إذهب وابني دولة- معاريف

الساعة 05:28 م|08 فبراير 2019

فلسطين اليوم

إذهب وابني دولة- معاريف

بقلم: جاكي خوجي

(المضمون: في مصر لا صوت يعلو على صوت الاستقرار ولهذا سيعملون على تغيير الدستور لتمديد ولاية الرئيس. اما في اسرائيل فحتى المحكمة العليا لا تستجيب لضائقة الغزي العادي في وجه البيروقراطية وانغلاق الحس الاسرائيلي - المصدر).

في هذه الايام قبل ثماني سنوات اهتزت الارض في مصر. اغلق الرئيس كلي القدرة حسني مبارك على نفسه في احدى غرف قصره مع وزير دفاعه حسين طنطاوي الذي اوصاه بالرحيل. وحذر الطنطاوي بانه سيضطر الى اطلاق النار على المتظاهرين لاسقاط الضحايا بينهم وعندما سيسأل التاريخ من أصدر الامر، سيشير الجميع اليك. لقد كان الشارع مصمما على اسقاط الرئيس، وكلاهما فهما جيدا حجم الازمة. اذا فتحا النار سيكون العار عظيما. واذا لم يفتحا فسيتصاعد لهيب الثورة ليحرق القصر. وفي الشوارع تدحرجت الجثث. وعد الطنطاوي رئيسه بالحصانة. ولكن في هذه الامور من يدري ما يخفيه الغد. فالجمهور ومن يقفون خلفه قد يطيحون به هو ايضا.

يعرف التاريخ حكاما في مثل هذه اللحظات تمسكوا بكراسيهم. اما مبارك فقرر بشجاعة الاستجابة لمشورة رفيقه. كان هو ابن 83، بعد 29 سنة من الحكم. وبقدر كبير اعتزل نحو المجهول.

واصلت مصر العصف. في بعض منه كان هذا هو الشارع بتعبير اصيل للغضب الذي تفجر، ولكن خلف الكواليس بدأ يعمل الجهاز الميداني للاخوان المسلمين. فقد اشتموا الفرصة للتسلق الى موقع الحكم. اضطر الطنطاوي، الحاكم المؤقت الى التنازل لهذين الطرفين. في 25 كانون الثاني، يوم اندلاع الاضطرابات، تقرر عيد وطني. تحدث الجميع عن عصر جديد، وقيم الثورة على شفاه الجميع. الديمقراطية، الشفافية، المواطن هو الملك وليس حكامه. اما الشباب الذين فقدوا حياتهم في المظاهرات فاصبحوا شهداء. "بعد قليل سنبعث برموز الفساد الى السجن، وستكون هنا مصر جديدة. سمعت هذا على لسان تاجر شاب في سوق القاهرة.

قبل اسبوعين تم احياء 25 كانون الثاني مرة اخرى، ولكن بخلاف السنوات الماضية مر هذا دون ذكر. فلم يجرَ اي احتفال، ولم يبث اي برنامج تلفزيوني ولم يلقَ أي خطاب. ليست هذه صدفة بالطبع. فقد قال الرئيس عبد الفتاح السيسي اكثر من مرة ان تلك الاحداث كانت خطأ، اعادت مصر سنوات الى الوراء. واذا ما سألتموه فانه سيقول انه يوجد هناك من أجل اصلاح هذا الخطأ. لاثارة زخم اقتصادي من البناء، لتجنيد الاستثمارات، لقمع الارهاب الذي يهرب السياح وكذا لاسكات الضجيج في الخلفية. مثل اولئك الذين يشتكون من غياب حرية التعبير. في مشروع الاصلاحات هذا لا مكان للحديث عن ثورة ديمقراطية. فعندما فتحت النافذة قبل ثماني سنوات رأينا من كان أول من تسلل الى الداخل. طاعنو السكاكين في الظهر.

في الاشهر الاخيرة تترسخ فكرة جديدة. في 2022 يفترض بالسيسي ان يخلي كرسيه. والدستور المعدل يحدد الرئاسة في ولايتين لاربع سنوات كل منهما. وفي البرلمان تتشكل الان مبادرة لجعل الولاية باثر رجعي من ست سنوات. وهكذا يتم تمديد عهده حتى 2016. المبادرة ليست عقوبية وليست مفاجئة. ومصدرها في النوافذ العليا.

لا شيء يقف في وجه السيسي ورجاله في ارادتهم لتغيير الدستور. وبالفعل، فان نصف النواب وقعوا منذ الان. المشكلة هي الرسالة للجماهير. فما هو القانون وما هو الدستور. اذا كانوا يشطبونه ويكتبونه كل الوقت وفقا للمزاج السياسي. وما هي الثورة اذا كانت قيمها تتبدد. الكثيرون في مصر يشعرون بان الشباب الذين ضحوا بارواحهم لاجل احداث التغيير، ذهبوا هدرا. لمن ينظر من الجانب يبدو هذا كحالة اخرى لحاكم يتمسك بكرسيه، ولكن الواقع في القاهرة اكثر تعقيدا. السيسي والضباط احرار بالفعل في أن يقيموا في القصر من يريدون. ان يختاروا مرشحهم. ان يبنوه ويضموا انتصاره. ولكن لاجل ماذا كل هذه الهزات، اذا كان الزعيم القائم رسخ حكمه ويوجد في ذروته. في مصر اليوم لا صوت يعلو على صوت الاستقرار. وبالتالي لا شيء يقف في وجه ارادتهم لتغيير المادة في الدستور المتعلقة بولايته.

