لا منتصف طريق مع المشروع الصهيوني- حسن لافي

الساعة 06:44 م|20 ديسمبر 2018

فلسطين اليوم

المكاشفة، المصارحة، والنقد البناء منهاج التصحيح وتعديل المسار لأي فكرة أو مشروع، فكيف إن كان الحديث عن القضية الفلسطينية، والمشروع الوطني الفلسطيني، في ظل المؤامرة الشرسة الشاملة عليهما، إذن نحن بأمس الحاجة لإعادة تقييم الحالة الفلسطينية, وإجراء مراجعة شاملة للمشاريع السياسية الفلسطينية المطروحة للتعامل مع المشروع الصهيوني، للوصول بالشعب الفلسطيني وقضيته إلى بر الأمان الوطني، الأمر الذي لا يتأتى إلا من خلال مكاشفة وطنية فلسطينية حقيقية بعيداً عن زخارف المجاملات الزائفة.

مشروع التسوية الذي وقعت عليه منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة فتح منذ أكثر من خمس وعشرين عاماً، المبني على فكرة حل الدولتين لإنهاء الصراع العربي الفلسطيني، بمعنى التراجع عن أحقية الشعب الفلسطيني بكامل تراب فلسطين،  والاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني بالعيش الطبيعي على 78% من فلسطين،  تهيئةً لتصبح دولة الاحتلال عنصراً طبيعياً في المنطقة العربية، بات من الواضح أن مشروع التسوية غير قادر على تحقيق أيٍ من الحقوق الفلسطينية، حتى ولو بأي حد أدنى يمكن أن يصل إليه تنازل المفاوض الفلسطيني، ناهيك أن "اسرائيل" على مدار سيرورة مشروع التسوية استطاعت خلق طبقات أمنية وسياسية فلسطينية ارتبطت مصالحها مع التنسيق الأمني مع الاحتلال، دون أي أفق لقبول "اسرائيل" لإقامة كيانية سياسية فلسطينية.

البعض يطرح مشروع المزاوجة ما بين مشروع التسوية المتمثل بالمفاوضات مع الاحتلال، وبين فعل المقاومة ضد الاحتلال، من أجل تحسين شروط التفاوض الفلسطيني، وتحقيق انجازات فلسطينية على مستوى دعم المجتمع الدولي، لكن أصحاب هذا المشروع يتناسون عمداً أن الانجازات الوطنية التي يتحدثون عنها مرتبطة بمشروع سياسي يقبله المجتمع الدولي, الذي يحرص على بقاء "دولة اسرائيل", لذا المشروع المقاوم بالضرورة يتعارض مع مفهوم المجتمع الدولي لإنهاء الصراع، وبالمحصلة لا يمكن أن يتعايش مشروع المقاومة ومشروع التسوية, لذا نتفق مع طرح الأمين العام لحركة الجهاد الاسلامي الأستاذ زياد النخالة على ضرورة إعادة تقييم الوضع الفلسطيني برمته, تحت شعار إعادة بناء المشروع الوطني على أساس أن "اسرائيل" هي العدو التاريخي للشعب الفلسطيني, وأن نرجع بوصلة النقاش الفلسطيني إلى انهاء وجود الكيانية الصهيونية على التراب الفلسطيني, وليس الحديث عن كشف سلوكيات الاحتلال, حيث أنه بعد خمس وعشرين عاماً من عملية التسوية، أثبتت التجربة بالدليل القاطع أنه لا يمكن التعايش مع العقل الصهيوني العنصري الاستيطاني الإحلالي الدموي.

يبقى مشروع المقاومة الشاملة، الذي يقطع الطريق أمام أي شكل من أشكال الاعتراف بدولة الاحتلال، هو الأقدر استجابةً على تحديات المؤامرة ضد القضية الفلسطينية، فرغم كل محاولات قطع الطريق على تثمير الفعل المقاوم سياسياً، إلا أن مشروع المقاومة استطاع الانتصار على المشروع الصهيوني في معركة الوعي والرواية، فاستمرار مشروع المقاومة حفظ القضية الفلسطينية من الاندثار أمام عواصف المخططات السياسية التصفوية للقضية الفلسطينية,  بمعنى أن المقاومة تحصن الفكر المقاوم داخل المجتمع الفلسطيني، وتوقف نزيف كي الوعي الوطني العربي, وذلك انهيار خطة "زئيف جابوتنسكي" المسماه "الجدار الحديدي"، فبقاء شعلة الصراع الفلسطيني مع دولة الاحتلال يكشف عورات التطبيع العربي الرسمي المتهافت أمام الزمن الإسرائيلي، فبالرغم من أن "اسرائيل" استطاعت توقيع اتفاقيات سلام مع بعض الدول العربية إلا أنها لن تصبح يوماً جزءاً طبيعياً من نسيج  المنطقة في نظر شعوبها، ولن ينجح حكام التطبيع العربي الخروج بعلاقاتهم اللصوصية مع "اسرائيل" للعلن مادام الفلسطيني متمسكاً بخيار المقاومة القائل أن اسرائيل هي العدو التاريخي للشعب الفلسطيني.

أما على صعيد المواجهة العسكرية والأمنية, كسر مشروع المقاومة مرتكزات أمنية وعسكرية داخل المنظومة العسكرية لدولة الاحتلال, فمنذ انتفاضة الأقصى الذي استطاعت بها المقاومة أن تصل لقلب دولة الاحتلال من خلال جيش من الاستشهاديين على مدار أكثر من ثلاث سنوات متتالية، ليصل لأول مرة في تاريخ الصراع عدد قتلى المستوطنين الصهاينة لـ١٣٠ قتيلا بشهر واحد, ناهيك عن اجبار الاحتلال من الانسحاب من مستوطنات غزة وشمال الضفة، ومن ثم خاضت المقاومة في غزة ثلاث حروب مع الاحتلال وعشرات جولات التصعيد, حتى أوصلت المقاومة المؤسسة العسكرية والسياسية الاسرائيلية لحالة من الردع تجاه الذهاب إلى حرب مفتوحة مع غزة، وأن قرار الحرب يتطلب عقد عشرات الجلسات للكابينت الصهيوني، ولا يجرؤ على اتخاذ هذا القرار.

 تشكيك البعض بإنجازات المقاومة كان يمكن أن يُتَفَهم بالسابق, ولكن بعد تصريح وزير الحرب الصهيوني "افيغدور ليبرمان" أمام شاشات التلفزة "أن حكومته خضعت أمام المقاومة في غزة " بات التشكيك بأن مشروع المقاومة ليس له انجازات عسكرية وسياسية ينبع من خلل في فهم طبيعة العقيدة العسكرية لدولة المشروع الصهيوني المبنية على الهجوم، الذي بمجرد ما تصبح دولة الاحتلال عاجزة عن تنفيذه، فإنها ستجد نفسها أمام تقويض لتلك العقيدة العسكرية مما سيؤثر سلباً على قدرة  الكيان الصهيوني بالقيام بأدواره الموكلة إليه على مستوى المشروع الغربي الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، أو حتى على مستوى المستوطن الصهيوني الباحث عن الأمن والرفاه في دولة الكيان, وهنا تكمن عظمة انجاز مشروع المقاومة المؤمن أن لا منتصف طريق مع المشروع الصهيوني.

كلمات دلالية