المضمون: لم يسبق أن شهدت العلاقات بين السلطة وحماس مثل السم الذي شهدته هذا الاسبوع. ورغم ذلك، لم يعد مؤكدا ان هذا الانقسام يخدم اسرائيل. والسيسي يحاول اصلاح العالم - المصدر).

المؤرخ الذي سيبحث في تاريخ الانقسام بين حماس والسلطة، ويسعى الى ارفاق ملاحظات هامشية لذيذة به، لن يتمكن من القفز عن هذا الاسبوع. فقد ضربت كل حركة بنظيرتها المرة تلو الاخرى، ليس لسفك الدماء بل لتشويه صورة الحركة الاخرى ولذعها. الراشد المسؤول هو الذي ينقص المعسكرين، ورغم ذلك ليس مؤكدا على الاطلاق بان علينا نحن الاسرائيليين ان نتمنى النجاح للطرفين.

هذه الجولة من تبادل الضربات ولدت مرة اخرى تهديدات من ابو مازن على حماس. فمنذ اشهر طويلة وهو يتسلى بفكرة تقليص المزيد فالمزيد من الميزانيات التي تحولها حكومته الى "المحافظات الجنوبية"، كما تسمي السلطة قطاع غزة. وفي حماس قرروا الا يصمتوا بعد اليوم. فقد خرجوا ضده بحملة شوارع صاخبة تحت عنوان "ارحل". وتجمع الالاف في بداية الاسبوع في الميدان المركزي في غزة وتظاهروا – بتشجيع من حماس – ضد السلطة. يافطات تحمل صور ابو مازن علقت في القطاع، والعنوان من الحائط يصرخ ان يرحل. في احدى مقاطع الفيديو التي وثقت في غزة، بدت امرأة تمسك بيد اعلانا يحمل صورة ابو مازن وفي اليد الاخرى حذاء، وهي تخبط بالصورة وتصرخ بالكلمات المنددة له. لقد كان الحذاء ولا يزال تعبيرا فظا للاحتجاج لدى العرب.

تكاد تكون منذ اول يوم من وجودها تدعم السلطة القطاع بـ 1.4 مليار شيكل في السنة. هذا هو انبوب الاكسجين المركزي للقطاع. ويتضمن هذا المبلغ الدفع لقاء الكهرباء التي تشترى من اسرائيل، المياه التي تشترى من شركة مكوروت، دفع الرواتب لموظفي فتح ممن اقيلوا من عملهم في انقلاب حماس، مخصصات الدعم للسجناء الامنيين والمخصصات لعائلات القتلى. في السنتين الاخيرتين، منذ شرع بحملة ابادة ضد حماس، قلص ابو مازن ربع الميزانية السنوية. في اسرائيل هناك من يعتقد بان الهدف الخفي للرئيس هو دفع حماس للقتال ضد اسرائيل. وبالفعل، فان ابو مازن لن يذرف دمعة، اذا ما سفك مشكلتا حماس واسرائيل، دم الواحدة الاخرى. ولكن هذا ليس هدفه. تطلعه الاساسي هو لالحاق الهزيمة بحماس. تجفيفها اقتصاديا حتى لا تتمكن من الحكم وتستجديه هو ورجاله ان يأتوا ليأخذوا زمام القيادة الكاملة على القطاع.

تجفيف غزة

عودة الى هذا الاسبوع. مؤخرا قرر الكابينت السياسي الامني الاقتطاع من الميزانية المحولة الى السلطة المبلغ الذي تدفعه للسجناء الامنيين. في كل شهر تحول اسرائيل الى السلطة اموال الضرائب التي تجبيها من صفقات التجار الفلسطينيين في الضفة والقطاع. وهذا التحويل منصوص عليه في الاتفاقات الموقعة بين الطرفين بعد اتفاق اوسلو. وقرر الكابينت اقتطاع المال الذي تدفعه السلطة الى الاف السجناء من هذا المبلغ. ويدور الحديث عن نحو نصف مليار شيكل في السنة. وردا على ذلك، ابلغت السلطة حماس بانها ستفعل لها ما فعلته اسرائيل لها. بمعنى ان تقتطع من المبالغ من ميزانيتها.

مع بدء حملة التشهير ضد ابو مازن، سارعت السلطة الى اطلاق ذخيرتها. فقد بدأت وسائل الاعلام المتماثلة معها بوصف حماس بلقب "الميليشيا". صائب عريقات وليس فقط هو، طلبوا من الجمهور ان يلاحظ جيدا من يدعو ابو مازن الى الرحيل، اليهود وحماس.

في زوايا مختلفة من المدن في الضفة نظمت مسيرات تأييد للرئيس. وفي مواجهة شعار "ارحل" صمم رجال م.ت.ف شعارا مضادا يحمل صورته وكتب على اليافطة "الرئيس الزعيم". اما السكين الاطول فامتشقها حسين الشيخ، احد رجال المطبخ الصغير لابو مازن. ففي تغريدة على التويتر كتب الشيخ انه اذا استمرت حماس على نهجها هذا، فقد تتخذ السلطة وسائل او قرارات حول مستقبل حماس الاستراتيجي في الساحة الفلسطينية. لا يوجد سبيل لقراءة اقواله الا كتهديدات لتجفيف القطاع من الاموال النقدية. "السلطة تعمل كوحدة تصفية"، هكذا دافعوا في حماس عن انفسهم، في تعبير آخر مأخوذ من الصراع ضد الجيش الاسرائيلي.

