غياب الاستراتيجية من خريطة مصالح الولايات المتحدة في سوريا - هارتس

الساعة 07:24 م|01 فبراير 2019

فلسطين اليوم

بقلم: تسفي برئيل

شتاء قاس بشكل خاص يمر هذا العام على آلاف اللاجئين المهجرين الذين يعيشون في لبنان وسوريا. عشرات المواطنين ماتوا بسبب البرد في المخيمات المؤقتة التي اقيمت في الدولتين. حسب منظمة الصحة العالمية، 29 طفل وطفلة ماتوا من انخفاض درجات الحرارة في الاسابيع الاخيرة في مخيم اللاجئين الحول واكثر من 42 الف لاجيء يعيشون في مخيم ركبان يعانون من النقص في البطانيات، والغذاء والدواء. قوافل مساعدة الامم المتحدة تجد صعوبة في الوصول الى هذه المخيمات، والتمويل الموجود في ايدي منظمات المساعدة آخذ في النفاد.

هذا هو الشتاء الثامن الذي فيه تعود الصور الصادمة لنساء واطفال يغرقون في البرك الموحلة والثلوج التي تحيط بالخيام التي تدلف المياه، وهم يبحثون عن قطعة خشب للتدفئة والطبخ. صحيح أن المساعدات تصل، بالقطارة، من دول عربية ودول اوروبية، لكن كلما مر الوقت يبدو أن مأساة اللاجئين السوريين تتلاشى، وكذلك ايضا الخطوات السياسية التي يمكن أن تؤدي الى نهاية الحرب.

في الطرف الثاني من المحيط، يبدو أن الادارة الامريكية والكونغرس منشغلين بالاساس في صراع ثنائي على سحب القوات الامريكية من سوريا. صحيح أن الرئيس الامريكي ترامب أجل موعد الانسحاب الى نهاية شهر نيسان، ربما لأنه فهم التأثيرات الصعبة التي يمكن لهذا الانسحاب أن يلقيها على حلفائه الاكراد، وربما لأن التصريح الفاخر له عن تحطيم داعش لا يرتكز الى حقائق على الارض.

تقرير التقدير السنوي عن وضع التهديدات الذي نشره هذا الاسبوع رئيس المخابرات القومية دانييل كوتس، والموقعة عليه ايضا رئيسة الـ سي.آي.ايه جينا هسبل، يقول إن آلاف مقاتلي داعش ما زالوا ينشطون في العراق وسوريا. في التقرير كتب ايضا أن ايران تنوي تطوير سلاح نووي وأن كوريا الشمالية لن تتخلى عن سلاحها النووي رغم المفاوضات مع الولايات المتحدة. ترامب كالعادة شن هجوم على التقرير، وبهجوم غير مسبوق اتهم رؤساء المخابرات الذين هو نفسه عينهم بـ "السذاجة والسلبية" وارسلهم مرة اخرى الى المدرسة.

قانون بدون منطق

ولكن تغريداته السامة لا تغير حقيقة أن داعش ما زال حي يرزق ويتحرك في سوريا والعراق. الدليل المأساوي قدمه داعش نفسه في العملية التي نفذها قبل اسبوعين قرب مدينة منبج في شمال سوريا، التي قتل فيها 4 جنود امريكيين و12 مدنيا. هذه العملية زادت حدة الانتقاد العام الذي انزلق سريعا الى اروقة الكونغرس. مشروع قرار جديد قدمه عدد من اعضاء الكونغرس يستهدف منع البنتاغون من استخدام الميزانية التي صودق عليها لسنة 2019 من اجل تمويل انسحاب عسكري يقلص عدد الجنود الامريكيين في سوريا الى ما تحت عددهم الحالي، 2000 جندي تقريبا.

مشروع القرار، الذي يسمى باسم مثير للانطباع "قانون الانسحاب المسؤول من سوريا"، صحيح أنه لم يحظ حتى الآن بمكانة قانون، لكنه يشير بصورة واضحة الى الاتجاه الذي يسعى اليه الكونغرس. حسب مشروع القانون، يمكن للبنتاغون أن يستخدم ميزانيته لغرض الانسحاب فقط بعد أن يجيب على 15 سؤال، تتضمن شرح عن قوة داعش في سوريا، والتهديد الذي يشكله وسياسة الادارة الامريكية في احباط هذا التهديد، وهل سيواصل الاكراد تشكيلهم قوة قتالية ضد داعش وما هي الضمانات التي ستحصل عليها الادارة من تركيا لحماية القوات الكردية. كل سؤال من هذه الاسئلة هو عبوة ناسفة من شأنها أن تحطم الانسحاب وليس فقط تمويله.

ولكن نفس الكونغرس الذي ينوي تأخير، وربما اماتة، الانسحاب الامريكي من سوريا، يقف الآن على عتبة المصادقة على قانون عقوبات جديدة ضد نظام الاسد، الذي منطقه غير مقنع تماما. القانون الذي يسمى "قانون قيصر للدفاع عن المواطنين السوريين" صيغ للمرة الاولى في العام 2016. وقد سمي باسم قيصر، الذي هو اسم سري لمصور سوري عمل في جهاز الشرطة السورية وفي المقابل كان نشيطا في صفوف المتمردين. "قيصر" صور في 2013 وعلى مدى سنتين آلاف الصور في منشآت الاعتقال والمستشفيات في سوريا التي اثبتت جرائم الحرب التي نفذها النظام. صور دقيقة جدا للاعضاء المهشمة، الاعضاء الجنسية التي تم التنكيل بها وجثث مهشمة لاشخاص مروا بعملية تعذيب على ايدي النظام، تم تنزيلها في حاسوب "قيصر" الشخصي الذي نجح في الهرب الى اوروبا ونشرها في ارجاء العالم.

