خبر « هولاكو » وجيشه مروا بـ« تل الهوى » فحروقوا أخضرها ويابسها وغيّروا معالمها المعروفة

الساعة 06:24 ص|17 يناير 2009

فلسطين اليوم : محمد البابا

بدا حي "تل الهوى" المعروف بهدوئه ورفاهيته مقارنة بغيره من أحياء غزة أشبه بلوحة مجنونة، صب فيها رصاص القاتل جنونه وهمجيته حارقاً الأخضر واليابس، ليطال حتى المشافي ومقرات الأونروا، بعد المساجد والمدارس والمنازل الآمنة.

أم محمد غراب (30 عاماً) ربة منزل من منطقة تل الهوا شمال غربي مدينة غزة تقول: إن الجيش الإسرائيلي يقوم بإحراق مدينة غزة وما فيها، المنازل والجامعات وكذلك الأشجار لم تسلم من آلة الحرب الإسرائيلية، مشيرة إلى أن الطيران الحربي قصف مستشفى القدس التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في منطقة تل الهوا وشوهدت أعمدة النار تتصاعد من المكان دون أن تتحرك إنسانيتهم.

وأبدت استغرابها مما يقوم به الجيش الإسرائيلي، مؤكدة أن مشفى القدس لا يشغله إلا المصابون من نيران الجيش الإسرائيلي، وأنه لا يحتوي على المدافع أو الصواريخ، متسائلة إن كان هذا الجيش ينوي ملاحقة المدنيين حتى في غرف علاجهم وإبادتهم، ضمن سياسة إبادة جماعية فقط.

وكانت آليات الجيش الاسرائيلي أنهكت البنية التحتية في منطقة تل الهوا، مجرفة الطرق المعبدة وأعمدة الكهرباء، حارقة المركبات والشاحنات المتواجدة في الشوارع، إضافة إلى قصف كل شقة سكنية، حتى لو كان صبي يختلس النظر من إحدى نوافذها.

واعتبرت السيدة نفسها أن استهداف الأشجار والمباني والمدنيين في مدينة غزة يدل على جنون آلة الحرب الإسرائيلية، التي أصبح قادتها يعلمون أنها تفشل في إنهاء المقاومة الفلسطينية الصامدة في القطاع.

وأشار شادي بشير (28 عاماً) الذي يقطن بالقرب من مستشفى القدس إلى أن القصف الذي تضمن قذائف فسفورية أوقع حريقا هائلا في الطوابق السبعة التي تضم مكاتب إدارة المستشفى ومسرحا وفندقا صغيرا وكافتيريا تابعة لها، مؤكدا أن الاستهداف الإسرائيلي لم يميز بين مشفى ولا فندق ولا مسجد، وأحرق كل شيء يتحرك.

وقال محمد عليان (30 عاماً): إنه بعد عشرين يوما من العدوان والمجزرة الإسرائيلية لا يزال الجيش الإسرائيلي يحرق كل ما هو جميل في المدينة دون سبب، مشيراً إلى أن غالبية الجرحى والشهداء من المدنيين والأطفال والنساء ولم تسلم من جنونهم الجامعات أو المساجد أو وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" التي تساعد المواطنين النازحين.

وأوضح الصحافي سواح أبو سيف (43 عاما) ويسكن تل الهوا أنه لم يتوقع أن يقوم الجيش الإسرائيلي بتصعيد عدوانه على قطاع غزة ليطال كل شيء في المدينة، مشيراً إلى أنه وللمرة الأولى وبشكل مفاجئ قصف الاحتلال الأبراج التي تضم مكاتب الفضائيات العالمية وسط مدينة غزة، بينما كانت وسائل الإعلام تبث المجزرة المتواصلة بحق المدنيين في أحياء المدينة.

وكانت قوات الاحتلال قصفت برج الشروق الذي يضم مكاتب وكالة "رويترز" وقنوات العربية وأبو ظبي وروسيا اليوم والتلفزيون الجزائري، وجريدتي الحياة والقدس، ووكالة شهاب ووسائل إعلامية أخرى، ما أدى إلى وقوع إصابات في صفوف الصحافيين، واندلعت ألسنة اللهب من البرج الكائن في شارع عمر المختار وسط مدينة غزة.

وأوضح الصحافي مصطفى البايض (26 عاماً) أن القصف الإسرائيلي أجبر صحافيين على إخلاء مكاتبهم الإعلامية، بينما سادت حالة من الارتباك الشديد في صفوف كافة الصحافيين الذين خرجوا إلى الشارع دون أن يعرفوا إلى أين يتوجهون في ظل القصف العشوائي.

واعتبر أن الصحافيين في قطاع غزة هم عماد الحقيقة الذي يعتمد عليه كل مواطني قطاع غزة في نشر الحقيقة للعالم، وبث ما تقوم به إسرائيل من مجازر بحق المدنيين، مشيراً إلى أنه لم ير يوماً الصحافيين مرتبكين بهذا الشكل أمام طائرات الاحتلال التي أصبحت لا ترحم إنسانا أو جماداً.