لسنوات طويلة خدم الانقسام في المعسكر الفلسطيني الاسرائيلي. لست واثقا انه يخدمها اليوم ايضا. فهو بالفعل جيد لليهود طالما كان تحت السيطرة. ولكن هذا الانقسام يولد فقرا مدقعا، والفقر يولد الاحتجاج. والاحتجاج ينبت نوايا شريرة. 53 في المئة من سكان القطاع يعرفون كفقراء، وفقا لمعطيات جمعت في اسرائيل، في السلطة الفلسطينية وفي صندوق النقد الدولي، 34 في المئة يعيشون بفقر عميق.

هذا الفهم يتبلور امام ناظرينا هذه الايام. على طول الجدار في غزة لا يصطدم طرفان، بل ثلاثة. حماس، الجيش الاسرائيلي والجمهور المعربد. هذا الجمهور لم يولد بتشجيع حماس بل العكس. هذا تنظيم شعبي، موجه اليوم تجاه اسرائيل ولكن من شأنه أن يعرض حماس ايضا للخطر. الاف الشبان، بمن فيهم من نساء ايضا، عديمي الرزق ودون أي شيكل في جيوبهم، مستعدون لان يموتوا ليس باسم تنظيم أو قيمة دينية مثالية، بل لانه ليس لديهم سبب لان ينهضوا في الصباح، وهم ليسوا تابعين لاي حزب. هم نتيجة واقع فقير، وهذا الواقع ولد لان غزة اجتازت سياقات تجفيف. اسرائيل جففتها، مصر ساهمت في ذلك بطريقتها، الدول العربية اهملتها والسلطة اعلنت الحرب عليها. هذه الحركة، حركة الاحتجاج العنيف لقطاع غزة، تكره الجميع. في هذه الاثناء هي هاوية، ولهذا فان الجيش الاسرائيلي ينجح في احتوائها، ورؤساء حماس قادرون على توجيهها لاغراضهم. ولكن اذا استمر الواقع في القطاع على هذا النحو، ففي هذه الحركة كل العناصر التي تولد الجريمة الفوضوية والارهاب من هذا النوع والذي ستبدو حماس الى جانبه كحركة معتدلة.

السيسي يطلب السلام

من ناحية الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، تتوج المؤتمر بنجاح. فقد تجمع على الطاولة المستديرة زعماء عرب واوروبيون وتحدثوا عن الوضع. السيسي ورجاله، الذين بادروا الى المؤتمر هذا الاسبوع في شرم الشيخ دعوا من خلاله الى توثيق التعاون مع عواصم اوروبا في الصراع ضد الارهاب. اضافة الى ذلك، فقد استغلوا الفرصة لمنح عناق للفلسطينيين، عشية عرض خطة السلام لدونالد ترامب وكان ابو مازن احد الخطباء. كل هذه المقدمة تستهدف ان تكون اطارا للدقيقة الاخيرة في خطاب الرئيس المصري. فقد توجه السيسي "الى كل الشعوب المحبة للسلام". لا تستجيبوا لدعاية الكراهية والانقسام، هكذا دعا. ولا تستمعوا لاولئك الذين يحاولون اتهام الاخر بانه الشيطان فقط لان دينه، جنسه او انتماؤه العرقي ليس مثلكم. "كل واحد منا، باختلافه، يتطلع الى عالم افضل، لنفسه وللاجيال التالية له. وما هو السبيل الى ذلك ان لم يكن التعاون، تعلم الاخر وقبوله. تعالوا ننطلق الى طريق العمل المشترك، على اساس القيم الانسانية وأمننا لان لكل البشرية مصيرا واحدا". ليست هذه هي المرة الاولى التي يدعو فيها السيسي الى اصلاح وتكاتف القوى الدولية ضد المتطرفين. في الماضي اعلن بان شيئا ما تشوش في طريق الاسلام ويجب اعادته الى مساره. وسعى لان يشرك حكماء الدين وعلى رأسهم الازهر، لاصلاح العالم، وليعيد دين محمد الى المكان المناسب له. وقد اداروا له الظهر. ويمكن لنا ان نفهم ما الذي دفعه الى ذلك. فالتطرف يولد الارهاب والارهاب هو أحد المشاكل الاولى لمصر.

مهامته قد تكون متعذرة. ناصر، السادات ومبارك خلفوا أمراضا في جسد مصر. من اجل معالجتها يحتاج السيسي لان يبدأ من البداية. ان يعلم الجماهير بان العنف ليس السبيل لحل المشاكل وان الدين جاء الى العالم كي يقرب لا ان يكون وسيلة لكراهية الاخر. عليه أن يعلم على التسامح مئة مليون مصري بعد ستين سنة من الترويج للتزمت الديني. عليه أن يدفعهم لان يقبلوا امريكا بعد عشرات السنين من الترويج على انها مصدر المشاكل في العالم. اذا نجح، فانه سيصنع التاريخ. حتى الان اي من رؤساء مصر انهى ولايته بشكل طبيعي. كلهم تعلموا بالطريقة الصعبة بان مشاكل البلاد اكبر من زعمائها، حتى لو كانت ايديهم من حديد واكتافهم عريضة.

كلمات دلالية