"قيصر" يحافظ على ان يبقى مجهولا خوفا على أمنه. لكن صوره الصادمة جعلت الكونغرس الامريكي يقوم بصياغة قانون هدفه منع المذبحة في سوريا. الآن يحظى مشروع القانون هذا بحياة جديدة. وبحسبه سيفرض الرئيس عقوبات ليس فقط على نظام الاسد الذي هو اصلا موجود في ظل عقوبات في مستويات مختلفة منذ عشرات السنين، بل ايضا على كل من يساعد النظام في سوريا. من بين امور اخرى، سيتم حظر بيع قطع الغيار للطائرات العسكرية والمدنية وستحظر المشاركة في مشاريع تحت اشراف وادارة النظام السوري، وسيمنع تحويل الاموال تستهدف اعادة اعمار سوريا.

صيغة مشروع القرار تشبه بشكل كبير صيغة قانون العقوبات ضد ايران، ومعناه الفعلي هو أنه حتى شركات اوروبية أو عربية، التي سترغب في العمل في سوريا، يمكن معاقبتها من قبل الادارة الامريكية. صحيح أن ترامب نفسه اعلن قبل بضعة اسابيع أن الولايات المتحدة لن تشارك في اعادة اعمار سوريا طالما أنه لم يقم فيها نظام تمثيلي ومستقر، لكن في نفس الوقت، شكر السعودية على استعدادها للمساعدة في تكاليف الاعمار دون أن يحدد المبلغ الذي يدور الحديث عنه.

ليس واضحا ما تحاول الادارة الامريكية والكونغرس تحقيقه بواسطة قانون العقوبات هذا، خاصة عندما تواصل روسيا وايران تمويل النشاطات العسكرية للاسد وتنويان تجنيد الاموال من اجل مساعدته في اعادة اعمار دولته. هذان الزبونان لن يتأثرا ربما من هذا القانون، لكنهما ليستا الدولتان الوحيدتان اللتان ترغبا في التعاون مع نظام الاسد، منذ الآن حتى. هذا الاسبوع ناقش وزراء خارجية كل من مصر والاردن والسعودية واتحاد الامارات والبحرين وضع سياسة مشتركة لمعالجة الازمة السورية وكذلك اعادة سوريا الى الجامعة العربية.

هل ينوي الكونغرس الامريكي فرض عقوبات على الاردن أو دولة الامارات التي تخطط للاستثمار في سوريا؟ هل هدف العقوبات هو منع تحويل الاموال لصالح اللاجئين في سوريا؟ صحيح أن مشروع القرار يعفي منظمات اغاثة دولية، لكن ماذا سيكون مصير التبرعات من قبل شركات ورجال اعمال؟ "حماية المواطنين السوريين"، الامر الذي كان مطلوبا جدا في سنوات الحرب الاولى، تحول الآن الى عنوان هزلي لقانون. يبدو أن السرعة في اظهار عمل امريكي ما، بعد الانفصال العسكري والسياسي عن الساحة السورية، تولد الآن منتج تأثيره على سلوك النظام السوري مشكوك فيه، لكن ضرره على المواطنين سيكون مؤكدا.

 بالضبط لأن مشروع القانون هذا مدعوم سواء من قبل الديمقراطيين أو الجمهوريين، هو يثير التساؤل بالنسبة لمكانة ودور الولايات المتحدة في حل ازمات في الشرق الاوسط – وليس فقط فيه. إن تبخر الدولة العظمى من الساحة السورية؛ اللامبالاة، ولا نريد القول التخلي، التي تظهرها حول الحرب في اليمن؛ والصفعة التي تلقتها من ولي العهد السعودي؛ وفشل التحالف العربي الذي اقيم بمبادرة السعودية والدعم الامريكي للصراع ضد ايران؛ والتأجيل اللانهائي حول نشر خطة السلام للصراع الاسرائيلي الفلسطيني؛ وخسارة العراق لصالح ايران؛ ونزوة الانسحاب من الاتفاق النووي؛ الصدع مع تركيا وخيانة الحلفاء الاكراد في سوريا؛ ايضا تجميد المساعدات للسلطة الفلسطينية – كل ذلك يرسم صورة بائسة ومقلقة للقدرة السياسية التي تميز الحليف الاكثر اهمية بالنسبة لاسرائيل، على الاقل في سنتي ولاية ترامب.

 يمكن الاتفاق مع أو المعارضة لسياسة الانطواء على الذات لادارة ترامب، لكن هذه ليست في الحقيقة سياسة انطواء على الذات طالما أن الولايات المتحدة تعتبر نفسها ملزمة بالعمل ضد ايران، وتفكيك كوريا الشمالية لسلاحها النووي، وحل النزاع الاسرائيلي الفلسطيني، ومحاربة داعش وتغيير سلوك نظام الاسد. تحقيق هذه الطموحات لا يمكنه الاكتفاء بتصريحات أو تغريدات. هو يحتاج تدخل دبلوماسي مكثف واحيانا عسكري، واتساق في تعريف العدو والحليف وبناء شراكة استراتيجية دولية – وهو مجال فشل فيه ترامب في الساحة الاوروبية، وهو ينوي الفشل فيه في الساحة العربية اذا قررت الدول العربية اعادة سوريا الى احضانها.

 الانسحاب من سوريا شرحه ترامب بأنه لا يوجد في سوريا شيء سوى "دماء ورمال... لا يوجد فيها ثروة". هذا ليس شعر سياسي عميق، بل رؤيا تدل كما يبدو على خارطة المصالح الامريكية حسب ما يراها ترامب. المشكلة هي أن هذه الخارطة خرساء، والتناقضات فيها تنجح في تشويش حتى المصالح نفسها.

كلمات دلالية