شتاء موسكو وجمود المواقف- بقلم: خالد صادق

الساعة 10:58 ص|13 فبراير 2019

فلسطين اليوم

هناك في موسكو حيث برودة الطقس وذوبان الجليد, تشتعل المواق ف وتتعالى الصيحات وسرعان ما تفتر وتخفت وتنتهي بالتسكين والجمود, لم يكن من بين المهام الموكلة لمؤتمر موسكو الذي انتهت فعالياته بالأمس بمشاركة نحو عشرة فصائل فلسطينية, الخروج ببيان ينتقص من الحقوق الفلسطينية ويتعاطى مع أي قرارات مجحفة لا تلبي أدنى طموحات الشعب الفلسطيني, ولا تتناسب مع عطائه وتضحياته على مدار أكثر من سبعين عاما, البيان الذي خرجت به بعض الفصائل الفلسطينية فيه التفاف واضح على حقنا في فلسطين التاريخية من نهرها إلى بحرها وعاصمتها القدس الموحدة وليس القدس الشرقية فقط أو الغربية, وان منظمة التحرير الفلسطينية لن تصبح ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني, إلا عندما يعاد بناؤها وتطويرها من جديد بحيث يتم دمج حركتي حماس والجهاد الإسلامي فيها, لأنهما حركتان فلسطينيتان مقاومتان وكبيرتان ولهما شعبية جارفة في الشارع الفلسطيني, ولا يمكن تجاوزهما بأي حال من الأحوال.

حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين ممثلة بعضو المكتب السياسي للحركة ورئيس دائرتها السياسية الدكتور محمد الهندي رفضت التوقيع على بيان الفصائل الفلسطينية المجتمعة في موسكو لسببين رئيسيين

أولهما البند المتعلق باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني دون ربط ذلك بإعادة بناءها وتطويرها وفق اتفاق القاهرة 2005.

البند الثاني والذي رفضته الحركة يتعلق بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967وعاصمتها القدس الشرقية لأن الحركة لن تقبل به مطلقا لأنه ووفقا لأبجدياتها ومفاهيمها لا يمكن ان تقبل بالمساومة أو التفريط بحق الشعب الفلسطيني في كامل أرضه وعاصمتها القدس الشريف , وان التكتيك والمناورة التي يتذرع بها البعض مرفوضة تماما عندما يتعلق الأمر بالثوابت الفلسطينية والحقوق التي طالما ناضل الشعب الفلسطيني من اجلها وقدم عظيم التضحيات, فهناك قضايا لا يمكن التعامل معها مرحليا.

قد يقول قائل: إن هذا الأمر يتعلق بالتكتيك والمناورة وإحراج «إسرائيل» أمام العالم وأمام الشرعية الدولية, «فإسرائيل» لا تقبل ولن تقبل بالقدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين, ولا تقبل بالأراضي المحتلة عام 67 دولة للفلسطينيين, لذلك نحن نعترف بهذه البنود تكتيكيا أمام العالم حتى نحرجها,  ونرد على ذلك بالقول ان نفس هذا المبدأ كان بداية لسلسة من المفاوضات بين منظمة التحرير الفلسطينية عندما وقعت على اتفاقية تسوية مع الاحتلال الصهيوني, انتهت بتآكل كل الحقوق الفلسطينية, فلم ينفغنا التكتيك ولا المناورة, وأصبح العالم يتعامل مع الواقع الجديد من حيث وصلنا إلى آخر تنازل قدمته السلطة الفلسطينية للاحتلال, كما ان أصحاب الحق لا يجب ان يقبلوا بالتكتيك والمناورة والمساومة على حقوقهم, فالحق الواضح الجلي يجب انتزاعه دون نقصان من بين أنياب الاحتلال, والحق أحق ان يتبع, فلا تفريط في ثوابت شعبنا ولا مساومة عليها.  

لقد تعلقت آمال شعبنا في لقاء موسكو الذي يجمع جل الفصائل الفلسطينية بملف المصالحة, وإمكانية إحداث اختراق ايجابي في هذا الملف نظرا لثقل موسكو وقدرتها على اقناع كل الأطراف بضرورة إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الفلسطينية, لكن على ما يبدو ان ملف المصالحة لا زال عالقا في رقبة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس, وهو الوحيد الذي يقرر إنفاذ أو عدم إنفاذ المصالحة, لكننا نحذر من تشابك الملفات وتراكمها دون إيجاد حلول لها, فقبل أيام قليلة كنا نتحدث عن أطفال شهداء استهدفهم الاحتلال بدم بارد شرق القطاع وأزهق أرواحهم, وقبل ان ينتهي هذا الملف بحل نتوافق عليه, انتقلنا إلى ملف آخر يتعلق بقطع رواتب الموظفين والشهداء والأسرى, وقبل ان ننتهي إلى حل انتقلنا إلى أزمة وزارة التربية والتعليم والصحة ونقص الكادر البشري فيهما نتيجة سياسة وقف رواتب الموظفين وإحالتهم للتقاعد, ثم جاء خروج وفود الفصائل إلى موسكو والانتهاء ببيان ختامي ليس عليه إجماع وطني.

احذروا الانزلاق في هذا الطريق الشائك الذي تسلكونه, فنهايته غير مضمونة, فشعبنا الفلسطيني يقدم أقصى ما لدية من تضحيات, ويتحمل ما لا يتحمله احد في سبيل قضيته, يجب ان تنتبهوا جيدا قبل ان تنفلت الأمور من بين أيديكم, فالشعب الفلسطيني دائما سباق لقيادته, وهو الذي يصنع المواقف والسياسات, فإن سبقكم هذه المرة فلن تستطيعوا ان تلحقوا به, ولن يسلمكم الراية, لأن ثقته فيكم ستكون قد اهتزت وبتم لستم أهلا لها.