الادارة المدنية تقسم قسائم للفلسطينيين، خلافا لتقاليد الملكية وفلاحة الأرض.. هآرتس

الساعة 05:37 م|04 يناير 2019

فلسطين اليوم

بقلم: عميره هاس

(كيف يحدث أن قطعة ارض زراعية كبيرة تحولت فجأة الى قطعة صغيرة؟ الاجابة بسيطة اذا استخدمنا الآلة الحاسبة للحاكم العسكري في الضفة الغربية).

حديقة ساحرة تنمو على سطح البيت القديم لعائلة هرشه، في قلب قرية قفين: في دواليب كبيرة ودلاء مليئة بالتراب المخصب، تزرع فهيمة الملفوف والنعناع والفاصولياء والبقدونس والخس. أيضا في أوعية مختلفة زرعت الزهور من أجل أن تسعد بألوانها. كما أن الدرج والمدخل مليئان بالأواني الخضراء: "منذ منعونا من الوصول الى ارضنا هي تستثمر كل جهدها في الحديقة على السطح" قال زوجها جهاد.

لقد قصد العام 2002 عندما بدأوا في بناء جدار الفصل الذي هو مثل اسمه: يفصل الفلسطينيين عن اراضيهم. "ما الذي لم نزرعه في ارضنا"، قالت فهيمة والسرور يغمر وجهها، "السمسم، الذرة، البقدونس بين اشجار الزيتون، البطيخ والشمام والخيار". الآن كل ذلك أصبح من الماضي لأن هذه زراعة بحاجة الى التواجد والاهتمام اليومي. في حين أن بوابات الدخول في جدار الفصل في قفين مفتوحة لثلاثة ايام في الاسبوع. هكذا بقيت لنا فقط اشجار الزيتون وما تعطينا إياه من الزيت والزيتون. خلال هذه السنين حصل جهاز وفهيمة على تصاريح من الادارة المدنية للدخول الى ارضهم. في الاصل كانت الارض مسجلة باسم الجد، وبعد موته في 1979 اتفقوا في العائلة على أن والد جهاد واعمامه يحصلون على القسيمة المتحدث عنها. وبعد موت الأب نفسه في 1987، انتقلت الارض الى جهاد وزوجته وأبناء العم. وبعد اقامة جدار الفصل طلبوا وحصلوا على تصاريح دخول الى ارضهم من ادارة التنسيق والارتباط الخاضعة للادارة المدنية (الخاضعة لوحدة منسق اعمال الحكومة في المناطق في وزارة الدفاع).

لسبب ما فان سريان مفعول التصريح الاخير لجهاد هرشه كان لسنة وليس لسنتين، وهو ينتهي في تشرين الاول 2017. كذلك، وبصورة غريبة، كان تصريح من نوع "عمالة زراعية"، الذي يعطى للعاملين في الارض وليس "تصريح زراعي" والذي يعطى لاصحاب الارض.

الخرائط تغيرت

منذ انتهى مفعول التصريح، طلبات هرشه لتجديده قوبلت بجدار منيع: إما رفضها بدون مبرر أو لم تتم الاجابة عليها. وهرشه لم يفهم ماذا يحدث. في نهاية 2017 حصلوا على تصريح "دخول لاغراض شخصية" الى منطقة التماس، وشاهدوا ما الذي يحدث للارض عندما لا يوجد من يهتم بها. "الاعشاب في الارض بين الاشجار، زادت واصبحت مثل الحرش"، قالت فهيمة.

في حزيران 2018 رفضت ادارة التنسيق والارتباط طلب جهاد وفهيمة الاخير للحصول على تصريح بذريعة أن "الارض غير موجودة في منطقة التماس. ماذا جرى؟ فجأة الخرائط تبدلت؟ الارض تحركت من مكانها وانتقلت الى الجانب الآخر؟ الزوجان ليسا وحدهما. 72 في المئة من طلبات الحصول على التصاريح الزراعية في 2018 رفضت، حسب معطيات الادارة المدنية. الزوجان استنتجا أنه لا يمكنهما مواجهة ذلك وحدهما مع بيروقراطية الجدار. فتوجها الى جمعية "موكيد" للدفاع عن الفرد، التي بدأت طواقمها بعدة مراسلات واتصالات هاتفية مع ادارة التنسيق والارتباط.

طاقم موكيد الخبير في تعليمات مجموعة الأوامر لمنسق اعمال الحكومة في المناطق لشؤون منطقة التماس، يعرف ما لا يعرفه الزوجان هرشه، وهو أن لهما الحق في الحصول على توضيح والتحقيق، وبعد ذلك الحق في الاستئناف. هذا عندما يكون الرفض ليس لاسباب امنية، بل بسبب "المعايير" (المعايير التي وضعها منسق اعمال الحكومة في المناطق للدخول الى الارض).

