اولا يخنقون الغزيين ومن ثم يظهرون القلق لأنهم مخنوقون - هآرتس 

الساعة 05:45 م|08 فبراير 2019

فلسطين اليوم

اولا يخنقون الغزيين ومن ثم يظهرون القلق لأنهم مخنوقون - هآرتس 

بقلم: عميره هاس

(المضمون: اطلاق النار من مسافة قصيرة على المتظاهرين في غزة ومنع العلاج الطبي عن المصابين والاغلاق التام لغزة، عن كل ذلك المسؤول هو جهاز الامن الاسرائيلي، وهو الجهاز الذي اظهر هذا الاسبوع القلق من انهيار جهاز الصحة في القطاع - المصدر).

اجهزة الامن قلقة من انهيار جهاز الصحة في القطاع لأن هذا الامر يصعب على الجيش الاسرائيلي أن يشن هجوم عسكري كبير، في حالة أن المستوى السياسي أمر بذلك. هكذا كتب هذا الاسبوع في خبر لينيف كوفوفيتش عن النقاش في هذا الموضوع الذي جرى في الكابنت. أي أنه من بين كل الاعتبارات الاخرى هل سنهاجم مرة اخرى الجيب الفلسطيني المحاصر، على المستوى السياسي أن يأخذ في الحسبان الأداء المعطوب جدا لجهاز الصحة الفلسطيني.

هناك ايضا موضوعين آخرين يمكن فهمهما مباشرة من الخبر. أولا، معظم المصابين في المواجهة المتوقعة سيكونون مدنيين (كما كان الامر في الهجمات السابقة) بحيث لن يكون بالامكان انقاذهم في الوقت المناسب وعلاجهم كما يجب؛ ثانيا، المجتمع الدولي (القصد يبدو بالاساس الدول الغربية) سيجد صعوبة في اعطاء الدعم لعملية اسرائيلية اخرى بسبب عدم القدرة على انقاذ المصابين المدنيين.

ما نفهمه من بين السطور هو أن الاجهزة الامنية والمستوى السياسي يتنصلون من كل مسؤولية لهم عن الوضع في قطاع غزة بشكل عام وعن وضع الجهاز الصحي الفلسطيني بشكل خاص. بالعكس، مصدر من المستوى السياسي قال إن السلطة الفلسطينية معنية بانهيار جهاز الصحة في القطاع. اجل، لا يجب التقليل من خطورة التداعيات للمنافسة الفصائلية المدمرة عديمة المسؤولية بين حماس وفتح، ولكن التجاهل المطلق لمسؤولية اسرائيل عن الوضع والعلاقة بين التدهور الاقتصادي وسياسة الحصار وفصل القطاع التي تقوم بها اسرائيل منذ 1991، تعزز الشك بأنه رغم كل المعلومات الدقيقة والحديثة الموجودة لديهم فان المستويات السياسية والامنية لا تنوي تغيير المبدأ الاساسي في سياستها وهو التعامل مع القطاع على أنه كيان منفصل وسوق جذابة.

تدهور الخدمات الصحية في القطاع يرتبط ايضا بوضع الاونروا في اعقاب وقف المساعدات الامريكية لها. كان هذا لشديد السخرية حملة سياسية ضد الاونروا ادارها اسرائيليون كبار طوال سنوات، تحدثت باللغة التي تفهمها ادارة ترامب. ضربة اقتصادية اخرى متوقعة قريبا وستضر بصورة مباشرة أو غير مباشرة بجهاز الصحة الفلسطيني: اسرائيل قررت خصم ما يعادل المخصصات التي تعطى لعائلات السجناء الفلسطينيين من الضرائب التي تجبيها في الموانيء وتعيدها لوزارة المالية الفلسطينية. هذه الضرائب هي نصيب الاسد من مداخيل السلطة الفلسطينية. إن خفضها سيمس بخدمات حيوية. محمود عباس برر التخفيضات التي امر بها لرواتب ومخصصات سكان القطاع بالعجز في ميزانية السلطة. إن خصم مئات آلاف الشواقل الاخرى من مداخيل الضرائب سيكون سبب للتقليص في الخدمات الصحية في القطاع.

