خبر أحداث غزة وإعادة تشكيل الواقع الإقليمي.. خالد إرشيد مرشود

الساعة 02:29 م|15 يناير 2009

ـ الجزيرة نت 15/1/2009

 تتوالى أحداث غزة بما تحمله من قتل سافر بدون رحمة ولا هوادة ولا خوف ولا وجل، واحتقاراً لكل المواثيق الدولية والقيم الإنسانية ونقضاً للاتفاقات الدولية التي كانت لوقت قريب مصدر أمل لحياة أفضل للأجيال القادمة، بغض النظر عن العرق والجنس واللون.

ولكن الحقد الإسرائيلي دمر كل ذلك وأطفأ كل نور وأيقظ كل حالم ووضع أيدينا على الحقيقة، وهي أن القضية الفلسطينية ستأخذ منحى جديداً، وأن مبدأ الدولتين غير موجود، وأن القوى الإقليمية في حالة تحوّل، فقوانين اللعبة تغيرت مع ظهور لاعبين جدد وانعطاف مراكز القوى.

إن حماس ومما لا شك فيه كانت في بداية ظهورها عاملاً إيجابياً في السياسة الإسرائيلية لتحقيق مصلحة ملحّة تكمن في إضعاف تأثير منظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات بالذات، ولتكون مصدر عدم استقرار في الارتباط ما بين قطاع غزة والضفة الغربية.

وهذا ما حدث ويحدث حالياً. وما العمليات الإسرائيلية ضد قطاع غزة إلا مرحلة في مخطط وأد أمل الدولة الفلسطينية ضمن اتفاقات إقليمية ودولية تبدأ بمهمة أممية لنشر مراقبين دوليين تكون من مهامهم مراقبة الحدود ما بين مصر وغزة ويتواجدون على الأراضي المصرية، لتحمل مصر تبعات أي خرق للحدود سواء فوق الأرض أو تحتها، ولتقود لاحقاً لضم قطاع غزة لمصر وتجيير تعقيداته بما يحمله التيار الإسلامي المتمثل بحماس المنزوعة القوة والإرادة بعد هذه العمليات العسكرية الموغلة بالوحشية، وضم ما تبقى من الضفة الغربية للأردن ليكون وطناً بديلاً للشعب الفلسطيني في الشتات، وإضافة عبئها البشري والأمني على الأردن لخلق حالة من عدم التوازن البشري، والذي سيقود إلى حالة من الصراع على السلطة ضمن علاقة يشوبها العديد من نقاط عدم الالتقاء أصلاً ضمن دور غير واضح لمنظمة التحرير الفلسطينية.

ومن المؤكد أن هذه الترتيبات إذا تمّت ستقود للمربع الأول من العلاقة الأردنية الفلسطينية.

أما في المجال الشعبي فإن الشرخ أصبح واضحاً بين الشارع العربي المتجانس الشعور والمفعم بالوطنية والقومية العربية والنخبة الحاكمة المتشظية التي وصلت من التخاذل لدرجة عدم القدرة على الاستجابة لشعوبها التي تمثل آمالها ضمن أداء مؤسسات قُطرية وقومية تابعة لجامعة الدول العربية يتسم بالتردد والفردية والسلبية، مما أعطى الشارع العربي الفرصة لاتهام مؤسساته الرسمية بالتآمر والخذلان.

وعلى الصعيد القومي ورغم حالة عدم الاتفاق الرسمي فقد ثبت قطعاً بأن نظرية الأمن القومي العربي قائمة رغم محاولة وأدها، ولا يمكن لأي دولة عربية أن تشكل مركز ثقل ونقطة جذب إستراتيجي للسياسة الإقليمية بمنأى عن عناصر القوة العربية الأخرى ضمن جهد جمعي.

كما أن الدور القيادي المتعارف عليه عربياً اتسم بعدم الإقناع وبالضعف. ولذلك فقد ظهرت على السطح جهود لدول تبحث عن دور إقليمي لها في منطقة تفتقد للقيادة.

فها هي تركيا وبعد أن رفضها الجسم الأوروبي تعود إلى العالم العربي لتترحم على الخلافة الإسلامية. وما وراء الكواليس هو مسار دبلوماسي لتحقيق المصالح التركية ضمن الإقليم واستخدامه كورقة في اللعبة السياسية التركية الأوروبية.

ومن الواضح أن هذا التحرك التركي لقي ترحيباً عربياً، حيث هرولت إلى تركيا بعض القيادات العربية التي كان يعتقد بأنها تملك أوراقاً قوية ضمن مصفوفة الإقليم.

إن أحداث غزة ما هي إلا بداية لتشكيل جديد لإقليم الشرق الأوسط والذي ستدخل ضمن ترتيبه الجديد تركيا لتعويضها ببديل عن الاتحاد الأوروبي، وإيران ببعدها النووي ضمن دور قيادي واعتراف بمصالحها في المنطقة، وإعادة ترتيب للوضع السوري اللبناني بعد إخراج سوريا من محور الشر، كما أعلن أولمرت سواءً بالجزرة أو بالعصا.

أما الداخل اللبناني فمن المتوقع أن يتغير بجهد لبناني ودعم خارجي ليبدو الأمر كأنه مشكلة لبنانية وتحلّ لبنانياً.

إن منطقتنا العربية في مرحلة مخاض وستتغير الكثير من المعالم كما تدل مجريات الأحداث ضمن حالةٍ من الوهن والاستسلام والتخاذل. ولكن من الواضح أن هذه الحرب الإسرائيلية قد شنّت على أشباح لا تموت ولا تنتهي لأنها تعبر عن إرادة أكبر مما يعرفون.

كما أن القيادات العربية أصبحت غير موثوقة ولا تحظى بدعم شعوبها ولا ثقتهم. أما القيادة الفلسطينية في فتح فقد كتبت شهادة وفاتها بيدها.

ـــــــــــــ   

لواء ركن متقاعد أردني