خبر غزة وحرب نهاية التاريخ ..د. رفيق حبيب

الساعة 05:57 م|19 يناير 2009

ـ إسلام أون لاين 19/1/2009

كل الحروب تكون جزءا من إستراتيجية البلد المحارب، ويكون لها أهداف قريبة وأخرى بعيدة، كما يكون لها أهداف معلنة وأخرى غير معلنة، ولكن الجديد في حروب القرن الحادي والعشرين الإسرائيلية، أن أهدافها معلنة ولو ضمنا، وكل أبعادها صريحة.

ومجمل تصريحات القادة الإسرائيليين والأمريكيين، تشكل في الواقع صورة واضحة عن أسباب الحرب والغرض منها، وحرب إسرائيل على لبنان، ثم حرب إسرائيل على قطاع غزة، ليست مجرد حرب في سلسلة الحروب الصهيونية، من أجل إقامة إسرائيل الكبرى، أو حتى الصغرى، ولكن الأمر تجاوز هذا الحد، وبات واضحا أننا بصدد حرب إسرائيلية أمريكية، وليست حربا مؤيدة أو مدعومة أمريكيا، بل هي حروب أمريكية بقدر ما هي إسرائيلية، ومن الواضح أن إسرائيل أصبحت الوكيل الحربي، أو جيش المرتزقة الذي ينوب عن أمريكا في بعض الحروب.

وإذا أضفنا إلى حروب إسرائيل، حروب أمريكا التي قادتها بنفسها في أفغانستان والعراق، فسنجد أننا أمام سلسلة من الحروب المتتالية على المنطقة العربية والإسلامية، وخاصة المنطقة العربية، وهنا يصبح من المهم فهم ما وراء تلك الحروب، والجواب سنجده واضحا في قطاع غزة.

الحرب على المدنيين

فالحرب الجارية في قطاع غزة، هي حرب ضد المدنيين، وهذا واضح من الأهداف التي تقصف ومن الأسلحة المستخدمة، وهو ما حدث أيضا في الحرب ضد لبنان. وأيضا يلاحظ أن الحرب تستهدف البنية التحتية المدنية بصورة واضحة وشاملة، وهو أيضا ما حدث في لبنان.

وربما تتميز الحرب على غزة، بكثافة استهداف المدنيين بصورة واضحة ومركزة، مما يدل في النهاية أن الحياة المدنية هي هدف رئيسي للحرب.

والحرب على غزة تستهدف حركات المقاومة بصورة واضحة ومباشرة، من أجل القضاء على تلك الحركات، وهو ما حدث أيضا في لبنان، مما يدل على أن الغاية النهائية لتلك الحروب هي القضاء على حركات المقاومة تماما، صحيح أن أهداف الحرب لا تتحقق، ويحاول العدو تخفيض سقف توقعاته، ولكن هذا لا يمنع أن هدفه الذي يريد أو يتمنى تحقيقه، هو القضاء على حركات المقاومة.

حرب سياسية

وفي غزة ظهر أيضا، أن الحرب تستهدف إسقاط حكومة حركة حماس، ومعنى هذا أن للحرب أهدافا سياسية تتعلق بالأوضاع السياسية الداخلية، وفي نفس الوقت ترتبط بالمواجهات بين القوى السياسية الفلسطينية، مما يعني أن الحرب على غزة تهدف إلى القضاء على فصيل سياسي معين لصالح فصيل آخر.

وهنا لا تصبح الحرب فقط ضد فصيل سياسي مقاوم، ومع فصيل سياسي يوافق على عملية التسوية، ولكنها أيضا مع تيار سياسي علماني، وضد تيار سياسي إسلامي، ومن الواضح من العديد من التصريحات الإسرائيلية، أن إسرائيل تهدف إلى ضرب الحركات الإسلامية، لصالح النخب السياسية المتحالفة معها.

ويظهر هنا مدى التركيز على الحركة الإسلامية، بوصفها العدو الأول للمشروع الصهيوني الأمريكي، وهو ما يتوافق مع السياسة الأمريكية في المنطقة، ويتوافق أيضا مع سياسات النخب الحاكمة في البلاد العربية.

وقد ظهر هذا أيضا في الحرب على لبنان، فالحرب كانت تناصر فريقا سياسيا ضد فريق آخر، مما يعني أن لتلك الحروب أهدافا سياسية، وهي تتمثل في ضرب الحركات الإسلامية.