نبأ كوفوفيتش يذكر بستة آلاف مصاب بالنار الاسرائيلية الذين ينتظرون اجراء عمليات مستعجلة. لقد سبق وكتب في نيسان 2018 في هآرتس أن جهات طبية فلسطينية ودولية مصدومة من شدة الاصابات للمتظاهرين غير المسلحين ومن عددهم الكبير. معلومات وتحذيرات عن خطورة الوضع كانت موجودة كل الوقت. والجميع كانوا يستطيعون معرفتها. "أطباء بلا حدود"، "منظمة الصحة العالمية"، "منظمة "مساعدة طبية للفلسطينيين"، "رابطة اطباء حقوق الانسان" التي مقرها في تل ابيب، جمعية "غيشاه"، هذا فقط عدد من المنظمات التي تنشر تقارير مقلقة بشكل منتظم. والتي بالتأكيد تصل في الوقت المناسب الى مكتب منسق اعمال الحكومة في المناطق ومكتب الشباك.

قرار استخدام النار الحية وليس وسائل اخرى غير قاتلة من اجل تفريق المتظاهرين غير المسلحين هو قرار يخص الجيش. التعليمات للجنود باطلاق النار من مسافة قصيرة على الارجل، وبهذا التسبب بجراح خطيرة جدا حتى اعاقة، هي لقادتهم. الطواقم الطبية لدينا انتبهت أن الجراح تشمل تدمير بدرجة كبيرة يلحق بالعظام والانسجة اللينة، وجروح مخرج الرصاصة يمكن أن تصل الى حجم قبضة اليد. كتب في منتصف نيسان 2018 في تقرير "اطباء بلا حدود" (الذين حصلوا على جائزة دان دافيد هذه السنة). "على هؤلاء الجرحى اجتياز عمليات جراحية معقدة جدا، ومعظمهم سيعانون من الاعاقة طوال الحياة"، قدرت المنظمة. ولكن الجنود واصلوا بنفس الطريقة اصابة المتظاهرين غير المسلحين حتى بعد نشر هذه الامور وبعد النشر بصورة صريحة أن المستشفيات في غزة لا يمكنها معالجة كما يجب كل المصابين، الذين يأتي اسعافهم على حساب مرضى عاديين، الذين يتم اخراجهم من المستشفى الى بيوتهم بشكل مبكر جدا، وفي ظل غياب الادوية المطلوبة تحدث تلوثات للجروح.

كان يمكن انقاذ ارجل عدد من المصابين وحتى حياة مصابين آخرين لو كانوا تمكنوا من الخروج لتلقي العلاج خارج القطاع ومن الاماكن التي فيها نقص للادوية ومواد التخدير والتطهير والكهرباء. لكن أمر سياسي بعدم تمكين الخروج ونظام تصاريح معقد جدا خربت هذا الطريق ايضا، التي كان يمكن أن تسهل على غرف العمليات في القطاع. احيانا التباطؤ والتأخير في اعطاء التصاريح يؤدي الى تدهور الوضع الصحي للمرضى ويزيد العبء على جهاز الصحة في القطاع.

جهاز الامن (ادارة التنسيق والارتباط التي تخضع لمنسق الاعمال في المناطق) والشباك هم الذين خلقوا جهاز معقد لفحص طلبات التصاريح، منها التصاريح للعلاج. حسب معطيات منظمة الصحة العالمية للعام 2018 تم تقديم 25897 طلب للخروج من اجل العلاج في الضفة الغربية أو في اسرائيل من معبر ايرز. كل هذه الطلبات حصلت على التزامات مالية من السلطة الفلسطينية لتغطية تكلفة العلاج. منسق اعمال الحكومة في المناطق والشباك صادقوا على 61 في المئة من هذه الطلبات، 31 في المئة لم يتم الرد عليها، أو تم الرد بعد وقت طويل، والمرضى لم يتمكنوا من الوصول في الموعد المحدد لهم، و8 في المئة من الطلبات تم رفضها.