لقد تم تقديم طلبات للتوضيح والتحقيق – بكل تعريفاتها ومراحلها البيروقراطية المرهقة – وهذه لم تتم الاجابة عليها أو اجيب عليها بتأخير كبير. الى أن اجابت نائبة قائد الممثلية في مكتب ادارة التنسيق والارتباط في طولكرم بما يلي: "المذكور اعلان رفض بعد فحص عميق لطلبه وتبين أنه لا يستحق تصريح لأنه لا يفي بالمطلوب (القطعة مساحتها صغيرة، 157 متر مربع)"."كيف تقلصت الارض فجأة"، سألت فهيمة وابتسمت. ظهرها وأيديها تذكر جيدا أن الارض التي فلحوها دائما كانت غير صغيرة. الارض تقلصت. لأن هذا ما تذكره كراسة التعليمات: الادارة المدنية التي تنفذ سياسة الحكومة في المناطق تسحب كل تقاليد الملكية والفلاحة الجماعية للفلسطينيين، وتجزيء قسائمهم حسب الحصة النسبية في اراضي العائلة لكل طالب تصريح. هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى، قرر خبراء الزراعة في الادارة المدنية بأن القسائم الاقل من 330 متر لا تستحق الفلاحة.

وجاء في الكراسة ايضا: هناك أمر يقول إن "مساحة الارض هي حاصل ضرب المساحة الكلية لقطعة الارض بنسبة الملكية النسبية لطالب التصريح". أمر آخر يقول إن "ليس هناك حاجة للزراعة عندما تكون مساحة الارض التي يريد الشخص من اجلها التصريح صغيرة لا تزيد عن 330 متر مربع. ولكن في حالات استثنائية ولذرائع يتم تسجيلها، يحق لرئيس ادارة التنسيق والارتباط اعطاء تصريح زراعي لقطعة ارض مساحتها صغيرة". أي أنه لا يتم اعطاء تصريح لـ "عمالة زراعية"، مثلا لاولاد طالب التصريح الاستثنائي أو لزوجته.

من اجل الحصول على تصريح للعودة لفلاحة الارض، التمس جهاد هرشه للمحكمة اللوائية للشؤون الادارية بواسطة موكيد. والى حين اجراء النقاش القانوني في شهر شباط، هو وزوجته سيتخيلان الاكمة من الاعشاب البرية التي نمت على ارضهم على بعد 3 كم عن البيت. لقد سبق الحديث مع جهاد وفهيمة، لقاء مع ابراهيم عمار. بيته خارج مركز القرية، وحول البيت توجد قطعة ارض صغيرة، ربما 150 متر مربع، وربما 130 متر مربع، وهي تدل على أنه حتى قطعة صغيرة يمكن أن ينمو فيها كل شيء عندما يتم الاعتناء بمزروعاتها كما يجب. القليل من كل شيء جيد: جوز البيكان وموز ينمو في طرف من اطراف القطعة الصغيرة، وكذلك الافوكادو الناضج، حاول اقناعنا بأخذه. الاعشاب الضارة التي نمت على ارتفاع قامة الانسان، اشار بيده. "ذات مرة اجابوني في مكتب الارتباط والتنسيق بأن لدي فقط 60 متر مربع"، قال بصوت عال وهو غاضب وحزين، وهو يسترجع العقبات التي واجهته منذ العام 2002، بما فيها مناكفات مع ضباط الادارة المدنية ومع جنود يفتحون ويغلقون البوابات. في ايلول 2017 عندما لم يكن معه تصريح منذ اربعة اشهر، اجابه ضابط شكاوى الجمهور في الادارة المدتنية، هو وابنه، بأن طلبهما رفض لأن ارضهم لا توجد في منطقة التماس.

هذا الفيلم شاهداه من قبل. ففي 2011 و2013 طرحت الادارة المدنية ادعاء أن ارضهم لا توجد في منطقة التماس. وعندها قدمت موكيد التماس للمحكمة العليا باسمهم. في اعقاب الالتماس تجول موظفو الادارة المدنية في قطعة الارض التي تقع في قفين، وقاسوا وفحصوا وصادقوا على أنها توجد في نفس المكان الذي وجدت فيه دائما، قبل اقامة جدار الفصل. التصاريح اعطيت له ولابنه والالتماسات تم الغاءها. وها هي تمر بضع سنوات والقصة تبدأ مجددا، وكأنه لا توجد حواسيب في العالم تتذكر كل التفاصيل. ما قبل الالتماس للمحكمة العليا الذي قدمته موكيد، اتاح هذا التشابك اعطاء التصاريح لسنتين للأب وإبنه.

مثل الزوجان هرشه، وبسبب البوابة المفتوحة لثلاثة ايام في الاسبوع فقط، ايضا عمار تنازل عن المزروعات التي تحتاج الى عناية دائمة مثل الخضروات، ايضا حسب رأيه يبرز الحزن على الايام التي زرع فيها البطيخ والسمسم في الارض بين اشجار الزيتون واللوز. عمار وهرشه في الستينات من اعمارهما، هما ليسا بحاجة الى تصاريح دخول شخصية الى اسرائيل، ويمكنهما الدخول اليها عبر المعابر الخاصة بالفلسطينيين، مثل المعبر الواقع بين الطيبة وطولكرم.

ولكن محظور عليهما التمتع بحرية الحركة التي يمنحهم إياها عمرهما من اجل الوصول الى ارض عائلاتهم الخاصة واراضي قريتهم، التي سجنت بين جدار الفصل والخط الاخضر. الدخول بدون تصريح عسكري الى منطقة التماس، أي الى اراضيهم، مسموح فقط للاسرائيليين والسياح.

من سطح بيت هرشه وسطح بيت عمار تظهر مستوطنة حريش، أم القطف، كيبوتس نيتسر وكفار ميسر. "حريش بنيت على اراضي كانت لنا قبل العام 1948"، قال عمار، "اسمحوا لي فقط بمواصلة فلاحة الارض التي بقيت لنا".

كلمات دلالية