كتب: د.وليد القططي :غزة أصغر من فلسطين وأكبر من (إسرائيل)

الساعة 11:02 ص|12 ديسمبر 2018

فلسطين اليوم

بقلم د. وليد القططي

في مقال كتبته قبل حوالي خمس سنوات وبالتحديد بتاريخ 30 يناير 2014 حمل عنوان (فلسطين أكبر من غزة) وجاء في مقدمته حرفياً "من البديهيات المنطقية التي لا تحتاج إلى برهان أن الكل أكبر من الجزء، ومن قوانين الإدراك في مدرسة الجشطلت النفسية أن الكل أكبر من مجموع أجزائه. ومن يعكس هذه البديهية وذلك القانون يكن فاسد العقل ومنحرف التفكير؛ وإذا طبقنا ذلك على الجغرافيا فيما يخص العلاقة بين فلسطين وغزة، نجد أن غزة تشكل من حيث المساحة (1.5%) من فلسطين، ومن حيث السكان أقل من خمس سكان فلسطين المتواجدين في داخل فلسطين التاريخية وخارجها، وبالتالي فهي جزء من الأرض الفلسطينية وجزء من شعب فلسطين، وهذا لا يعني تجاهل الوزن النسبي الكبير لغزة، الذي يتجاوز حجمها الجغرافي والسكاني المحدود، مقارنة بالكل الفلسطيني، لا سيما في مجال السياسة والمقاومة، ولكن كبر حجمها النسبي السياسي والمقاوم لا يبرر منطقياً أن تُغطي الكل الفلسطيني، بحيث يتم اختزال قضية فلسطين في قضية غزة، واختزال قضية غزة في قضيتها الإنسانية، التي يتم اختزالها في فتح المعابر ورفع الحصار.".

انتهى الاقتباس من المقال القديم، ولكن لم تنتهِ معاناة أهل غزة المفروضة، ومشكلة غزة المصطنعة، من أجل الوصول إلى هذه النتيجة التي يُراد لها أن تُختزل قضية فلسطين في قضية غزة، وتُختزل قضية غزة في قضيتها الإنسانية المُفتعلة. كي ننسى أصل الداء ومنبع البلاء، ألا هو الاحتلال، وأن قضية غزة هي جزء من قضية فلسطين الأكبر، ففلسطين كلها تحت الاحتلال والحصار والاستيطان والتهويد، وكل شعبها عانى ولا زال يُعاني من التهجير والتقتيل والأسر، وقد زيد لأهل غزة في البلاء على قدر صلابتهم، فكان الحصارُ المتواصل المفروض إسرائيلياً، وكانت العقوبات المستمرة المفروضة سلطوياً، ومعهما الحروب العدوانية المتكررة بالسلاح الأمريكي والبطش الإسرائيلي، والحروب النفسية الرديفة من أبواق الإعلام الإسرائيلي، وبعضها من أبواق إعلام فريق السلطة المُعادي للمقاومة، الشامت بأهل غزة، ولم تتوّقَف هذه الابتلاءات الخاصة بغزة، فعندما أحدث الحراك الجماهيري في مسيرات العودة وكسر الحصار خرقاً محدداً في جدار الحصار الإسرائيلي، وثغرةً صغيرة في حائط العقوبات السلطوية، خرج على أهل غزة بعض الساقطين في وحل التنسيق الأمني، وبعض الغارقين في سبخه السياسة الانبطاحية، ليكيلو الاتهامات المُغرضة للقابضين على جمرتي الوطن والمقاومة في غزة، لينطبق عليهم المثل الشعبي (رمتني بدائها وانسلّت).

غزة أصغر من فلسطين، وقضيتها جزء من القضية الفلسطينية، قضية وطنية بالدرجة الأولى، وليست مجرد قضية إنسانية صُنعت لتُغطي على القضية الوطنية، كما حاول العدو وحلفاؤه من تصوير قضية اللاجئين الفلسطينيين بعد النكبة عام 1948م على أنها قضية إنسانية، مشكلة لاجئين بحاجة إلى مأوى وغذاء. فمشكلة غزة تختزل القضية الوطنية الفلسطينية، قضية شعب هُجّر من وطنه، واحتلت بلده، ويريد تحرير أرضه، والعودة إلى بلده، ويُحقق استقلاله الوطني في إطار انتمائه القومي العربي والديني والإسلامي. هذا هو الأصل، وأي مُطالبة بتحسين ظروف الحياة في غزة هي جزء من هذا الإطار العام، وليس مجرد مطلب إنساني، وحق من حقوق الإنسان الطبيعية، يتم انتزاعها من الاحتلال، وليست منّة أو إحسان من أي طرف.

بل هو مطلب وطني، فجعل الحياة مُمكنة فوق أي بقعة من الوطن، هو عمل وطني طالما أن نتيجته تعزز صمود الشعب الفلسطيني فوق أرضه، وبدون صمود الشعب الفلسطيني فوق أرضه، سيفقد المشروع الوطني الفلسطيني أهم ركائزه، كما أن صمود الشعب على أرضه، يضمن وجود الحاضنة الشعبية للمقاومة، التي بدونها لن تستطيع المقاومة مقاتلة العدو. وبناء على ذلك فالمطالبة بكسر الحصار ليس مجرد مطلب إنساني؛ بل هو مطلب وطني بامتياز، طالما أن المقاومة لا تدفع أي ثمن سياسي مقابلها، ولا تفقد حقها في الدفاع عن نفسها وشعبها، وتحافظ على قواعد الاشتباك مع العدو التي أرستها بالدم والعرق، وتتمسك بنهج وإستراتيجية المقاومة وصولاً إلى هدف التحرير الكامل لفلسطين.

إذا كانت غزة أصغر من فلسطين، فإنها أكبر من (إسرائيل)، الاسم الذي أُطلق على الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين، غزة بأهلها الصامدين والمرابطين، غزة بمقاومتها الصامدة الصامدة والمرابطة، أكبر من (إسرائيل) بكل ترسانتها المسلحة، وكل عنجهيتها وغطرستها، وأكبر من (إسرائيل) بشعبها الفلسطيني الصامد العصي على الانكسار، وبمقاومتها الشامخة الرافضة للهزيمة، أكبر منها ومعها كل الشعب الفلسطيني طالما يتمسك بحقه الطبيعي والتاريخي والديني والقانوني بكل فلسطين، وطالما أن الشعب الفلسطيني يقبض على جذوة الجهاد والمقاومة حتى يأذن الله تعالى بالنصر والتمكين، وطالما أن الشعب الفلسطيني ماضٍ في كفاحه الوطني نحو التحرير والعودة والاستقلال، ولا يضره إرهاب عدوه، ولا خذلان العربان المُطبّعين مع العدو، ولا تثبيط أصحاب السلطة والتمكين من حاملي بطاقات الشخصيات المهمة حسب التصنيف الإسرائيلي.

غزة أصغر من فلسطين، ولكن مأساتها جزء من قضية فلسطين، وهي وإن كانت أصغر من فلسطين، فهي أكبر من (إسرائيل)، بصمودها ومقاومتها ورفضها للانكسار، كما كل الشعب الفلسطيني الصامد والمقاوم والمتمسك بحقه في كل فلسطين من البحر إلى النهر، والمتمسك بوحدته الوطنية في الداخل والخارج، وفي الضفة والقطاع وفلسطين المحتلة عام 1948م.

 

 

 

كلمات دلالية