يجب على اسرائيل فحص انسحاب أحادي الجانب من الضفة الغربية- هارتس

الساعة 03:12 م|07 يناير 2019

فلسطين اليوم

بقلم: ميخال ملشتاين

 "لقد مرت علينا فترات أصعب من هذه، لكن لم يكن لدينا فترات كئيبة اكثر من هذه"، هذا ما قاله على مسامعي صديق من غزة عندما طلبت منه قبل بضعة اسابيع وصف كيف يحلل وضع الفلسطينيين الآن. "لقد شهدنا مواجهات مريرة في الداخل، ضربات قاسية من قبل اسرائيل، خيانة من جانب العالم العربي والتخلي عنا من قبل المجتمع الدولي"، قال. "ولكن لم يمر علينا وقت كهذا، حيث لا يظهر فيه أي بصيص أمل في الأفق". اجل، الفلسطينيون يجدون انفسهم في السنوات الاخيرة في ازمة شديدة متعددة الابعاد: العملية السياسية غارقة في ازمة عميقة وحلم الدولتين يبتعد وحتى أنه يتلاشى بالتدريج، الانقسام الداخلي بين الضفة وغزة يتعمق، الجمهور الفلسطيني يشعر بعدم الثقة واحيانا بالاغتراب تجاه قيادته، في الساحة الدولية الموضوع الفلسطيني يفقد مكانته الرئيسية، ومع الادارة الامريكية حدث شرخ غير مسبوق.

 اذا لم يكن هذا كافيا. ففي السنوات الاخيرة حدثت هزة في الحقائق التي على اساسها ادار الفلسطينيون النزاع خلال عشرات السنين، وكانت في نظرهم مصدر الشرعية والتفاؤل. جزء من العالم العربي يشجع تطبيع محسوب مع اسرائيل، حتى بدون تسوية بينها وبين الفلسطينيين. الولايات المتحدة اتخذت خطوة دراماتيكية بشأن القدس، حتى بدون أن يتم التوصل الى تسوية دائمة؛ وقدس الاقداس بالنسبة للفلسطينيين – قضية اللاجئين – تتعرض لتهديد على شكل تقليص المساعدات الامريكية للاونروا وتغيير الاعتراف بمكانة اللاجئين.

بالاستعارة من مفهوم "دولة فاشلة"، لن يكون مبالغا فيه اعتبار الفلسطينيين اليوم "قومية فاشلة".

 ولكن الازمة العميقة في الطرف الفلسطيني لا تبشر بالخير لاسرائيل، بل العكس، التوتر بين اليأس العميق من الوضع وبين عدم الرغبة في أن يصل الى المصير الذي تدهورت اليه الدول العربية في فترة "الربيع العربي"، ازاء الاهمية التي يعطونها لنسيج الحياة المستقر في الضفة الغربية، فان جزء يزداد تعاظما من الجمهور الفلسطيني بدأ – من خلال اعتبارات عملية بدون تحمس – يظهر الاهتمام بفكرة الدولة الواحدة. أي، كيان واحد، يمتد من النهر وحتى البحر، يعيش فيه الشعبين معا.

 حسب رأيهم، هذا السيناريو لن يكون مقترنا باقامة دولة مستقلة على المدى المنظور، لكن سيتم في اطاره ضمان الاستقرار الاقتصادي. هذا السيناريو يجسد امكانية كامنة لانقلاب استراتيجي في المستقبل، أي، وضع يكون فيه للفلسطينيين هيمنة.

 اسرائيل تدرك جيدا هشاشة النظام الفلسطيني، وبالاساس احتمال أن تطورات داخلية فيه ستنعكس سلبا وبسرعة على الساحة الاسرائيلية. الخوف الرئيسي في اسرائيل هو من تهديدات خطيرة مثل مواجهة عنيفة، انتفاضة ثالثة، أو تفكك سريع للسلطة الفلسطينية يرافقه فوضى وارهاب.

لكن ربما أن التهديد الحقيقي ليس بالضرورة "انفجار" في الضفة الغربية، الذي يحذرون منه في اسرائيل منذ بضع سنوات ولم يتحقق. ربما أن التهديد من ناحية اسرائيل يتجسد في الهدوء المستمر، اليومي، لتجسد الواقع الجديد وغير المعترف به للدولة الواحدة، ذلك الذي في مركزه اندماج سكاني وجغرافي وديمغرافي متزايد بين الشعبين في الضفة الغربية.

هذا هدوء مخادع، يخلق وهم من امكانية مواصلة النظام الحالي لفترة طويلة، على اساس الحفاظ على الاستقرار المادي. نهاية هذا الهدوء الذي سيجعل الشعبين في السنوات القادمة يواجهان واقع معقد، الذي تم تخيله بصورة عامة، لكن لم يتوقعاه بصورته المفصلة والملموسة. هذا الوضع سيغير الشروط الاستراتيجية الاساسية لدولة اسرائيل ويجبرها على اجراء نقاش عميق حول طبيعتها ومستقبلها كدولة يهودية وديمقراطية.

 استنتاج كهذا يفرض تفكير معمق بخصوص البدائل الاستراتيجية التي تقف امام دولة اسرائيل في السياق الفلسطيني بشكل عام والضفة الغربية بشكل خاص. من جهة، ستكون هناك صعوبة في الحفاظ على الواقع الحالي في الضفة لفترة طويلة. ويتوقع كما يبدو أن يتطور ازاء التغييرات في النظام الفلسطيني (مثلا، تداعيات اليوم التالي لـ "محمود عباس") أو في اسرائيل (مثلا، تأثير الازمات الاقتصادية فيها على الاقتصاد الفلسطيني). من جهة اخرى، بديل اقامة دولة فلسطينية مستقلة استنادا الى اتفاق مع اسرائيل، الذي كان في الماضي هو البديل المفضل من ناحية الطرفين – يبدو على الاقل في هذه المرحلة ذا احتمال ضعيف.

 على هذه الخلفية يوصى بفحص بديل الانسحاب أحادي الجانب من قبل اسرائيل من الضفة الغربية طبقا للحدود التي تحددها اسرائيل. من المفضل أن تنفذ هذه الخطوة بتنسيق وموافقة الطرف الفلسطيني، ولكن اذا لم يتحقق ذلك فان من الضروري تنفيذها حتى بشكل أحادي الجانب. هذه الخطوة يتوقع بالطبع أن تكون مليئة بالتحديات والتهديدات الكثيرة بالنسبة لاسرائيل، لكن سيتجسد فيها انجاز استراتيجي له مغزى هام جدا وهو منع الانزلاق الى سيناريو الدولة الواحدة.

 

كلمات دلالية