حرب ضد الحركة الإسلامية

وإذا جمعنا هدف ضرب الحركات المقاوِمة، وضرب المدنيين، فسنجد أننا بصدد حرب تستهدف البناء الاجتماعي والمدني المؤيد لحركات المقاومة، وكذلك الحاضن الاجتماعي لتلك الحركات، وهو نفسه الحاضن الاجتماعي للحركات الإسلامية.

ويضاف لهذا، ما قيل بصورة واضحة عن تأييد عربي رسمي للحرب على لبنان، والحرب على غزة، وهو تأييد قيل إنه يتمثل في رغبة النخب العربية الحاكمة أو بعضها على الأقل، في التخلص من حزب الله وحركة حماس، مما يعني أن الحرب الإسرائيلية على لبنان وغزة، هي أيضا حرب بالوكالة عن الحلف الأمريكي الغربي وحلفائه من النخب العربية الحاكمة، للقضاء على الحركات الإسلامية المقاومة؛ لأنها تعد رأس الحربة الأساسية للحركة الإسلامية عموما.

وفكرة القضاء على الحركات الإسلامية المقاومة، وضرب الحاضن الاجتماعي المؤيد لها، تدخلنا في حرب هي في الأساس تصبح ضد المدنيين، وليست ضد رجال المقاومة المسلحين؛ لأن الحاضن الاجتماعي لحركات المقاومة هو مصدر قوتها، والحرب عليه هي نوع جديد من الحروب التي تستهدف الناس أنفسهم.

وفي حرب غزة، أرادت إسرائيل ضرب الحاضن الاجتماعي لحركة حماس، حتى تسقط الحركة، وحتى تنقلب الناس عليها، وهو نفسه ما تم في حصار قطاع غزة، فالحصار كان يستهدف الحياة المدنية، ويستهدف الجماهير المؤيدة لحركة حماس؛ لذا يصبح هدف الحصار هو إيذاء الجماهير المؤيدة لحركة حماس حتى تنفض عنها.

وهو بهذا نوع من الحرب ضد الجماهير المؤيدة للحركات الإسلامية خاصة، وحركات المقاومة عامة، وتصبح الرسالة واضحة، فنحن بصدد حروب على البشر أنفسهم، أي حروب على قطاع واسع من الأمة الإسلامية، وهو القطاع المؤيد للحركات الإسلامية، وللمشروع الإسلامي عموما، وهذا ما حدث في العراق وأفغانستان، وما يحدث في مناطق القبائل في باكستان، وفي غيرها من الأماكن.

الحرب ضد الحضارة الإسلامية

هنا تظهر لنا الصورة بشكل أفضل، فنحن بصدد حرب حضارية بامتياز، هي حرب الحضارة الغربية على الحضارة الإسلامية، حيث يمثل الحضارة الغربية الحلف الأمريكي الصهيوني وحلفاؤه من النخب الحاكمة في البلاد العربية والإسلامية، ويمثل الحضارة الإسلامية الحركات الإسلامية، خاصة حركات المقاومة الإسلامية، وغاية كل تلك الحروب، هو القضاء على المشروع الإسلامي، من خلال ضرب البنية الاجتماعية المؤيدة له وتكبيدها خسائر فادحة في الأرواح وفي البنية المدنية.

ولنراجع التصريحات الإسرائيلية والأمريكية، والتي تكلمت عن تغيير الأوضاع في المنطقة، والتي تجلت بوضوح في الحرب على لبنان، ثم تكررت في الحرب على غزة، فالهدف النهائي هو تغيير الأوضاع على الأرض، ولهذا نالت هذه الحروب تأييدا من النخب الحاكمة، لأن هذه النخب ترى أن الحركات الإسلامية هي المنافس الأساسي لها، وهي البديل الحقيقي لها، المؤيد شعبيا.

ولهذا أصبحت الحرب على المشروع الإسلامي، هي عنوان كل ما يحدث؛ ولذا نجد أن عنوان الحرب على الإرهاب، الذي ترفعه أمريكا وحلفاؤها، لم يتوجه فقط لحركات مسلحة تعمل خارج ميادين الحرب، ولكن توجه إلى كل حركات المقاومة، برغم أن وجود حركات مقاومة في البلاد المحتلة هو أمر طبيعي ناتج عن وجود الاحتلال، وأكثر من هذا، سنجد أن الحرب على الإرهاب نالت النشاط الإسلامي في العالم أجمع، ونالت من المؤسسات الاجتماعية الإسلامية، بما يؤكد أنها في النهاية حرب على الحركات الإسلامية ومشروعها الحضاري الإسلامي.

