الخندق.. معاريف

الساعة 03:09 م|07 ديسمبر 2018

بقلم

(المضمون: كشف انفاق حزب الله هو انجاز استخباري كبير ولكن الجيش اختار معالجتها بطريقة صاخبة، رغم المزاج السائد لدى قادته في الامتناع عن التصعيد بكل ثمن).

من الصعب التقليل من أهمية الانجاز الاستخباري الذي تحقق في كشف أنفاق حزب الله. فاذا كان الجيش الاسرائيلي قد نجح بالفعل، مثلما أعلن رئيس الاركان، في وضع يده على خطة انفاق حزب الله فان الحديث يدور عن نجاح دراماتيكي. ولكن كل ما جاء في اعقابه يرفع الى السطح اسئلة عن انماط التفكير والسلوك لدى الجيش: فهل الجمود والرغبة في الامتناع عن التصعيد بكل ثمن حلا محل الابداعية والهجومية؟

قبل بضعة شهور، اكتشف الجيش الاسرائيلي حجم خطة الانفاق لدى حزب الله والمعطيات كانت مقلقة. ومع أن معظم الانفاق لم تكن جاهزة بعد للاستخدام – فقد كان واضحا انه يجب ازالة هذا التهديد، وليس بعد وقت طويل. كان واضحا ايضا ان لدى اسرائيل دليلا دامغا على خرق فظ لسيادتها ولقرار 1701.

يمكن التفكير في سبل ابداعية كثيرة لمعالجة الانفاق بطريقة سرية وباحابيل تبلبل حزب الله ولا تسمح لهم بان يفهموا باي قدر تعرف اسرائيل عن المشروع. من تفخيخ الفوهات في الجانب اللبناني وحتى تهديد "هاديء" على لبنان بانه اذا لم ينشر جيشه في فتحات الانفاق – فستدمرها اسرائيل بالقوة، التي ستلحق ايضا ضررا في الطرف الاخر.

بدلا من ذلك اختار الجيش الاسرائيلي العمل بطريقة نموذجية وصاخبة للغاية. فمع ارسال اليات التنقيب على الحدود الشمالية، اعلن الجي الاسرائيلي عن "حملة" ومنحها اسما ما كان ليخجل الحملة لتحرير الجليل في حرب الاستقلال. في هذه "الحملة" تشارك عدة آليات تنقيب وجرافات والى جانب كل واحدة منها يرابط ايضا ناطق عسكري. فالفكرة، كما شرحوا في الجيش الاسرائيلي، هي استخدام الكشف في حملة وعي على الجانب اللبناني، ولكن يبدو أن الجمهور المستهدف الحقيقي للاعلام في حملة درع الشمال هو الجمهور الاسرائيلي.

رئيس الاركان غادي آيزنكوت، الذي اختار في كل اثناء حياته المهنية خط التواضع، انضم هو الاخر الى الاعلام الصاخب. فقد أعلن يوم الثلاثاء قائلا: "نحن نمسك بخطة الانفاق الهجومية لحزب الله"، فبعث بذلك حزب الله لان يكتشف من اين تسربت المعلومات. ليس هذا فقط بل ان حزب الله يفهم الان بان الجيش الاسرائيلي سيعمل على كشف الانفاق الواحد تلو الاخر، ولديه الوقت لان يعد المفاجآت للقوات التي ستكشف عن الانفاق التالية.

اجتهد الناطقون العسكريون ايضا لتهدئة حزب الله واوضحوا بان اسرائيل ستعمل في اراضيها فقط، وليس لديها نية لتعطيل الانفاق في الجانب اللبناني ايضا. هذا التصريح يصعب فهمه. حزب الله، في عمل فظ وهجومي، يحفر الانفاق حتى منازل المواطنين الاسرائيليين، ونحن نواصل تقديس السيادة اللبنانية. عرضت هذا السؤال على سلسلة من الضباط الكبار، وكان الجواب الذي تلقيته: عمل في الجانب الاخر لن يمر دون رد من حزب الله وسيؤدي الى حرب.

معقول الافتراض بانهم محقون وان حزب الله كان سيرد على توغل الى الاراضي اللبنانية، رغم أنه مشكوك في أن يكون سيخاطر في رد يؤدي الى حرب. ولكن المقلق في هذا الجواب هو المزاج الذي سيطر على القادة في الجيش الاسرائيلي: الامتناع عن التصعيد بكل ثمن. مثلما في غزة، كذا في الشمال، تطورت في الجيش الاسرائيلي رؤية ثنائية من إما كل شيء أو لا شيء – كل عمل كفيل بان يؤدي الى حرب، وبالتالي من الافضل عدم العمل. ودوما توجد متدرجات وسطى. ونعم، توجد فيها مخاطرة، ولكن الجيش القتالي يفترض به أن يدفع نحو العمل، وان يرد على عدوان العدو وان يبقي حسابات المخاطرة للقيادة المقررة من فوقه.