نتنياهو يقاتل طواحين الهواء في سوريا

الساعة 09:07 ص|03 يناير 2019

بقلم

قرّرت أحزاب ائتلاف الحكومة الإسرائيلية حلّ الكنيست "البرلمان في إسرائيل"، والذهاب إلى انتخابات جديدة مع بداية شهر نيسان المُقبِل، وبذلك انطلقت المعركة الانتخابية داخل الحَلَبة السياسية الإسرائيلية، وفي الحملات الانتخابية لا حدود للصِراع سواء بين الأحزاب بعضها البعض، أو داخل الحزب الواحد عند اختيار مرشّحيه بما يُسمّى "بالبرايمرز".

يدخل رئيس الوزراء الصهيوني "بنيامين نتنياهو" هذه الحملة الانتخابية بالذات ووضعه مختلف عن باقي الحملات الثلاث السابقة، هذه المرة الأولى التي تمنحه استطلاعات الرأي العام تقدّماً، وبفارِقٍ كبيرٍ سواء لمصلحة حزب الليكود تحت قيادته، أو على صعيد الرجل الأنسب لتولّي رئاسة الوزراء، بمعنى ليس من مصلحة نتنياهو السعي وراء إحداث تغييرات جذرية بالمشهد السياسي والأمني سواء على الجبهة الفلسطينية أو حتى على الجبهة الشمالية ، حيث أن استمرار هذه الظروف ومَنْع خصومه السياسيين من إحداث تغيّرات جذرية تؤثّر سلباً على هذا التقدّم في الاستطلاعات ستكون أساس خطّة حملته الانتخابية، نتنياهو الذي بنى استراتيجيته الانتخابية في الحملات الانتخابية السابقة على قاعدة أنه يمثّل دور الضحيّة المُلاحَقة دائماً من اليسار الصهيوني، ومن الإعلام الإسرائيلي،

أو من كليهما، لذا يتوجّب على كل اليمين الصهيوني بأطيافه الرافِض لإقامة دولة فلسطينية على أية بقعة جغرافية بين النهر والبحر ، والمُنادي بضمّ الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية تحت شعار "أرض إسرائيل الكاملة" أن يتكاتف لسدّ الهوّة ما بين خصوم نتنياهو المُتقدّمين عليه في الاستطلاعات قبل فوات الأوان، وإلا سيسقط  خيار اليمين الوحيد في البقاء في الحُكم،  لذا خطّة نتنياهو الانتخابية لن تُبنى على الهجوم، وبناء على ذلك يمكن فَهْم سلوك نتنياهو الأمني والسياسي في المرحلة المُقبلة، خاصة في حال عدم حدوث تطوّرات دراماتيكية في قرارات المستشار القانوني للحكومة "أفيخاي مندلبت" في قضايا الفساد الموجّهة ضدّ نتنياهو.

بناء على ما سبق، يمكن قراءة القصف الإسرائيلي على سوريا بعد الإعلان عن الذهاب إلى انتخابات مُبكرة يأتي في سياق:

أولاً محاولة تسويق نتنياهو نفسه أنه مازال سيّد الأمن الصهيوني، خاصة بعد ضمّ وزارة الحرب لمناصبه الوزارية الأخرى ، حيث خلال شهر من عُمر تولّيه منصب وزير الحرب أعلن عن عملية "درع الشمال" من أجل مُحاربة أنفاق حزب الله اللبناني، ومن ثم يستأنف الطيران الإسرائيلي القصف على الأراضي السورية من بعد توقّف منذ حادثة إسقاط الطائرة الروسية في السماء السورية ، هذا الزُخم العسكري العمَلاني، رسالة من نتنياهو إلى الناخِب الصهيوني أن قبول الحكومة بقيادة نتنياهو لوقف إطلاق النار بعد التصعيد الأخير على ساحة غزَّة لم يكن نابِعاً من الهزيمة أو من تآكل قوّة الردع الصهيونية، كما اتّهمه بذلك وزير الحرب المُستقيل "أفيغدور ليبرمان"، بل نابع من الحاجة إلى تركيز الجهود صوب الجبهة الشمالية الأكثر خطورة استراتيجياً على دولة الكيان ، وبذلك يقطع الطريق على المُزايدين عليه، سواء من شركائه في الائتلاف الحكومي من اليمين الصهيوني، أمثال زعيم حزب "البيت اليهودي"  "نفتالي بينت" ، أو حتى من المعارضة كـ"تسيفي ليفني" من "المُعسكر الصهيوني"، أضف إلى ذلك أن أهمّ مُنافسيه المُستقبليين  في الانتخابات المُقبلة رئيس الأركان السابق "بني جانتس" القادم للسياسة بقوّة الأمن كبديلٍ عن نتنياهو.

ثانياً نتنياهو يحاول التغطية على فشله في إقناع الرئيس الأميركي ترامب بالعدول عن قرار الانسحاب من  قاعدة "التنف العسكرية" شرق سوريا ، خاصة أن التقارير الصحفية الإسرائيلية تؤكّد أن قرار ترامب بالانسحاب لم يكن بالتشاور مع نتنياهو ، وبذلك الإشارات التي كان يحاول بثّها نتنياهو دائماً للمواطن الصهيوني أن بقدرته  تحريك رئيس أكبر دولة في العالم، وأهم حليف استراتيجي "لإسرائيل"  كيفما يشاء ، كما فعل في موضوع انسحاب ترامب من اتفاق الـ"5+1" مع إيران ، ناهيك عن قرار ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس.

تقاطعت مصلحة كل من نتنياهو والمؤسّسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية  في إظهار أن الجيش الإسرائيلي قادر على حماية مصالح دولته في سوريا من خلال قواه الذاتية، الأمر الذي صرّح به رئيس أركان جيش الاحتلال "جادي أيزنكوت" في ندوة عقدها مركز هرتسيليا بعد إعلان ترامب عن سحب قوّاته من سوريا.

ثالثاً من الواضح أن استراتيجية نتنياهو في حملته الانتخابية القادمة ستعتمد على محورين أساسيين، الأول، السياسة الخارجية، وخاصة التطبيع مع محور الصهاينة العرب، والانفتاح على أفريقيا، وإعادة العلاقات مع دول أميركا الجنوبية وفي مقدّمها البرازيل بعد فترة طويلة من شبه القطيعة بينهما، والثاني، الموضوع الأمني تحديداً في اتجاه الحرب ضدّ محور المقاومة بقيادة إيران حيث نتنياهو لا يمتلك أية أجندة اجتماعية، أو حتى اقتصادية يُمكن أن يُقنِع بها الناخبين في ظلّ مُلاحقاته في تِهَم الفساد والرشوة ، لذا من مصلحته صَرْف أنظار الناخبين عن تلك المواضيع، ولن يجد أفضل من عقدة الخوف من إيران لدى الصهاينة.

نتنياهو الذي يخوض معركة البقاء في المشهد السياسي الإسرائيلي، يُدرِك تماماً أن سوريا التي هزمت المؤامرة الكونية ضدّها، وصنعت المُعجزة لن يتمكّن من تحقيق أيّ إنجاز عسكري على جبهتها، وأن المُتبقّي له محاولات تسويق وَهْم محاربة التمركز الإيراني على أرضها، لذا نتنياهو يُقاتِل طواحين الهواء في سوريا، لأن هدفه  الحقيقي صورة القتال وليس الانتصار.

 

كاتب فلسطيني مختص بالشأن الإسرائيلي