خبر حرب غزة وحل “الدول الثلاث” ...محمد السعيد ادريس

الساعة 12:12 م|17 يناير 2009

ـ الخليج 17/1/2009

لجوء “الإسرائيليين” إلى إضفاء قدر كبير من الغموض على أهدافهم من الحرب الإجرامية ضد قطاع غزة كانت وراءه أهداف وأسباب كثيرة، يأتي في مقدمتها عدم الثقة الكاملة بقدرتهم العسكرية والسياسية على تحقيق تلك الأهداف، لذلك أخذوا بمنهج التدرج في الإفصاح عن الأهداف وفقاً لتطورات الوضع الميداني. هذه الرؤية استخلصها “الإسرائيليون” من حربهم الفاشلة على لبنان صيف 2006 حيث استبقوا النتائج هم والأمريكيون وأعلنوا أهدافاً كبيرة ومتفائلة للحرب كان أشهرها مقولة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس التي تحدثت فيها عن “ميلاد شرق أوسط جديد من مخاض تلك الحرب”. وكان الفشل “الإسرائيلي” والأمريكي في تحقيق تلك الأهداف من أهم الأسباب التي فرضت نفسها في تقييم نتائج تلك الحرب، لذلك فإنهم حريصون هذه المرة على إكساب أهدافهم قدراً أكبر من الغموض خشية المحاسبة عند الفشل في تحقيقها.

هناك سبب آخر لا يقل أهمية إن لم يكن يتفوق على السبب السابق وهو خشية “إسرائيل” من تفكك التحالف الخفي الذي نجحت في تكوينه بمشاركة أمريكية - أوروبية فهم حرصوا على جعل حركة “حماس” هدفاً للحرب وليس غيرها من منظمات المقاومة.

جعل “حماس” هدفاً للحرب كان تدبيراً ناجحاً من جانب “إسرائيل” لأن “حماس” تورطت في خلافات مع بعض الدول العربية الكبرى وانحازت في أدائها السياسي لما يسمى “محور الممانعة”، كما أنها متهمة بالإرهاب من جانب الأمريكيين والأوروبيين وبإفشال خطة اللجنة الرباعية الدولية برفضها القبول بشروط هذه اللجنة كي تدخل طرفاً في عملية التسوية، بمعنى آخر كان التركيز “الإسرائيلي” على جعل حركة “حماس” هدف الحرب تخطيطاً ناجحاً لأنه ضمن ل”الإسرائيليين” موافقة ضمنية على القيام بعملية “تأديبية” محدودة لحركة “حماس” تعود بعدها الى طاولة المفاوضات غير قادرة على التمرد وأكثر استعداداً للتعايش والتفاهم.

لكن توسيع القوات “الإسرائيلية” دائرة الحرب ودخول القوات البرية واللجوء “الإسرائيلي” الى القوة المفرطة في تدميرها ووحشيتها واستخدام أسلحة محرمة دولياً مثل الفوسفور الأبيض والاستهداف المتعمد للمدنيين وارتفاع عدد الشهداء الى أكثر من ألف شهيد وتجاوز عدد المصابين الخمسة آلاف وارتفاع نسبة الشهداء من الأطفال والنساء، كل هذا الإجرام “الإسرائيلي” كشف أكذوبة ما كان يتصوره البعض من عملية “جراحية” أو “تأديبية” محدودة ضد حركة حماس حيث تأكد الجميع أن حرب الإبادة الجماعية هذه لها أهداف أخرى خفية، الأمر الذي أوقع الجميع في مأزق، ومن هنا كان التحرك من أجل وقف سريع للحرب هدفاً جامعاً لكل الأطراف ومن بينها حركة “حماس” نفسها.

الهدف الخفي لهذه الحرب كشفه الصهيوني الوفي جداً للكيان الصهيوني جون بولتون الذي عمل مندوباً أمريكياً في الأمم المتحدة وكان ولا يزال من أهم صقور تيار المحافظين الجدد عندما دعا في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” قبل أيام وتحت عنوان “حل الدول الثلاث بديل حل الدولتين”. جوهر فكرة بولتون أنه إذا كانت فكرة “حل الدولتين” قد فشلت، وهي الفكرة التي اعتمدتها اللجنة الرباعية الدولية كأساس لتسوية “المشكلة الفلسطينية”، ووعد الرئيس الأمريكي جورج بوش بتحقيقها قبل نهاية عام ،2008 فمن الضروري البحث في بدائل أخرى للحل، وهو يرى أن تقسيماً جديداً لفلسطين سيكون حلاً أفضل عن طريق ضم أجزاء من الضفة الغربية الى الأردن، وضم قطاع غزة الى مصر، وتكون الدول الثلاث المقترحة هي “إسرائيل” والأردن ومصر. بمعنى آخر يرى بولتون أن فكرة “الوطن البديل” هي الحل الأمثل الآن لكل الإشكاليات المثارة والمسائل المختلف عليها بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”.

هنا بالتحديد يتكشف الهدف الأهم من الحرب الإجرامية على قطاع غزة، وهو إحداث فراغ استراتيجي في القطاع وإجبار الفلسطينيين على تجاوز الحدود مع مصر هرباً من جحيم النيران الفتاكة، تمهيداً لفرض أمر واقع جديد يفتح آفاق التعاطي مع حل الدول الثلاث.

الأردن يدرك خطر هذا المخطط ومن هنا كان الاستنفار المبكر ضد الحرب، لكن الإمعان “الإسرائيلي” في ممارسة حرب إبادة ضد قطاع غزة، وإصرار “الإسرائيليين” على أن تقوم مصر بحماية الحدود مع قطاع غزة بدلاً من أي قوات دولية، واتفاق الأمريكيين معهم على هذه الرؤية فضحت حقيقة المخطط ومن هنا كان الرفض المصري للفكرة، ولفكرة وضع قوات دولية على الحدود المصرية، وتبني فكرة قوات دولية داخل القطاع بهدف تأمينه من أي اعتداءات “إسرائيلية” وتأمين “إسرائيل” من أي محاولة لتهريب أسلحة الى داخل القطاع، وضمان فتح دائم للمعابر، وسرعة التوجه نحو مصالحة وطنية فلسطينية عقب انتهاء الحرب للحفاظ على وحدة الأرض والشعب وتفويت فرصة التمزيق والتقسيم الجديد.

عاموس جلعاد رئيس الدائرة السياسية في وزارة الدفاع “الإسرائيلية” الذي أوفدته حكومة الكيان إلى مصر للتفاوض حول المبادرة المصرية، استبعد فكرة القوات الدولية وقال انها “ستفتقر إلى الاستخبارات والقدرة على الوصول إلى كل المهربين الذين يقومون بالتهريب”، ورجح فكرة قيام مصر بالمهمة، بقوله “لا يوجد شك في أن مصر تمتلك جيشاً وقوات أمن رفيعة المستوى تستطيع أن تتعامل مع المظاهر غير المرغوب فيها من وجهة النظر الأمنية، ولا يستطيع أحد أن ينافس مصر في هذا المضمار”.

توريط مصر في مهمة مراقبة الحدود مقدمة لتوريطها في القطاع والدفع بحل الدول الثلاث وهذا الهدف هو واحد من أهم معالم الواقع الجديد الذي تريد “إسرائيل” أن تفرضه بحربها على غزة.