تسيبي لفني العربية- هآرتس

الساعة 12:59 م|20 فبراير 2019

فلسطين اليوم

بقلم: عبد ل. عزب

اهدأوا، أيها اليمينيون، كارهي تسيبي لفني، هي لن تغير قوميتها. عمليا، من لم يولد يهوديا وأراد أن يتحول الى يهودي يمكنه أن يغير ديانته لليهودية ضمن هذا الاجراء أو ذاك. ولكن كيف لشخص لم يولد عربيا أن يتحول الى عربي؟ كيف يتحول الانسان الى روسي؟ كيف يتحول الى الماني؟ أنا لا اقصد القومية بمعناها كجواز سفر، بل بمعنى الانتماء العرقي. يبدو لي أن هذا السؤال صحيح لكل القوميات باستثناء اليهود الذين هم حالة متطرفة من الشذوذ القومي – الثقافي، النابع من الخوف وعدم الثقة الذاتية بقوة هذه القومية. ونتيجة لذلك، الخوف من الانصهار داخل شعوب اخرى. ولكن هذا ليس موضوع مقالنا، الموضوع هو لفني، التي يحب المصريون تسميتها "العصفورة".

المعرفة السطحية والبعيدة لي معها كانت في منتصف تسعينيات القرن الماضي، عندما شغلت منصب مديرة سلطة الشركات الحكومية وأنا كنت عضوا في مجلس المديرين في احدى هذه الشركات. منذ ذلك الحين كانت تبدو لي كشخص يثير الانطباع، صاحبة سلطة، مع شخصية جذابة بصورة مقنعة جدا. كل ذلك بالطبع اضافة الى مظهرها الجميل.

ولكن من اجل ازالة الشك، أشير منذ الآن: لم أحب ولن أحب لفني السياسية. لن اشتاق اليها. وبالنسبة لي من الجيد أنها انسحبت. لقد ترعرعت في عائلة يمينية يهودية متطرفة وعنيفة. ايضا طريقها المهنية بدأت في الموساد. وأنا أتخيل أن دورها هناك لم يكن توزيع السكاكر والورود على العرب، الذين لم تكن تريدهم. ولكن هذا مجال "الصمت يناسبها" أو مثلما قال الهامون من ابناء عمومتنا "المخفي من هذا المجال اكبر من المجهول". اذا لنضع هذا جانبا. ايضا من ناحية عملية، ماذا يفهم عربي مثلي الذي لم يخدم في حياته في اجهزة الامن، في هذه الامور.

تسيبي لفني السياسية بدأت طريقها بدعم من رجلين، افيغدور ليبرمان وبنيامين نتنياهو. وهذا الامر وحده يكفي لاستبعادها من قبل شخص يساري مثلي. هؤلاء الاثنان لن يؤيدا شخص يمكن أن يساهم في السلام والتعايش بين اليهود والعرب، بل العكس. ايضا الانتقال الكوانتي الثاني لها من عضوة كنيست الى وزيرة، حدث بمساعدة زعيم يميني فاشي هو اريئيل شارون. باقي طريقها السياسي والحواجز "الممنوعة" (أنا في مزاج من الفيزياء الكوانتية اليوم) التي قامت بها بين احزاب وحركات مختلفة، لم تخفف الانطباع الذي تركته بي خلفيتها وبداية طريقها.

وأقول للذين يشتاقون اليها في هذه الايام وكأنها كانت مقاتلة شجاعة لا تلين من اجل السلام، إن هذا وهم بصري في أفضل الحالات. ومن يدقق جيدا في مقاربتها لعملية السلام، و"التسويات" التي كانت مستعدة لفعلها من اجل التوصل الى السلام، والطريقة التي ادارت فيها المفاوضات، سيكتشف امرأة يمينية نموذجية. يمين معتدل اذا كان يوجد شيء كهذا، وفي نفس الوقت يمين فاقع. أحد الدلائل الواضحة على ذلك هو موقفها فيما يتعلق بمسألة العرب مواطني اسرائيل. هذا الموقف لا يختلف عن مواقف اليمين المتطرف، بما في ذلك مواقف من احضروها الى السياسة، ليبرمان ونتنياهو. لفني هي من مؤيدي التبادل السكاني وتبادل الاراضي، مع الحفاظ على "الكتل الاستيطانية"، مقاربة تفسيرها العملي هو اعطاء مناطق مكتظة جدا للفلسطينيين من خلال سيطرة اسرائيلية تشبه اكثر الاغلاق مما تشبه الجيوب. نقطة اخرى في غير صالحها هي تأييدها المتحمس لحرب غزة الاولى في 2008، أو ما يسمى "الرصاص المصبوب".

ولكن لفني هي صاحبة مباديء. في المشهد السياسي الاسرائيلي كانت صاحبة مباديء اكثر من اللازم. لكل مكان وصلت اليه انضمت الى القيادة ورفضت بصورة دائمة الاستسلام لأي شيء يجعل النظام السياسي في اسرائيل قبيح جدا: الخضوع للسياسيين، رؤساء الاحزاب الكبيرة، ابتزاز الاحزاب الصغيرة. لفني رفضت الخضوع للاصوليين بعد فوزها في الانتخابات (28 مقعد) وخسرت رئاسة الحكومة لصالح نتنياهو. في نظر الفضاء السياسي الذكوري الشوفيني الاسرائيلي، ظهورها وقيادتها ومواقفها الراسخة كانت مضحكة. ايضا طهارة يديها هي امر نادر في النظام الذي فيه لكل سياسي ثان هناك خزانة من الملفات الجنائية. آفي غباي، زعيم أقل من متوسط، لم يكن باستطاعته أن يواصل قيادة حزب العمل وهو يقف وراء ظل زعيمة تفوقه بعدة درجات في كل مجال.

ورغم أن ايديولوجية لفني بعيدة عن ايديولوجيتي إلا أنني احترمها جدا. في احلامي أنا اريد تسيبي لفني عربية. امرأة من بين العرب مواطني اسرائيل تقوم وتقود مجتمعنا وتشارك في قيادة الدولة. من الواضح أن النية ليست عربية تقوم باستعراضات وصراخ من فوق قافلة "مرمرة" هذه أو تلك، أو فوق منصة الكنيست. أنا أحلم بتسيبي لفني عربية، بليغة جدا، صاحبة مباديء، زعيمة بمعايير دولية، لا تخشى من أن تواجه معارضيها.

اذا كنا قد قلنا عن المشهد السياسي الاسرائيلي بأنه شوفيني، اذا المشهد السياسي العربي هو الشوفينية بتجسدها. لذلك، تسيبي لفني العربية يجب أن تكون امرأة حديدية، قبل أي شيء من ناحية القيم والفكر، وبعد ذلك من ناحية المؤهلات القيادية. واذا كان شخص مستقيم مثل لفني قد فشل لدى اليهود فانه عند العرب الفشل يتوقع أن يكون اكثر شدة.  ولكن فقط أناس مثل تسيبي لفني اليهودية والعربية عندما ستظهر، فقط هؤلاء يمكنهم أن يهزموا الفساد وشق طرق جديدة. هل هذا حلم أم هذيان؟.