تحول جسده لساحة اضطراب

بالصور الطفل النجار.. فقد إحدى حبيبتيه ومدرسته

الساعة 01:23 م|06 فبراير 2019

فلسطين اليوم

صراخٌ وبكاء وارتعاش، كل ليلة منذ ذاك اليوم تحاصرهُ الكوابيس، يصحو متعرقًا خائفًا، يبحث لجسده الصغير عن مأوى، لكنه لا يرى بوضوح أمامه، فتنتابه نوبات خوف وقلق واضطراب من جديد، فيما تهبُّ والدته لاحتضانه ودموعها تنهال على وجهه.

لم يكن محمد هكذا مُطلقًا، فمن يعرفه يعي جيدًا أنه الفتى الشجاع، الذكي، المنطلق، قبل أن تحوله إصابته إلى الفتى المرتبك المضطرب، فقد كان ما حدث فوق طاقته على الاستيعاب والتصوّر، فلم يصدق محمد بعد أنه لن يبصر بعينه اليُمنى من جديد!

في الحادي عشر من يناير الماضي خرج الفتى ذو الوجه الهادئ الجميل بعد صلاة العصر مع أصدقائه، فلمعت في بال أحدهم فكرة الذهاب إلى الحدود للمشاركة في مسيرات العودة ومراقبة التجمعات الكبيرة للناس، فاتفقوا أن يذهبوا ويراقبوا المشهد من بعيد وهذا ما كان.

كانت جمعة هادئة مقارنةً بما سبقها، فيما محمدٌ وأصدقاؤه يجوبون منطقة السياج الفاصل، يناظرون الكاميرات والشبان، وتأخذهم التفاصيل حاملةً أقدامهم إلى الأمام رويدًا رويدًا، وفجأة لمع شيءٌ في رأس الفتى عندما التفت ليعود أدراجه وسقط أرضًا، وشعر بكهرباء تجري في رأسه.

صورته وهو محمول بين كفَّي أحد الرجال مرعبةٌ، فكل من شاهده علم من حجم الإصابة أنه قد فقد عينه، إلا هذا الطفل الخائف من الكثير من الأشياء، أولًا من ردة فعل والده، وثانيًا من المستشفى الذي لم يزره كثيرًا من قبل، لكنه لم يكن يعلم ما كان ينتظر حقًا.

وعن معاناة أسرته في إخفاء الحقيقة عنه تقول لمياء أبو حرب والدة محمد: "حاولت على مدار أسبوعين أن أخفي عنه ما أصاب عينه، فيما أكد الأطباء لي أنه من المستحيل أن يرى بها مجددًا بعد أن دمرت قنبلة غاز شبكية عينه، وخطفت نظره منها".

بعد أن سمع محمد الأطباء يومًا أنه لن يرى بعينه من جديد، تحول الفتى الشغوف باللعب والدراسة إلى شخص انطوائي، مضطرب، عصبي، كثير البكاء والصراخ، مخلفًا حسرةً كبيرة في قلب والدته وأفراد أسرته وأصدقائه.

وتضيف أبو حرب لمراسل "وكالة فلسطين اليوم الإخبارية": "لا زلت أصرُّ على إمكانية علاجه، وضرورة سفره للخارج لتلقي العلاج، لكن ما من إجابة حتى اليوم، وأنا أطالب أصحاب الضمائر الحية، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يساعد هذا الطفل، الذي تحولت حياته إلى كابوس كبير".

وفي زيارتنا لمنزل العائلة في منطقة بني سهيلا في مدينة خان يونس جنوب القطاع، تجاوب معنا محمد قليلًا لكنه كان نادر الكلام، وفجأة هرب الطفل إلى داخل حجرة ففزعنا عليه وحاولنا اللحاق به، لنجده جالسًا منطوٍ على نفسه وصوت حشرجته واهتزاز جسده يدميان القلب.

حالة الأسى التي يعيشها الوالدان والأولاد الثلاثة الآخرين لم تنتهِ إلى هُنا، فمحمد الذي تعلق قلبه بالصلاة، لم يعد قادرًا على السجود والركوع بسبب الصداع وانحباس الدم في عينه، إضافة إلى انقطاعه عن المدرسة بشكل كامل.

والدته تمنت أن يُقدم لطفلها الدعم النفسي بعد أن أنهك الاضطراب والبكاء جسده، إذ لم يزر الطفل أيٌّ من المؤسسات أو الأطباء المختصون بعلم النفس للجلوس معه، ومحاولة تحفيزه للعودة إلى الحياة، فما زال محمدٌ عالقًا في الحادي عشر من يناير.

قصة محمد نبذة ربما عمَّا يعانيه المصابون في قطاع غزة، فقلة العلاج تحاصرهم من جهةٍ، وعدم إمكانية خروجهم من القطاع يزيد معاناتهم من جهة أخرى، فيما يواصل الاحتلال تعمد إصابة المشاركين السلميين في مسيرات العودة بشكل مباشر وبضرر كبير.

 

الفتى محمد النجار 10
الفتى محمد النجار 9
الفتى محمد النجار 8
الفتى محمد النجار 7
الفتى محمد النجار 5
الفتى محمد النجار 4
الفتى محمد النجار 3
الفتى محمد النجار 2
الفتى محمد النجار 1
 

كلمات دلالية