سيرك وطني.. معاريف

الساعة 11:13 م|16 يناير 2019

فلسطين اليوم

بقلم: زلمان شوفال

(الحقيقة العارية هي ان في اسرائيل اليوم لم يتبقَ الا اطارين يمكن ان نسميها بصدق "حزب"، من حيث وجود اساس ايديولوجي موحد على الاقل في النقاط الاساسية، اضافة الى الطريق السياسي، واحيانا الشخصي ايضا، المشترك: الليكود وميرتس).

ان السلوك الفظ لرئيس حزب العمل آفي غباي تجاه تسيبي لفني لا يمكن وصفه الا كزعرنة. كما ان خطوة بينيت وشكيد لم تكن رقيقة على نحو خاص. لفني لم تضف لنفسها النقاط، لا كسياسية ولا كحزبية، حين اعلنت بان التهديد الاساس على اسرائيل ليس ايران او غزة بل استمرار حكم نتنياهو، وينبغي الافتراض بان الجمهور سيتذكر لها هذا. وبالمناسبة، تكثر المؤشرات انه لن يمر زمن طويل حتى يري "رفاق" غباي له الباب الى الخارج.

كان يمكن التعاطي مع كل هذه الاحداث بدعابة لولا حقيقة انها تشهد على تحطم متصاعد للتعددية الاسرائيلية، وربما لمجرد النظام الديمقراطي. فالاطر الحزبية تضعف اليوم في ارجاء العالم الديمقراطي كله. فرنسا وايطاليا، وبقدر ما الولايات المتحدة ايضا، هي نماذج ملموسة على ذلك، ولكن يخيل ان اسرائيل 2019 جديرة في هذا الشأن بمكان عال في قائمة الارقام القياسية لغينيس.

لقد قال دافيد بن غوريون ذات مرة ان الشعب في اسرائيل لم يكيف لنفسه بعد مزايا الشعب السيادي. وتخوف زئيف جابوتنسكي من ان كثرة الاحزاب في الدولة التي ستقوم ستخلق وضعا لا يكون فيه الحكم ممكنا. فقد كتب يقول: "كل اسبوع يمكن ان تتشكل خلطة جديدة تسقط الحكومة لاي سبب تافه".

كلاهما تطرقا الى الطابع الانقسامي الذي جلبه الشعب معه من المنفى. لو كانا اليوم بين الاحياء، لكانا نظرا بالتأكيد بفزع كيف ان مخاوفهما التنبؤية تتحقق. فالنظام البرلماني التمثيلي يقوم على اساس الاحزاب – ليس فقط، ولكن بدونها لا يمكن – ولكن الحقيقة العارية هي ان في اسرائيل اليوم لم يتبقَ الا اطارين يمكن ان نسميها بصدق "حزب"، من حيث وجود اساس ايديولوجي موحد على الاقل في النقاط الاساسية، اضافة الى الطريق السياسي، واحيانا الشخصي ايضا، المشترك: الليكود وميرتس.

لقد كان العمل ذات مرة حركة هامة بل وفاخرة، ولكن من حيث المقاييس آنفة الذكر فان الصلة بين مباي التاريخي وحزب العمل اليوم، مصادفة ومضللة بالتأكيد. الكتل الاصولية لا تدعي حتى ان تكون احزابا ديمقراطية، اما معظم الاخرى، تلك التي ولدت قبيل الانتخابات الاخيرة وما قبل الاخيرة، او تلك التي برزت الان، فليست سوى منصات مزينة لأنا من يقف على رأسها. كل هذه القوائم هي شخصية تماما، وليس لاي منها اي نسغ سياسي او برنامجي واضح باستثناء "انتخبوني" لاني انا هكذا. وحتى في منافسة الجمال ينكشف المتنافسون او المتنافسات بقدر اكبر. في هذه اللحظة ليس واضحا بعد كم حزبا كلاسيكيا كهذه ستقف في 9 نيسان امام الناخب. يحتمل ان يكون حتى قبل ان يجف حبر هذا المقال ستبرز بضع احزاب اخرى، سواء من اليمين ام من اليسار. بكلمات اخرى، سيرك كامل – مع حيوانات مفترسة، وبالاساس مهرجين، الكثير من المهرجين.

المشكلة هي انه فضلا عن الجانب الهازيء في هذه الاحداث، يلوح الان خطر حقيقي في أن يؤدي انقسام الاصوات الى انه مثلما في السويد بعد الانتخابات الاخيرة لا يكون اي طرف في الخريطة السياسية على قدر من الحجم بحيث يتمكن من تشكيل حكومة وكنتيجة لذلك سنضطر مرة اخرى الى التوجه الى الانتخابات بعد بضعة اشهر. في وضع آخر يمكن وربما ينبغي أن تقام حكومة وحدة وطنية، ولكن الشروخات الحالية لا تسمح بذلك. ان الرسالة لليمين وللوسط – اليمين في هذا الوضع هي ان كل صوت يعطى لتلك الاحزاب الوهمية، التي في معظمها من شبه المؤكد لن تجتاز نسبة الحسم، ستمس بفرص الليكود برئاسة نتنياهو لمواصلة ادارة سياسة الخارجية والامن المثبتة لاسرائيل، وهذا بالضبط في فترة تكثر فيها التحديات من هذه الناحية.

الرسالة لاولئك الذين في اليسار وفي الوسط – اليسار هي انه اذا كنتم تريدون ان تكونوا ذوي صلة في المستقبل الابعد على الاقل، فابدأوا في فهم الشعب.