عهد رافعي الصخور- هآرتس

الساعة 12:57 م|20 فبراير 2019

فلسطين اليوم

بقلم: ب. ميخائيل

الحقيقة المحزنة هي أن كل بني البشر عنصريين. جميعنا متعطشين للكراهية، جميعنا مملوئين بالغرائز الظلامية، جميعنا مملوئين بصفات فاحشة، وفينا جميعا تختفي روح سوداء تنتظر الفرصة كي تظهر من الظلام وتشبع الغرائز. الحقيقة المشجعة هي أنه في الايام العادية تختفي كل هذه الهوام والحشرات والعقارب والافاعي تحت الصخور. هذه هي طريق الطبيعة. ثلاثة هي الصخور التي تحتل الغرائز المخبأة فيها: صخرة المعايير وصخرة القيادة وصخرة الحقيقة (الواقعية). في الحقيقة يمكن تلخيص كامل هذه البشارة المتشائمة بوصمتين يهوديتين قديمتين. الاولى، "غريزة قلب الانسان شر من صباه" (سفر التكوين). الثانية، "لولا الخوف من الله لكان الانسان ابتلع اخيه حيا" (فصول الآباء). هذه هي كل نظرية الانسان.

ولكن ليست كل الايام هي ايام عادية. احيانا تبرز من بين الصخور كائنات ليس لها معايير وليس فيها حقيقة. وبالذات هي تطمح لأن تصبح قادة. ولكونها متحررة من الكوابح التي توجد في المعايير الجيدة. ومن الالتزامات التي تثقل على الحقيقة، اكتشفوا اختراع: هم يسارعون الى رفع كل الصخور من حولهم. ويحررون كل الشر والكراهية والمشاعر المختفية هناك. بسهولة يتم خلق جمهور سعيد ومؤيد حولهم، الذي يحتفل بتحرر كل غرائزه ويضمن بالاصابع التي تقوم بالانتخاب قوة حكم محرري غرائزه لفترة طويلة.

رافعو الصخور لا يعتبرون انفسهم بالطبع "محرري الغرائز"، هم يلوحون بأيديولوجيات سامية في الغالب، يمين، يسار، اشتراكية، رأسمالية، اقوال الله، قداسة القومية، شرف الدولة، الطبقة العاملة، تهديدات العدو، نقاء الدم وشرف البنات.

كل ذلك هو هراء. كل ذلك هو كذب. كل ذلك كلام فارغ. كل ذلك تبريرات. في نهاية المطاف الانسانية كلها تنقسم الى قسمين فقط، الاخيار والاشرار. وهناك أشخاص سيئين وجيدين في كل المعسكرات وتحت كل الاعلام: بطش ستالين (يسار؟)، غطاه قناع الشيوعية المحبة للانسان. رعب هتلر تقنع بالقومية والاشتراكية وتمثيل العمال. الحكم المرعب في الارجنتين (قومية؟) تفاخر بأفخم قوانين الديمقراطية. الشر غير المتناهي لـ "مشروع الاستيطان" (دين؟) يتفاخر بأنه ينفذ ارادة الله الرحيم. تنمر ترامب المضحك (وطنية؟) يزهر باسم ارجاع المجد للوطن. الطغيان العسكري النذل في فلسطين (أمن؟) يسمي نفسه "ادارة مدنية" وهكذا دواليك. ليس هناك نهاية للاقنعة المحترمة التي تخفي تحتها فقط شر كبير منفلت العقال.

إن نجاح رافع صخور واحد يثير حسد الآخرين. ايضا هم يسارعون الى رفع صخور دولتهم. وهم يحظون بسرعة بدعم كل الغرائز المتحررة، وهناك ايضا يحتفلون بالتحرر من الحقيقة ومن الثقافة ومن الكوابح ومن الانسانية.

هكذا وصلنا الى ما وصلنا اليه. هكذا وجد عهد رافعي الصخور الذي فيه يعيش العالم المسكين. اسرائيل لم تكن الاولى في هذه الجولة، لكنها بلا شك من الاعمدة الرئيسية البارزة فيها. بفضلها حظي الكثيرين من رافعي الصخور بتأهيل وتطهير مفيد جدا.

عهد رافعي الصخور هو موضوع طويل المدى، والتجربة تعلم أنه يتم الشفاء منه فقط بكارثة أو حرب أو سنوات طويلة من الظلام. هذه ايام كل واحد تهمه نفسه. المتنور في ذلك الوقت سيصرخ بفم مليء، لكنه يعرف أن احتمال أن يحظى بصدى هو صفر. كل ما يمكنه أن يفعله هو التمسك بقوة بتنوره وانسانيته وأن ينتظر بصبر مجيء الكارثة أو "المعجزة"، كي تضع حد لهذا العهد المقيت.