الخليل: هواجس الخوف تزداد بعد إفراغ المدينة من شهودها الدوليين!

الساعة 09:30 ص|17 فبراير 2019

فلسطين اليوم

في أحياء مدينة الخليل العتيقة، جنوب الضفة الغربية، ثمة قصص عيش لا يمكن لأحد أن يتحمل فصول معاناتها، فمئات العائلات تعيش رهن الأشغال الشاقة منذ أكثر من 25 عاما بفعل اغلاقات الاحتلال واعتداءات المستوطنين.

 بيد أن مشاعر الخوف والقلق في نفوس سكانها ارتفعت عقب طرد إسرائيل بعثة التواجد الدولي من أحياء المدينة، هواجس متزايدة بان يعيد مستوطن ارتكاب مجزة جديدة، بعد ان اخليت الأحياء من شهودها الدوليين.

 وأبلغت سلطات الاحتلال، رسميا البعثة الدولية في الخليل “تيف” بانتهاء مهمتها، وطالبتها بمُغادرة المدينة نهاية الشهر الماضي. ويأتي هذا القرار رضوخًا لمطالب المستوطنين.

وكانت البعثة انشأت عقب ارتكاب مستوطن مجزرة داخل الحرم الإبراهيمي الشريف عام 1994 وكانت مهمتها الأساسيّة هي أعمال المراقبة وكتابة التقارير عن الوضع في الخليل في المناطق الخاضعة لعمل البعثة في المدينة.

المس بحياة المواطنين

ويقول نائب محافظ محافظة الخليل، خالد دودين، في حديث مع “القدس العربي” إن إسرائيل بطردها البعثة، أنهت بشكل احادي اتفاقيات الخليل المعروفة بـ “H2” وتمهد للمس بحياة السكان في ظل غياب طرف محايد يوثق الجرائم التي ترتكب بشكل يومي بحق أهالي الخليل.

وأوضح: لدينا مخاوف حقيقية عقب منع البعثة من استكمال مهامها باحتمالية تزايد عنف المستوطنين ضد السكان الذين يعيشون في مناطق مستهدفة، لذلك ندعو الدول المشاركة في البعثة إلى رفض هذه الخطوة الإسرائيلية والعودة لحماية السكان.

وتشارك البعثة مع السلطات الفلسطينية والاحتلال بما يتصل بالتقارير وكذلك مع الدول السَت المشاركة، وهي: الدنمارك، وإيطاليا، والنرويج، والسويد، وسويسرا، وتركيا. وكانت القوة تنظم جولات يومية في المناطق الساخنة، مثل: البلدة القديمة، وتل الرميدة، وطارق بن زياد، وجبل جوهر، من أجل الملاحظة ومراقبة الوضع في المدينة.

إسرائيل تستهدف منع الموثقين

ويقول الناشط في منظمة “بيتسليم” الحقوقية الإسرائيلية، رائد أبو رميلة، الذي يوثق الانتهاكات في البلدة القديمة، في حديث مع “القدس العربي”: “إن الحياة باتت أكثر صعوبة في الخليل القديمة، تتحول إلى مهمة أصعب في ظل تزايد الاعتداءات وانفلات المستوطنين”.

ويضيف: “اليوم بعد طرد بعثة التواجد الدولي ينتاب الجميع القلق بأن هناك شيئا ما يحضر للسكان، قد يكون مروعا في ظل غياب ما يردع المستوطنين والجنود عن ارتكاب جريمة أو مجزرة لإخلاء الخليل القديمة”.

وأوضح أن البعثة التي طردت بزعم أنها غير محايدة، كانت توثق كل شيء من الجانبين، وما تدعيه إسرائيل غير صحيح، لكن هناك قرارا إسرائيليا بمنع تواجد المراقبين وموثقي حقوق الإنسان أيضا، ويبدو أنها سياسة جديدة حيث منعنا من توثيق الاعتداءات في ساحات مسجد الحرم الإبراهيمي، واعتدي على زملاء لنا، وطلب منا عدم التصوير مرة أخرى تحت طائلة المسؤولية.

وقال أبو رميلة: إن بعثة التواجد الدولي غادرت، وبقي نحو 6 أفراد للقيام بأعمال الترحيل. ولفت إلى أن البعثة كانت تقدم مشاريع صغيرة للعائلات ومؤسسات البلدة القديمة حيث ساعدت على صمودها، من تقديم وجبات طعام للأسر المحتاجة، وتركيب حماية لنوافذ المنازل التي تتعرض لهجمات من قبل المستوطنين، ودعم مؤسسات تعليمية وترميم مدارس، ودعم المحال التجارية.