حروب صدام الحضارات

وهنا نلاحظ أن صدام الحضارات بات حقيقة على أرض الواقع، ولكن بمعنى مختلف عن المعنى الذي روج له، فصدام الحضارات ليس حتمية، بل يمكن للحضارات أن تتعايش تحت مبدأ التعدد الحضاري العالمي، ولكن المشكلة ظهرت بسبب وجود حضارة واحدة تريد الهيمنة على العالم، لذلك قامت هذه الحضارة بحروب للهيمنة على العالم.

وبهذا حدث صدام بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية؛ لأن الأولى تريد الهيمنة على الثانية، وتريد وقف نموها وتقدمها.

فالحضارة الغربية تريد الهيمنة على العالم وتصدير نفسها بوصفها الحضارة الوحيدة المتقدمة، حتى تكون هيمنة الحضارة الغربية وانتشارها حول العالم، هي وسيلة الدول الغربية للسيطرة على العالم سياسيا واقتصاديا وعسكريا، ولكن أبناء الحضارة الإسلامية والحركات الإسلامية، يريدون تحقيق هيمنة حضارتهم في بلادهم، وبهذا حدث الصدام، فهو فعل قصدي متعمد، من القوى العظمى الأمريكية بمساندة غربية واضحة، وبدور بارز للعميل الغربي، أي إسرائيل.

حرب نهاية التاريخ

وهنا يظهر أن فعل الحرب، مثله مثل فعل الحصار، ومثله أيضا مثل فعل مقاطعة الحكومة المنتخبة التي شكلتها حركة حماس، ثم مقاطعة حكومة الوحدة الوطنية التي رأستها حركة حماس، فكل هذه الأفعال هي نوع من الحرب والحصار على الحركة الإسلامية، وعلى الحاضن الاجتماعي المؤيد لها؛ لذا نقول إن الغرب عامة، متمثلا في الحلف الأمريكي الصهيوني دخل حرب غزة بوصفها حرب نهاية التاريخ.

ففكرة نهاية التاريخ تعني أن العلمانية الغربية هي أفضل ما يمكن أن يتوصل له الإنسان، ولهذا تعد هي الإنجاز الأخير للبشرية، وبهذا الادعاء، يقوم الحلف الأمريكي الصهيوني، بفرض مشهد نهاية التاريخ على العالم، أي فرض النموذج الغربي على العالم، وضرب النماذج الأخرى المنافسة له، خاصة النموذج الإسلامي، والذي يعتبره الغرب النموذج الأكثر خطرا عليه؛ لأنه النموذج المنتشر في وسط العالم، ومع الحدود الجنوبية للعالم الغربي.

أقصد من هذا أن الحرب على غزة تهدف في غاياتها النهائية إلى وضع نهاية للتاريخ، تقوم على التفوق الغربي، وعلى هيمنة الحضارة الغربية.

وحتى يتحقق هذا، يجب أن تضمن القوى الغربية عدم قدرة الحضارة الإسلامية على النهوض من جديد، وعدم قدرتها على توحيد أمتها وإقامة دولتها وتحقيق نموذجها الحياتي، ولهذا كانت الأمة العربية والإسلامية، هي الأكثر إدراكا لطبيعة هذه الحرب، حرب نهاية التاريخ، أو حرب هيمنة الحضارة الغربية، فخرجت كل الأمة العربية والإسلامية لتساند المقاومة، وصمد أبناء قطاع غزة، مؤكدين على صلابة الحاضنة الاجتماعية للمقاومة، والحاضنة الاجتماعية للحركات الإسلامية.

وعندما خرج العديد من أبناء الغرب ضد الحرب على غزة، كان هذا مؤشرا على أن البعض في الغرب يقاوم فكرة سيادة الغرب على العالم من خلال الحروب الدموية، ولكن المشهد في النهاية كان أبلغ من كل وصف، فقد خرجت إسرائيل بكل وحشيتها لتضع نهاية للتاريخ، وخرجت الأمة بكل قواها لتضع بداية جديدة للتاريخ.