بداية مسار- معاريف

الساعة 07:28 م|01 فبراير 2019

فلسطين اليوم

بقلم: الون بن دافيد

كان هذا عرض حياته. لم يسبق لي أن رأيته مشحونا بهذا القدر من الطاقة وقدرة الاقناع ومثل هذا البريق في العينين. كل من يعرفه كان يمكنه أن يرى كم هو متأثر. ولكنه جاء جاهزا جدا، وليس كعادته – مقنع ايضا. كان واضحا أنه استمع واطاع من ارشده تمهيدا لهذه اللحظة. من الصعب أن نعرف الى أين ستأخذنا الاسابيع القادمة. ولكنه واضح منذ الان انه يمكن اجمال عرضه كالتدخل الاكثر اهمية في السياسة الاسرائيلية في السنوات الاخيرة. فقد ذكر اعلان بني غانتس الكثيرين بدخول رئيس اركان آخر للساحة السياسية: الراحل أمنون ليبكن شاحك. وعن حق يبحث الناس عن اوجه الشبه: ليبكن شاحك كان ولا يزال نموذج زعامة لجيل من الضباط الذين نموا تحته بمن فيهم غانتس ايضا. ولكن اعلان تنافسه، بالضبط قبل عشرين سنة كان عاطفيا اكثر وغامضا بعض الشيء من حيث ما فيه من أقوال – "هل انتبهتم الى أن الناس كفوا عن الابتسام؟". لقد وقف ليبكن شاحك لهذا الاعلان وهو يعتمد على عادته الى ذكائه العالي وسحره الشخصي. هذا ليس كافيا في السياسة.

على طول حياته السياسية مال غانتس هو الاخر الى الاعتماد على الفهم والسحر الطبيعيين بدلا من الاستثمار في الاستعدادات الدقيقة، ولكن هذا الاسبوع كان واضحا انه تعلم درس ليبكن شاحك واستعد بعناية. في عرضه اطلق سلسلة من المواقف الواضحة والحادة في سلسلة من المواضيع، وهذا بحد ذاته جديد منعش في السياسة الاسرائيلية.

ستثبت الاسابيع القادمة اذا كان مصنوعا من مادة قادرة على أن تمتص الضربات التي سيتلقاها في الساحة السياسية العنيفة، ميدان معركة مختلف عن كل الميادين التي عرفها حتى اليوم. على طول حياته المهنية في الجيش الاسرائيلي نجح في الغالب في الامتناع عن المواجهات الشخصية او دس يديه في الوحل. أما الان فهو مطالب بان يغوص في ذلك. النوايا الطيبة لم تكون كافية.

رغم أن خدمته العسكرية اجتازت كل المحطات الاكثر صعوبة، فقد علق فيه في الجيش الاسرائيلي صورة من لا يجتهد، مع اللقب المعروف "بني، حطة". فقدرته على الا يبدو متعرقا بالذات كانت مجدية في موقفه المؤثر هذا الاسبوع في حدائق المعارض. صحيح أنه فج في السياسة، ولكن لا يمكن الادعاء بانه جاء بلا سجل من الفعل. وبخلاف صرخات "اليسروي" التي تصدر عن معارضيه، فان الانتقاد على سجله العسكري مشروع تماما.

ومع ذلك، فان محاولة تصويره كمسؤول عن ترك المقاتل مدحت يوسف الراحل لمصيره تخطيء الواقع. فقد دخل غانتس الى منصب قائد فرقة يهودا والسامرة قبل اسبوعين من ذلك فقط، في اعقاب استقالة القائد السابق على خلفية خلل عملياتي. والمخططات العملياتية، التي ظهرت بأثر رجعي كعليلة، للاخلاء أو الانقاذ من قبر يوسف كان اعدها سلفه في المنصب.

كنت هناك في ذاك اليوم المرير من تشرين الاول 2000، في تل الراس الذي يشرف على نابلس. وفضلا عن غانتس وقائد اللواء كان هناك ايضا قائد المنطقة ايتسيك ايتان، رئيس الاركان شاؤول موفاز ورئيس المخابرات آفي ديختر. وبالذات ديختر هو من أقنع ضابط الجيش بعدم العمل بل الانتظار والسماح للقوات الفلسطينية بان يخلوا الجريح بانفسهم. ومن اتخاذ قرار الانتظار كان رئيس الاركان ورئيس الوزراء ايهود باراك.

بعد اسبوعين من ذلك وجد غانتس نفسه في وضعية مشابهة على مسافة غير بعيدة من هناك، عندما هوجم عشرات المتنزهين الاسرائيليين في جبل عيبال بنار ثقيلة من مخيم عسكر للاجئين. وعلى مدى ساعات اختبأوا خلف الصخور، بعضهم وهو ينزف، وانتظروا ان يأتي الجيش الاسرائيلي لانقاذهم. بعض منهم حتى اتصل بقنوات الاعلام وصرخوا للنجدة. التقيت غانتس في سفوح الجبل في تلك الظهيرة وهو يتردد اي قوة يستخدم وهل ينتظر ان توقف الشرطة الفلسطينية النار. بعد خمس ساعات فقط، مع هبوط الظلام، انقذ المتنزهون، وبينهم قتيل وجرحى. كان هناك قادة كان يمكن ان يتصرفوا بشكل مختلف.