بسبب الضائقة الاقتصادية والنفسية المتزايدة في غزة هناك ارتفاع في عدد السكان الذين نجحوا في الحصول على تصاريح خروج الى الضفة لبضعة ايام وبقوا هناك. على الاغلب هم يجدون مصدر رزق ويساعدون عائلاتهم في القطاع. اجهزة الامن والمستوى السياسي يصفونهم بـ "مقيمين غير قانونيين" رغم أن اتفاق اوسلو قرر أن القطاع والضفة هما وحدة جغرافية واحدة. في السنتين الاخيرتين يشترط جهاز الامن الخروج لتلقي العلاج الطبي على اقاربهم في الضفة بعودتهم الى القطاع. أي ان جهاز الامن القلق من انهيار جهاز الصحة الفلسطيني هو الذي يصعب عليه من خلال أن يفرض عليه علاج المرضى بوسائل ليست موجودة لديه. ويفرض على الاطباء رؤية المرضى الذين يتدهور وضعهم وهم لا يستطيعون تقديم المساعدة لهم.

"منذ زمن طويل نحن نحذر من أن الخدمات الطبية في القطاع تنهار، ومن الواضح للجميع أن غزة غير قادرة على الصمود في حرب اخرى"، قالوا في "اطباء من اجل حقوق الانسان". حتى الآن عندما نتوجه لطلب السماح للمرضى بالخروج تتم الاجابة في حالات كثيرة بأن الطلب مرفوض لأن العلاج يوجد في مستشفيات غزة، وأخيرا الآن يعترف جهاز الامن بالواقع.

في نهاية الاسبوع نفذ 6 اطباء متطوعين من هذه الجمعية 30 عملية معقدة في مستشفيين في القطاع في ظروف النقص. الاطباء هم فلسطينيون من مواطني اسرائيل ولهم وظائف في مستشفى رمبام وهشارون والكرمل وشعاري تصيدق.

ثلاثة متطوعين آخرين من الجمعية – طبيبة عائلة وطبيب اطفال وطبيب نفسي – عالجوا مئات المرضى الآخرين. منذ 11 سنة ومتطوعو الجمعية يدخلون مرة كل شهر الى القطاع لعدة ايام، يجرون على مدار الساعة علاج وعمليات لمئات المرضى. في كل زيارة يحضرون معهم معدات طبية مستعملة، ادوات مطلوبة للعمليات، الانسولين لمرضى السكري، مميع الدم وادوية اخرى ثمينة لمرضى كثيرين. قيمة الادوات والعلاج التي احضرتها البعثة هذه المرة هو 90 ألف دولار، التي معظمها تم التبرع به من قبل منظمات المجتمع الفلسطيني في اسرائيل. "اكثر مما يتحدث به المرضى عن وضعهم الجسدي، هو يتحدثون عن الصعوبة النفسية والاقتصادية للعيش كأسرى في القطاع المحاصر"، قال مدير البعثة صلاح الحاج يحيى للصحيفة. "الاطباء في غزة جيدون ولكن ليس لديهم تصاريح للخروج من اجل استكمال تأهيلهم خارج القطاع ولا توجد لهم المعدات المطلوبة والكهرباء يتم قطعها ويحصلون على أجر جوئي فقط. هناك اطباء لا يوجد لهم المال من اجل الوصول الى اماكن العمل، ويوجد عليهم عبء غير موجود في أي مستشفى آخر في العالم. لذلك هم بحاجة الى المساعدة، لكن هذه المساعدة الكبيرة هي قطرة في مجتمع يعاني من الفقر".

ليس بالامكان فصل الصعوبات المالية لجهاز الصحة في القطاع عن معطيات الفقر، وليس بالامكان فصل معطيات الفقر عن العامل الاساسي الدائم الذي يحدثه: سحب الحق في حرية الحركة من السكان. هكذا تم تدهور النشاط الانتاجي الى الحد الادنى في القطاع. هذه السياسة بدأت قبل صعود حماس للسلطة، واشتدت عند الانفصال في 2005 عندما اوقف ايضا عمل آلاف العمال من القطاع في اسرائيل. إن اشفاء جهاز الصحة في القطاع لن يحدث بدون اعادة حرية الحركة للسكان هناك واعادة قدرتهم على كسب رزقهم بكرامة.

كلمات دلالية