اهود باراك عرف ما الذي كان يريده عرفات - هآرتس

الساعة 05:42 م|17 ديسمبر 2018

بقلم: عوديد بلبان

 

(المضمون: لقد كان من حسن حظ اولمرت أنه كان له شريك أعلن بأن طريق العنف كفت عن أن تكون الخيار بالنسبة للفلسطينيين، وهذه اقوال لم تكن لتخرج من فم عرفات الذي كان يرتدي الملابس العسكرية حتى يومه الاخير - المصدر).

 

لقد كان شاؤول اريئيلي محقا في مقاله بعنوان "اهود باراك، الفلسطينيون والحقيقة التاريخية" – اهود باراك لم يكن مستعدا للموافقة على موقف ياسر عرفات حول حل الصراع في محادثات كامب ديفيد. الحل المناسب حسب ما اشير اليه في المقال كان بسيطا: الموافقة على موقف عرفات. ولكن هذه هي طبيعة المفاوضات، إن وجوده مبرر لكونه يدور بين مواقف متناقضة من اجل التوصل الى تسوية. اريئيلي يقول إن مفتاح فشل المفاوضات هو أن باراك لم يفهم موقف عرفات، لذلك لم يوافق عليه. أو أنه لم يفهم تمسك عرفات الشديد بموقفه. إلا أن باراك خلافا لرأي اريئيلي، فهم حقا موقف عرفات، لكنه لم يكن مستعدا لقبوله.

 

اريئيلي محق ايضا في أن عرفات وباراك كانت لهما مواقف لم تلتق معا. وهو يذكر بأن عرفات كان مستعدا للتنازل عن اراضي اسرائيل في حدود 1967، وبهذا يوافق على حساب اجمالي هو فقط 22 في المئة من اراضي فلسطين، وفقا للحساب الذي يفترض أن اسرائيل هي جزء من فلسطين. حسب اريئيلي هذا كان تنازلا معقولا. على ضوء هذا الفهم من المعروف أن كل تنازل اسرائيلي في كامب ديفيد سيعتبر مضحكا، لكنه غير مضحك اكثر من الموقف المتطرف لعرفات، الذي حسب اقوال اريئيلي لم يوافق حتى على تبادل الاراضي.

 

نقطة ضعف ادعاء اريئيلي هي الافتراض أن باراك لم يفهم أن عرفات غير مستعد لقبول أقل من العودة الى حدود 1967. أنا اعتقد أنه يجب تفسير خطوات باراك على ضوء الافتراض بأنه فهم جيدا موقف عرفات، واعتقد بأنه لا يوجد أي احتمال للتوصل الى اتفاق مع زعيم غير مستعد لأي تنازل، بل ويهدد بأنه اذا لم يقبل موقفه فستندلع انتفاضة جديدة.

 

على اساس هذا التفسير يمكن فهم لماذا كلينتون وباراك بالذات، عندما تبين لهما موقف عرفات المتصلب والمتشدد، اقترحا مؤتمر كامب ديفيد كمخرج أخير، على أمل منع العنف. وفي المقابل، في حالة فشل المؤتمر كان من شأنه على الاقل أن يجعل عرفات يعترف علنا (أو أن هذا الامر سيتضح للمجتمع الدولي كنتيجة لرفضه) بأنه غير مستعد للتوصل الى أي تسوية. أي منعه من اتهام الطرف الاسرائيلي من اجل تبرير سياسته عديمة التنازلات. اجل، عرفات ركب عن وعي وقصد على "ظهر النمر"، كما وصف ذلك اريئيلي، لكن هذا نمر "مروض جيدا"، تضمن السيطرة على 12 منظمة ارهابية تقريبا. لقد عرف كيفية استخدامها لتبرير سلطته المركزية على الفلسطينيين.

