اسطورة، اسود وسياسة-معاريف

الساعة 02:31 م|05 فبراير 2019

فلسطين اليوم

بقلم: البروفيسور آريه الداد

(المضمون: نمط تصفية الخلفاء يشرح سلوك بنيامين نتنياهو تجاه جدعون ساعر. رئيس الوزراء يكافح كي يخلق صورة عالم لا يكون له فيها بديل، والليكوديون يشترونها بالفعل - المصدر).

تروي الاسطورة اليونانية عن الجبارين كروموس وريا، اللذين لهما ستة ابناء. كان زيوس اصغرهم. عاش كروموس كل ايامه في ظل نبوءة مخيفة – بان احد ابنائه سيقطعه الى الف قطعة. وعليه، ففور ولادة ابنائه حرص على ان يبتلعهم. وعندما ولد زيوس قررت ريا أنها ملت، لفت حجرا من يراع القماش وسلمته لكروموس. كان واثقا ان هذا ابنه الصغير وابتلع الرزمة. ولاحقا كبر زيوس وبعد بضع خلطات ومناورات، قطع كروموس الى الف قطعة. كان ليوس هو ابو اديبوس. ولما كان اصيب بلعنة بان ابنه سيقتله وتزوج امه، بعث الزوجان الملكيان الرضيع الى الغابة كي يفترس هناك. انقذه القدر والنهاية معروفة. اديبوس قتل أباه، تزوج أمه ورزق عشرات الاف اطباء النفس من عهد فرويد وحتى اليوم.

 

في افلام الطبيعة الرائعة التي تبثها شاشاتنا، رأيت ذات مرة ليف شاب يتحدى أباه الملك. وبعد الكثير من الزئير، الخدوش والغبار، ينصرف الملك العجوز، والشاب لا يضيع وقتا ويتوجه على الفور لقتل كل اشبال الملك المطاح به. ظواهر مشابه، يصفي فيها الاب نفسه اشباله، معروفة في عالم الحيوان في فروعه المختلفة.

 

يعج التاريخ البشري بقصص الملوك الذين صفوا أنسال الملك السابق، واحيانا ايضا ابناء عائلتهم منعا للمنافسة المحتملة. ريخف وبعنا قتلا ايش بيشت، الابن الاخير للملك شاؤول وجلبا رأسه الى داود، متوقعين الثواب، إذ هكذا كان متبعا. اما داود فشذ عن العادة وقتلهما هما بالذات. هيرودس صفى بمنهاجية اقربائه من بيت الحشمونائيين. هكذا تصرف كثير من الملوك والقياصرة.

 

ولكن ليس هكذا تصرف كل زعمائنا. بن غوريون طور ديان وبيرس. شمير دفع الى الامام باولمرت ونتنياهو (وندم على كليهما). ولكن نمط تصفية الخلفاء هو الذي يشرح سلوك نتنياهو تجاه جدعون ساعر. فبعد أن لم يرق لرئيس الوزراء تعزز قوة ساعر في الليكود، أراه الباب للخروج، مثلما فعل لبعض من الناجحين جدا قبله. نتنياهو بحاجة الى احساس يملأ الموالين الحقيقيين له والمنافقين له – بان لا بديل له. كل من يقع في الفخ ويجادل الليكودي المتزمت في تحقيقات نتنياهو يصل في النهاية الى السؤال: "من تعتقد أن بوسعه ان يحل محله".

 

ان المثل الذي يتحدث عن ان القبور مليئة بالزعماء الذين لم يكن لهم بديل، لا يقنعهم. فهم واثقون بان قيادة نتنياهو وحدها تضمن لهم الحكم، ويتنكرون لواقع رفع لوائح اتهام ستستوجب في نهاية المطاف من نتنياهو النزول عن كرسيه، ولهذا فهم يرفضون، بعناد صبياني، ان يضعوا بدائل محتملة في مواقع الانطلاق.

 

يحاول نتنياهو تصفية ساعر. هذه عادة معروفة جدا في عالم الحيوان، في التاريخي البشري وفي السياسة عندنا. وهو يقاتل كي يخلق صورة للعالم لا يكون فيها له خليفة. هكذا حاول تصفية دافيد ليفي في قضية الشريط الساخن. ولهذا اخترعت القصة عن المؤامرة التي ارتبط فيها ساعر مع الرئيس ريفلين ليكلف الأول بتشكيل الحكومة بعد الانتخابات. ولهذا حاول الموالون لنتنياهو العمل على قانون يمنع ذلك.

 

لقد وقع القانون ضحية في اسنان الجدول الزمني للانتخابات الذي قصر جدا. لا أدري اذا كان نتنياهو استيقظ ذات ليلة من مثل هذا الكابوس ام أن كل انواع ريخف وبعنا من الموالين له جلبوا له القصة، كمن يقدمون له رأس ساعر. ولكن ليس مثل الملك داود، نتنياهو تبنى الفرية وكررها مرة اخرى هذا الاسبوع، ملقيا بهذه الجمرة الساخنة في معمعان الانتخابات الأولية في الليكود التي ستجرى اليوم.

 

ان نتائج هذه الانتخابات، ومكان ساعر في قائمة مرشحي الليكود ستبين لنا كم هم منتسبو الليكود مستعدون لان يسيروا بعمى خلف نتنياهو بكل ثمن، حتى بثمن فقدان الحكم – أم انهم باتوا مستعدين نفسيا للعصر ما بعده ايضا.

كلمات دلالية