حياة رهن الأشغال الشاقة!

ويقول الناشط عماد أبو شمسية، وهو أحد الذين يقطنون برفقة عشرات العائلات في منطقة تل الرميدة وسط الخليل القديمة المغلق منذ عام 1994 في حديث مع “القدس العربي” إن مظاهر العنف والاضطهاد تزداد ضد الفلسطينيين في الخليل بشكل غير مسبوق مع منع غير السكان من الدخول إلى الحي، وإغلاق البوابات، وتصاعد هجمات المستوطنين ضد الأهالي والأطفال، إضافة إلى القتل بمجرد الاشتباه.

ويشير أبو شمسية الذي يعيش في منزل يجاوره مستوطنون متطرفون، بينما يقيم الجيش نقطة عكسرية على عتبة منزله، إلى أن الحياة لم تعد تطاق في الأحياء المغلقة، حيث التنقل والوصول إلى منازلنا أمر صعب، “ويحظر علينا استخدام السيارات في المنطقة وفي أحياء أخرى مشابهة، بينما يسمح للمستوطنين”.

 وتابع، ترتفع وتيرة الخوف كل يوم أكثر في نفوس المواطنين، مع توحش المستوطنين وانفلات الجيش، وقيامه بإعدام أكثر من شاب في الحي.

ويقطن الخليل القديمة نحو 200 ألف مواطن، بينما أقام نحو 850 مستوطنا قلبها وبجوار الحرم الإبراهيمي الشريف، حول الحياة داخلها إلى معاناة لا تطاق.

ويخشى أبو شمسية على أطفاله من الخروج إلى حديقة المنزل، كما تعيش جميع العائلات المخاوف نفسها في المنطقة، مشيرا إلى أنه وضع تدابير حماية على نوافذ المنزل وساحته لتفادي تساقط حجارة المستوطنين على رؤوسهم، عقب أكثر من هجوم تعرض له منزله خلال الفترة الماضية.

الزيارات ممنوعة!

ويقول أبو شمسية إن زيارة عشرات العائلات في حي تل الرميدة يتطلب تنسيقا مسبقا، وتقديم طلب إلى سلطات الاحتلال بموعد الزيارة وقت الدخول والخروج، والوجهة، ولا يسمح لأحد الدخول دون ذلك، لافتا إلى أن أهالي الحي يتنقلون عبر أرقام سلمت لهم، وفي حال عدم وجود الرقم لا يسمح بالدخول. ويرى أبو شمسية الذي كان له دور بارز في توثيق انتهاكات إسرائيلية وإعدامات ميداينة أثارت ضجة عالمية، أن المخاوف تزداد في قلوب المواطنين عقب طرد بعثة المراقبين الدوليين، حيث لا رقيب ولا شاهد على اعتداءات المستوطنين وجنودهم، لذلك فان وقوع مجزرة جديدة ستكون مسألة وقت مع كل هذا التوحش الذي تعيشه المدينة اليوم.

استخدام السيارات للمستوطنين فقط!

وفي الحي ذاته، تعيش الطالبة الجامعية المقعدة، خلود دعيس، ظروفا قاسية بسبب صعوبة تنقلها على كرسيها المتحرك، وتقول لـ “القدس العربي” إن “العيش هنا والتنقل لإنسان طبيعي أمر معقد وفي غاية الصعوبة، فكيف لفتاة تتنقل على كرسي كهربائي؟ تحاول يوميا الدخول والخروج إلى الجامعة عبر بوابات الحاجز، بوابات ليست دائما تفتح، وعليك ان تنتظر في بعض الأحيان وقتا طويلا في ظروف صعبة، أنه بالتأكيد أمر موجع وشاق”.

وتشير إلى أن شقيقها يقوم بتوصيلها إلى الحاجز الذي يفصل الحي عن بقية أحياء المدينة، ويساعدها في الخروج، فلا يمكنهم استخدام السيارة بسبب عنصرية الاحتلال.

أم يوسف الرجبي: قصة تحد

وفي حي مجاور، تعيش أم يوسف الرجبي، قصة تحد أخرى للموت الذي بات يطاردها مع نجلها كلما لامست أقدامهما عتبة المنزل المحاصر ببؤر استيطانية وحاجز عسكري يغلق مدخل البيت، ويمنع الأصدقاء من زيارتها.

ما زالت أم يوسف – وهي بكماء تعيش مع ابنها يوسف (13 عاما) داخل عمارة الأوقاف، في البلدة القديمة داخل مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، وهي عمارة مكونة من ست شقق محاصرة بالمستوطنين ومقام على مدخلها حاجز عسكري.