 

اريئيلي يدعي أن باراك عمل على تغيير نهجه في محادثات طابا، التي جرت بعد فشل كامب ديفيد. ولكن مثلما شرحت بتوسع في كتابي "تفسير الصراع – المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين في كامب ديفيد 2 وما بعدها"، 2005، فان براك لم يقم بارسال الوفد لاجراء المفاوضات في طابا، مثلما لم يرسل رابين وفد المفاوضات الى اوسلو. في الحالتين، من أرسلهم هم خصوم رابين وباراك الذين بادروا الى المفاوضات في اوسلو ومحادثات طابا على التوالي. حول النقاشات في اوسلو، معروف أنها جرت من وراء ظهر رابين حتى مرحلة كان يصعب فيها تغيير التفاهمات التي تم التوصل اليها فيها. عن المحادثات في طابا هناك معرفة أقل بأنها جرت خلافا لموقف باراك.

 

محادثات طابا لم تكن استمرارية، بل البديل عن موقف باراك في كامب ديفيد. بالطبع توجد لرئيس الحكومة مسؤولية عن المفاوضات التي تجري في فترة ولايته وبرئاسته، لكن من ناحية التحليل التاريخي من المهم تفسير كيف حدث الامر ومن الذي وقف من وراء جدول الاعمال، واساسا في الوضع الذي اصبح فيه واضحا أن الامر يتعلق بمواقف متناقضة.

 

خلافا لموقف باراك، اتفاق طابا اراد تقسيم القدس الى ثلاث مناطق، بما يشبه تفاهمات جنيف – منطقة فلسطينية ومنطقة اسرائيلية ومدينة مفتوحة تحت سيادة دولية؛ التنازل عن الوجود الاسرائيلي في غور الاردن ووضع قوات دولية بدلا منها، بما يشبه المراقبين في جنوب لبنان؛ وتأجيل حق العودة دون تنازل الفلسطينيين عنه، أي أن الامر سيبقى متروكا لمفاوضات مستقبلية.

 

باراك في المقابل لم يكن مستعدا للموافقة في كامب ديفيد على تقسيم مادي للقدس، بل تقسيم وظيفي، بهدف الحفاظ على وحدة المدينة من خلال ادارة مشتركة. ولأن باراك فهم أنه لا يوجد شريك لوحدة المدينة فقد اقترح عدم التفاوض على العاصمة الى حين ينزل عرفات عن المنصة، أي مناقشة موضوع القدس بعد نحو عشر سنوات. لقد اقترح وجود اسرائيلي في غور الاردن لمدة 99 سنة، وهكذا يتحول الغور الى حدود الأمن لاسرائيل. في موضوع اللاجئين باراك كان مستعدا لاعادة فحص عودة حوالي 100 ألف فلسطيني الى داخل الخط الاخضر، لكن دون الاعتراف بتطبيق حق العودة.

 

كدليل على تباين المواقف الذي لا يتطرق اليه اريئيلي، سأذكر بأنه بعد فشل كامب ديفيد قام جسم باسم "كابنت السلام"، كما يبدو بمبادرة بيرس. رفيف دروكر في كتابه "هاري كاري" سماه "جسم غريب"، الذي حسب رأيه قام من اجل احباط نوايا باراك؛ محادثات طابا كانت محاولة لافشال سياسة باراك. من المهم أن نذكر أنه لم يدع الى طابا ممثل امريكي، والمحادثات جرت برعاية اوروبية برئاسة ميغل موراتينوس وبمشاركة مساعدي بيرس، بيلين وبن عامي.

 

اريئيلي في مقاله لا يميز بين سياسة عرفات وسياسة أبو مازن. هو يشير الى أن محادثات اولمرت – عباس كانت الاولى التي نجحت في جسر الفجوة بين المواقف. هذا صحيح كما يبدو. إلا أن اريئيلي انتقل بسهولة من عرفات الى عباس وكأن هذين الزعيمين اتبعا نفس السياسة، إلا أن الامر ليس كذلك. الفجوة التي كان يمكن جسرها عندما كان أبو مازن هو الشريك ليست هي التي كان يمكن تحقيقه مع عرفات. بنفس الروح يمكن القول إن نتنياهو لم ينجح في انجاز ما انجزه اولمرت. رغم أنهما شغلا نفس الوظيفة.

 

لقد كان من حسن حظ اولمرت أنه كان له شريك أعلن بأن طريق العنف كفت عن أن تكون الخيار بالنسبة للفلسطينيين، وهذه اقوال لم تكن لتخرج من فم عرفات الذي كان يرتدي الملابس العسكرية حتى يومه الاخير.