من المغري توجيه النقد للنظام. وبالتأكيد يوجد ما ينتقد. قيادة الاخوان المسلمين في السجن. الرئيس محمد مرسي في السجن. مواقع اخبارية اغلقت. قادة رأي لا يحق لهم ان يقولوا ما يفكرون به. اما نحن، فننسى احيانا بان الرئيس المصري والعصبة التي تحيطه يعرفون مصاعبهم اكثر من كل اجنبي آخر. يعرفون ما بوسعهم ان يفعلوه وما يعجزون عن فعله. وبرأيهم فان الشعب المصري ليس ناضجا في هذه المرحلة لديمقراطية غربية بالاسلوب الذي روج له المتظاهرون في 2011. فمسيرة كهذه، في دولة متفرجة مثل مصر من شأنها أن تسقط كل المبنى. ربما بعد أن يعود الاستقرار ويأتي النضج. وربما لا.

 

فليذهبوا الى غزة

اذا أجرى احد ما بحثا شاملا عن الحياة في قطاع غزة في سنوات الاغلاق نأمل أن يهمل والا يراجع ملفات محكمة العدل العليا. فالتماس رفع مؤخرا الى المحكمة العليا يكشف جانبا متعبا على نحو خاص من الاتصال بين السكان هناك والسلطات في اسرائيل. ويتناول الالتماس سكان غزة الذين يطلبون الخروج الى اسرائيل او عبرها لاغراض مختلفة: علاجات في المستشفيات، زيارة اقرباء ينازعون الموت (في الضفة او في دول عربية)، التعليم في الخارج والتجارة مع اسرائيل او الضفة. ويتبين أن اسرائيل تلتزم بالرد على طلبهم للخروج في غضون فترة زمنية معينة، حسب نوع الطلب. فطلب المريض يجاب في غضون 23 يوما. اما طالب حصل على قبول التعليم العالي في الخارج ويطلب الخروج من غزة فيجاب في غضون 70 يوما. وطلب المشاركة في عرس لقريب يجاب في غضون 50 يوما في اقصى الاحوال. اما زيارة قريب عائلة ينازع الحياة فـ 70 يوما.

هذه الفترات الزمنية طويلة جدا وتتسبب بازعاجات شديدة للطالبين. فها هي مثلا حالات القريب الذي ينازع الحياة. ففي السبعين يوما حتى الجواب حصل أن مات القريب. غير ان الملتمسين يروون بان اسرائيل لا تفي حتى بمواعيد هذه الفترات الزمنية، وفي احيان كثيرة ترد بعدها. واحيانا لا يكون الرد ذا صلة، وهناك حالات لا ترد فيها على الاطلاق.

رفعت الالتماس ثلاث منظمات حقوق انسان. "غيشا"و "اطباء لحقوق الانسان" و "هموكيد" لحماية الفرد. بزعمها فان الجداول الزمنية هذه غير معقولة منذ البداية. والضرر اللاحق بمقدمي الطلب غير متوازن وغير ضروري. ويصف الالتماس موقف السلطات في اسرائيل من هذه الطلباته بانه تسيدي ومهين. وادعت بان هذه ظاهرة وليست حالات شاذة، وطلبت من محكمة العدل العليا أن تأمر الدولة بتقصير مدة الاجراء وادخال النجاعة في عملية الاجابة. اما قضاة محكمة العدل العليا، كعادتهم في مثل هذه الملفات فقد ردوا الالتماس. وتعلقوا بموقف الدولة بانه في السنة القادمة من المتوقع اعادة النظر في الاجراء. بعد ذلك ادعوا بان الالتماس عمومي، بمعنى انه عديم الامثلة والحالات الملموسة وان كانت طرحت فيه امثل. المبررات التي طرحها القضاة مزوز وكروستوف وشتاين هي مبررات فنية، اتاحت لهم تجاوز الاساس والمبدأ: موقف دولة اسرائيل من المواطن البسيط في القطاع. من المواطن وليس من حكامه. فماذا ترى فيه – ضحية، موبئة وربما ايضا عدوا؟ اذا لم يكن عدوا، مثلما قال ذات مرة رئيس الوزراء نتنياهو، لماذا لا يحسن اليه. واذا كان عدوا فلماذا لا نعلن عن ذلك على رؤوس الاشهاد.

يصعب على الاسرائيلي العادي ان يستمع الى مثل هذه الادعاءات. وحتى سيادة القضاة كان صعبا عليهم. وهي صعبة لان فيها ما يشكك في الاخلاق الوطنية. وهي تظهر ان سيطرة اسرائيل على الغزي هي ايضا على مشاعره، ألمه النفسي والجسدي، وحقه في أن يتلقى العلاج، التعليم او التعليم أو لحظة من الراحة.

عندما يكون لكل هذا مبرر أمني، فحسنا. ولكن اي حاجة أمنية تبرر التسويف أو التجاهل لطلب مريض سرطان من خانيونس للخروج لتلقي العلاج في القدس. او طالب كل مستقبله امامه، للخروج للتعليم في دبي. او لشخص يوشك اخاه على ان يودع العالم، للخروج ليقول له كلمات أخيرة. حاولوا أن تضعوا انفسكم مكانهم. اناس خاصون يتوقعون من اسرائيل القوية ان تستجيب لضائقتهم الكبيرة. اما اسرائيل فتتلبث او لا تجيب على الاطلاق.

احد لا يفعل هذا بنية مبيتة. واحيانا يعمل من يعنى بالامر لان يحسن لسكان القطاع حتى أكثر مما تتطلبه القواعد الجافة. ولكن في الالتماس بحثت روح القائد، لا خلل واحد ولا اثنين. وهذا معروف للكثيرين. ضباط، جنود، مستشارين قانونيين، سياسيين، صحافيين. وها هو معروف للمحكمة العليا ايضا. المهم اننا احتفلنا هذا الاسبوع بيوم العائلة.

كلمات دلالية