وكانت آليات الاحتلال الاسرائيلي طالت مخازن أونروا، وأحرقت كافة المساعدات الإنسانية التي وصلت مؤخراً لدعم الشعب الفلسطيني.

وأوضح الشاب وسام رباح (27 عاماً) أن ما تقوم به إسرائيل عملية حرق منظم لقطاع غزة وتهجير لمواطنيه، وتدمير كل ما هو جميل فيه، الذي بني بسواعد الفقراء، كي تكون غزة مدينة جميلة سعيدة تنعم بالأمن مثل باقي مدن العالم.

وقال بينما كان يتابع حرق مخازن الوكالة: إن قصف هذه المخازن وإحراق ما تحتويه من مساعدات غذائية للمواطنين الذين تركوا بيوتهم المدمرة يأتي ضمن سياسة تجويع يتبعها الجيش الإسرائيلي في كل حروبه، دون مراعاة إن كان هذا الجائع من الأطفال أو النساء أو الشيوخ الذين لا حول لهم ولا قوة.

وطالب رباح القادة العرب بعقد القمة العربية في غزة المحترقة، وأن يدخلوا إلى غزة مثلما فعل أعضاء البرلمان الأوروبي الذين دخلوها خلال العدوان، وكذلك رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ليروا ما أصاب غزة من دمار وتهجير وقتل للمدنيين.

وكان أكثر من مائتي عائلة نازحة من منازلها في منطقة تل الهوا لجأت إلى مقر الوكالة والمدارس بعد أن طالها القصف المتواصل الذي بدأ في الساعة الواحدة بعد منتصف ليلة أول من أمس.

وأكد الدكتور وائل قعدان مدير الخدمات الصحية في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أن أكثر من 500 فلسطيني بينهم عدد من الطواقم الأجنبية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني تواجدوا داخل المستشفى خلال الاعتداء الاسرائيلي على منطقة تل الهوا، مشيراً إلى أن الموت طال كل شيء واستهدف الإفساد والقتل والتدمير.

ورغم الحريق واستمرار القصف منعت قوات الاحتلال طواقم الإسعاف والدفاع المدني من الوصول إلى المكان لإخلاء الجرحى والمرضى والنازحين إلى المستشفى أو السماح بإخماد الحريق.

وأوضح قعدان أن إدارة المستشفى أجرت اتصالات على أعلى المستويات لوقف القصف الذي يستهدفها بالتنسيق مع الصليب الأحمر والمؤسسات الدولية، لكن لا حياة لمن تنادي، إذ إن قوات الاحتلال تضرب بعرض الحائط كافة النداءات التي تطلقها المؤسسات الإنسانية.

ووجه قعدان نداءً عاجلا لإنقاذ الموجودين في المستشفى ومن حوله وأن يتم التحرك على مستوى دولي عالمي لوقف استهداف المراكز الطبية والمؤسسات الإنسانية بقذائف مركزة.

وأكدت أن ما تم استهدافه في المشفى يضم مخازن الأدوية والوقود ومخزون الأكسجين الذي يزود غرف مرضى العناية الفائقة ومولدات الكهرباء، لافتا إلى أنه في حال وصول الحريق إليها فإن كارثة هائلة ستلحق بالمشفى.

وأوضح أحد موظفي وكالة الغوث أنه لا يوجد أي مبرر لاستهداف مخازن الوكالة، مبينا أن الهجمة الإسرائيلية تستهدف كل ما تجده وحتى المؤسسة الإنسانية والمستشفيات بغض النظر عن دورها المقتصر على إنقاذ الجرحى وإغاثة السكان وتقديم المعونات لهم.

وكان عدنان أبو حسنة الناطق الإعلامي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين قد أوضح أن القصف الإسرائيلي لمقر الوكالة في منطقة تل الهوا غرب مدينة غزة أدى إلى إصابة ثلاثة من العاملين فيها، واشتعال النيران في مخازن الدقيق التابعة لها.

وبين أبو حسنة أن مقر الوكالة في الرمال الجنوبي تعرض أول من أمس لقصف مدفعي من الدبابات الإسرائيلية، وسقطت قذيفة فسفورية في أرض المبنى، وأن هناك حرائق اشتعلت في المبنى وفي مخازن الدقيق، معبرا عن تخوفه من امتداد ألسنة النيران إلى مخازن الوقود، التي تحتوي على عشرات آلاف اللترات من الوقود، والتي توزعها الوكالة حسب الاحتياجات المحلية.

وبين أبو حسنة أن المبنى تعرض للقصف وهو يضم عشرات العاملين الدوليين ومئات الفلسطينيين العاملين في الوكالة، وهو المقر الإقليمي لعمليات الهلال في غزة، والمقر الإقليمي للوكالة في الشرق الأوسط.

وأشار إلى تعرض محيط المقر للقصف ووصول الشظايا إلى المقر، وقال: لا نعرف لماذا يتم قصف عشرات العاملين الدوليين ومئات العاملين الفلسطينيين، لا سيما وأن الوكالة قدمت لإسرائيل إحداثيات لكافة مقراتها، التي ترفرف عليها أعلام الأونروا بشكل واضح.