في ذكرى ميلاد الدكتور رمضان عبد الله شلح

وفاء للدكتور رمضان شلح من سيطفئ شمعة الميلاد؟؟

الساعة 01:35 م|03 يناير 2019

فلسطين اليوم

في ذكرى ميلاد الدكتور رمضان عبد الله شلح

وفاء للدكتور رمضان شلح من سيطفئ شمعة الميلاد؟؟

بقلم: طائر النورس

في مثل هذا اليوم  1_1_1958م وقبل ستة عقود، يعانقها عامٌ جديد؛ كانت تلك الغرفة الصغيرة في ليل الشتاء القارس، وفي حي الشجاعة تشهد انبلاج الفجر، إيذانًا بميلاد فارسٍ يملأ البيت عبقه، وتعلو هامته هالة مضاءة، جاءت من صلاة الفجر لأبيه، في حضرة الملائكة المقربين في بيوت الله في الأرض، ومن دعاء أمه التي ما انقطع عن لسانها حتى لحظة الرحيل.

قبل واحدٍ وستون عامًا كانت زهرة الياسمين تفوح عطرًا في حي الشجاعية، لتعلن عن ميلاد أبي عبدالله (رمضان) فارس يومه ومقداد زمانه.

تكبر فيك الطفولة سيدي، تصبح غضًا طريًا، ثم يشتد عودك، وتحضر الحروب كلها من النكبة الثانية وسقوط القدس مرورًا بكل الهزائم العربية، تشاهد بشاعة العدو وهو يوزّع الموت، وينشر الخراب في كل نواحي الوطن والجوار.

يشتد عودك سيدي، فتخطو في الحياة بخطوات ثابتة، تحمل مع أبيك ألم الحياة ووجع السنين، تكابد منذ الطفولة، البحث عن حياة كريمة خالية من دنس الاحتلال ورائحة اللصوص.

تكبر الحياة فيك سيدي، فتصبح فتىً يافعًا قويَا مفتول العضلات، تنتزع لقمة العيش من عرق الجبين، وأنت تترك اسمك في كل مكان تعمل فيه في أرضنا المحتلة على ثقة بالعودة إليه من جديد.

تُكمل عقدك الثاني لتبدأ حياة جديدة، وأنت تهمس لأصابع يديك التي أدماها التعب ونزف الدم منها، لقد آن لكِ أيتها اليد أن تخطي حياةً جديدة، وتكتبي قصيدة مختلفة عن الحياة وعن المستقبل وعن الآخرة.

سيدي أبا عبد الله..

تخرج في سبعينات القرن الماضي مودعًا غزة والشجاعية، متوجهًا إلى قاهرة المعز إلى الزقازيق، حيث ميلاد القلب من جديد، وانبعاث أسامه بن زيد من روحك لترسم مع رفيق العمر وزهرة الجهاد -أبي ابراهيم-، حدود الوطن وذاكرة فلسطين.

من هناك؛ بين دفتي القرآن الكريم، وكراريس الشعر الجميلة، قرأتم سورة النسف على رأس الوثن، وحفرتم في قلب الأمة أن يثرب التي حملت في رحمها خير خلق الله لن تؤجر قرانها ليهود خيبر.

من هناك بدأت الحكاية، وبدأت سيمفونية النشيد الجديد، كنتم قلةً تخافون أن يتخطفكم الناس، ولكن الله الذي ألقى عليكم محبة منه وصنعكم على عينه منذ لحظة الميلاد في الشجاعة كان قد آواكم، وأذهب عنكم الرجس، لتكونوا شعلة النار التي يصلى بها العدو، وجذوة النور من حِراء إلى صخرة المعراج في باحة القدس.

 

سيدي أبا عبد الله..

القادم من قاهرة المعز، يفوح منك عطر صلاح الدين العائد إلى الشجاعية، بعد إتمام المخاض في حواري الزقازيق وشوارعها، تعود إلى شجاعة أبيك، شجاعية جدك، وجد أبيك، شجاع الدين التركي، لتبدأ مرحلة النمو والتبشير بأن خيبر هذه أضعف من بيت العنكبوت.