مرت أشهر اخرى من مثل هذه الاحداث، والتي في اثنائها كان حي في عاصمة اسرائيل يعيش تحت نار متواصل من الفلسطينيين، الى أن اخذ الجيش الاسرائيلي المبادرة وبدأ يدخل الى المناطق أ. في ايار 2001 صادق غانتس للمظليين للدخول بضع مئات الامتار الى داخل بيت جالا، حيث كانوا يطلقون النار على غيلو وعلى الطريق الى غوش عصيون. وقد بدا في ذاك اليوم كمن اجتاز الروبيكون لاول مرة.

رؤيا رؤساء الاركان

هذه الصعوبة في احداث التحويلة من الحياة الروتينية الى الطواريء، من السلوك المرتاح الى السلوك العدواني، كان واضحا ايضا في مناصبه الاعلى. فكرئيس اركان لم ينجح المرة تلو الاخرى في أن يجيز خطة متعددة السنين كان الجيش يحتاجها جدا كهواء للتنفس. كان هناك رؤساء اركان مستعدون لان يتحفزوا للانطلاق والهجوم. اما غانتس فطأطأ الرأس واستوعب التقليصات لدرجة اضطراره الى وقف التدريبات في الجيش.

لقد كان الجيش الذي وصل معه الى الجرف الصامد متدربا أقل ومع معرفة محدودة لتهديد الانفاق وطريقة التصدي لها. غانتس وشريكه الحالي بوغي يعلون، الذي كان في حينه وزير الدفاع، وجدا صعوبة في أن يفهما بان حماس تقودهما الى المواجهة. (لرئيس شعبة الاستخبارات في حينه أفيف كوخافي نصيب معتبر في سوء فهم الوضعية). وحتى عندما بدأت المواجهة تلبثوا في استخدام قوة الجيش الاسرائيلي وفي تحديد اهداف استراتيجية للقوات، وكانت النتيجة مناوشات طويلة جدا مع حماس، مع اهداف محدودة وانجازات جزئية.

في نظرة الى الوراء نجحت الجرف الصامد في خلق ردع عميق لدى حماس من مواجهة اخرى، ولكنها خلفت ندبة في الجمهور الاسرائيلي. ليس هناك احد يدعي بان هكذا يجب أن تدار معركة مع غزة. كما ان لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي ادار الحملة بشكل وثيق مع يعلون وغانتس، نصيب معتبر في اتخاذ القرارات المترددة.

بخلاف التلميحات عليه، لم ينهار غانتس ولم ينكسر في اثناء الحملة. رغم أن مظهر وجهه في تلك الايام ابدى الضغط الذي كان يعيشه. فهو ليس فقط ضابط بل وجنتلمان ايضا، قلبه وشفتاه متساويان، حتى وان كانت له كلمة نقد على من اداراه في الحرب، فان احدا لن يسمعها منه. فهو عرف كيف يمنح اسنادا كاملا لقادته ايضا، بمن فيهم اولئك الذين اخطأوا.

انه يجب معه الى السياسة نسيما منعشا من النزاهة ومحبة الانسان، اللذين ينقصانها جدا. في خطوة واحدة نجح في أن يبث فيها روح حياة وان يخلق احساسا بان التغيير ممكن. ليس لديه خطابية نتنياهو أو يئير لبيد. وعليه فخير يفعل اذا امتنع عن مواجهة تلفزيونية معهما. ولكن لديه في ظهوره القدرة على أن يبعث على الثقة ويقنع بانه قادر على القيادة.

قبل اسبوعين بسطت هنا رؤيا حزب رؤساء الاركان، والتي كما كان متوقعا حظيت بالتنديد وكأن فيها دعوة لانقلاب عسكري أو لسيطرة طغمة. هذه الرؤيا بدأت تتحقق الان، ويتركز الاهتمام الان على غابي اشكنازي. في الاسابيع الاخيرة يقول في محادثات مغلقة انه سيرتبط بقوة سياسية فقط اذا ما كان "القرش الذي ينقص الليرة". هذه هي لحظته لان ينزل القرش (الذي يساوي الكثير). لا حاجة به لان ينتظر ان يكون آخر من ينضم بل من يحدث الانفجار.

مثل هذه الخطوة ستضع لبيد في معضلة عسيرة. من انضم الى السياسة على اساس كفاءاته الكثيرة والظاهرة، أثبت في السنوات الاخيرة بانه يتمتع ايضا بنشاط اساسي وطموح عميق. في الاسابيع الثلاثة القريبة القادمة هو كفيل بان يكون مطالبا بان يختار بين التطلعات الشخصية وبين اثبات أنه جاء حقا ليغير.

كلمات دلالية