كانت العمارة تضم قبل بضع سنوات ست عائلات، غير أن قاطنيها لم يستطيعوا تحمل كابوس لا ينتهي من المعاناة مع المستوطنين، والاعتداء بالضرب، والتفتيش المذل، والمنع من الدخول والخروج من المنزل، والاعتقال بمجرد أن تصير أقدامهم على عتبة المنزل، فغادروا المكان وبقيت أم يوسف وحيدة تتحدى الاحتلال بلغة الإشارة، على هذه الحال منذ 15 عاما، بعد ان أقام مستوطنون على بعد أمتار قليلة الموقع الاستيطاني الإسرائيلي المسمى “أبراهام أبينو” فيما أقامت قوات الاحتلال حاجزا عسكريا على مدخل البناية بذريعة حماية المستوطنين، ولا تسمح بدخول الغرباء أو الأصدقاء، بيد أنه سمح لنحو 20 شخصا من الأقرباء من الدرجة الأولى بالدخول عقب حصولهم على تصريح خاص من سلطات الاحتلال.

وتقول الناشطة وصديقة العائلة زليخة المحتسب، لـ “القدس العربي”: إن الأم البكماء التي باتت تلتقي بها في الشارع عقب منع دخولها إلى المنزل قبل بضع سنوات، تعيش اليوم أكثر عزلة، وأكثر وجعا بعد أن حاول المستوطنون الاعتداء على نجلها يوسف بالرغم أنه من ذوي الإعاقة، حيث ولد بيد واحدة وتشوهات في رجله، إضافة إلى قيام الجنود المتمترسين أمام عتبة منزلهم قبل أسبوعين بالاعتداء عليه بالضرب المبرح، مشيرة إلى أنها قامت بنقله إلى المستشفى، وتبين انه أصيب برضوض بسيطة.

وتضيف، عزلتها أمست أكثر وجعا بعد خلو المبنى والمباني المجاورة من الجيران إثر تعرضهم لانتهاكات فوق طاقتهم على التحمل من قبل المستوطنين وجنود الاحتلال، إضافة لمنع الجنود الزوار من الدخول إليها، حتى في كثير من الأحيان تمنع والدها وأشقائها من زيارتها بالرغم من أنهم يمتلكون تصريحا خاصا للدخول إلى المبنى.

أم يوسف تستقبل زوارها في الشارع

وباتت أم يوسف تلتقي الأصدقاء والأقارب في الشارع، يتبادلون إشارات سريعة، في انتظار الجنود السماح لها بالدخول، وفي مرات يصعب عليها اقناع الجنود الذين لا يرغبون في فهم أنها صاحبة الأرض والمكان، وتبقى تنتظر طويلا في ظروف صعبة حتى يسمح لها بالعودة إلى منزلها.

تقول الناشطة زليخة: إن الحياة في الخليل العتيقة أشبه بالعيش داخل سجن، لا وقت للزيارات، ولا موعد محددا للدخول أو الخروج. الجنود والمستوطنون يتناوبون على اذلال السكان، تارة بالضرب، ومرة برمي القمامة على المنازل، حيث لا أحد بات يؤمن الوصول إلى منزله، ولا شاهد بعد اليوم على تلك الجرائم، حيث نخشى على أم يوسف من الترحيل ومثلها الكثير من العائلات

وتضيف: المضايقة هنا هدفها واحد، إخلاء السكان وتوطين المستوطنين، لذلك نحن هنا صامدون.

الخليل تترقب الأسوأ

ولا تقل الحياة صعوبة في جوار الحرم الإبراهيمي الشريف، حيث مظاهر الفصل والمنع والاعتداءات تتكرر كل يوم، وحيث يحرص المستوطنون والجنود على تنغيص حياة المواطنين بغية دفعهم لترك المنطقة وإفراغها للمستوطنين.

ويقول منسق تجمع المدافعين عن حقوق الإنسان في البلدة القديمة، بديع دويك، لـ “القدس العربي” إن وحشية الهجمات ارتفعت في أحياء المدينة القديمة بغية تفريغها خاصة في المناطق المجاورة للحرم الإبراهيمي. وأضاف: “الجميع هنا يعرف أن خطوة طرد المراقبين الدوليين تمهد لارتكاب جريمة وشيكة لا تريد إسرائيل شواهد عليها، خاصة ضد العائلات التي بقيت صامدة بجوار الحرم وبين البؤر الاستيطانية لطردهم”.

كلمات دلالية