فكنّا نراك في باحة القدس، في ليلة القدر من كل عام، تصدح بصوتك ومعك آلاف الحناجر: (خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد بدأ يعود)

كنّا نراك في باحات المساجد، في صلوات الفجريات، والناس لا تغلق عيونهم وهم ينظرون إليك بشغف وشوق وحب، وأنت تتلو عليهم آيات القرآن المبين، ووعد الله بالنصر والتمكين، فتعرفك كل المساجد، كل الحواري، كل الشوارع، كل الناس أصبحوا يغنّوا باسمك الممنوع في كل العواصم، فأنت من فلسطين، وفلسطين منك يا أبا عبد الله.

تعرفك حلقات الدرس، وصلاة العيد في العراء، تعرفك الأمهات المناضلات، تعرفك الرؤوس الشامخات، يعرفك أحرار السجون، يعرفك القائمون الزاهدون، يعرفك الراكعون الساجدون، يعرفك الأبطال الثابتون، تعرفك ساحة الشجاعية، وهي تشهد معركة البدء في تشرين الانتفاضة، يعرفك زهدي قريقع وأحمد حلس ورفاقهم، في أول اشتباك يصدح فيه القرآن من بنادقهم، فتولد انتفاضة الحجارة المباركة كشاهدٍ على استمرار الحكاية وميلاد فجر جديد.

فتصبح بشريات الزقازيق وقصائد الشعر واقعًا حيًا على الأرض يسقيه دم الأبطال، فيزهر مشروعًا كبيرًا، غزة البداية، ووعد الآخرة في القدس، وإساءة وجه بني يهود هو النهاية.

وتمضي رحلة الدم الذي هزم السيف، فترحل زهرة الجهاد إلى جنة الفردوس، ويغادرك أبا ابراهيم تاركًا حملًا ثقيلًا كبيرًا، لا أظنك إلا كنت على قدره يا أبا عبدالله.

مرحلة جديدة قد بدأت، وقد كنتَ غادرتَ الوطن قسرًا وقهرًا، فأنت الحاضر الذي لم يغب، فروحك تطل على المجاهدين في صلواتهم، وفي رصاص بنادقهم، يواصلون بك ومعك، الحفاظ على ميراث النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأبي عبيدة بن الجراح، وابن الوليد، وطارق بن زياد، والعز بن عبد السلام، وعز الدين القسام، وكل الذين جاءوا في عبق التاريخ يحملون راية الحق في وجه الباطل.

تكبر الحقيقة يا أبا عبدالله ويصبح هذا الجهاد في كل بيت، وتصبح فلسطين حاضرة في كل حروف اللغات على اختلافها، من طنجا إلى جاكارتا، ومن المحيط إلى الخليج.

لم تعد البذرة بذرة، ولم يعد المولود رضيعا، بل أصبح قويًا يصفع هذا العدو المجرم في عمق أرضنا المحتلة، فجاءت مواكب الشهداء في سرايا القدس كأجمل ثمرة لهذا البناء الكبير الذي أبدعته يداك.

ويطاردك القتلة في كل العواصم من جديد، ورأسك المطلوب يصبح تاج القائمة عند السماسرة وتجّار الحروب، فيشتد الخطب وتكبر المحنة.

يبحثون عنك في كراريس الأطفال، يفتشون عنك في صرخات الحرائر، في جوع اليتامى، في أنّات المعذبين، في شوارع القدس القديمة، في مرج بن عامر، في باجس الفدائي، في يافا وبرتقالها، في حيفا وشواطئها، في كل شبرٍ من هذا الوطن يبحثون عنك، فاسمك كابوس يطاردهم، وقبضاتك فيها الموت يفاجئهم، فيخرجوا من غزة، ويتركوا خلفهم بقرتهم المقدسة نتساريم، يرفع فيها العاشقون رايات الحرية والجهاد.

أبا عبدالله.. سيدي.. يا عطر الزمان، وعبق المكان..

قبل عقد من الزمان، أخذ العدو شكلًا جديدًا في البحث عن رأسك، فكانت الحروب المتكررة وأنت في كل معركة تخوضها مع هذا العدو، كنت تخرج أكثر صلابة، وأكثر إيمانًا باقتراب وعد الله، فتلاحقهم في عاصمتهم المزعومة، لتكون أول من يدكّها بصواريخ الجهاد من غزة البطلة، لتعلن أنت وعلى الملأ، أن مرحلة جديدة من الصراع قد بدأت، تسقط فيها كل الوجوه الكالحة، وتذهب في الوحل كل البطولات الزائف

كلمات دلالية