عقوبات اقتصادية.. في حالة قطر هذا لم يلحق بها إلا الخير.. هآرتس

الساعة 01:32 م|06 ديسمبر 2018

بقلم

(المضمون: في غضون سنة ضاعفت قطر عدد المصانع المحلية لانتاج الغذاء وزادت معدل نموها واستثماراتها مما يفيد أن الحصار الذي فرض عليها كان حافزا لتطورها)

حرج كبير لحق الاسبوع الماضي بقطر، حين نشرت الصور الاولى للاستاد المركزي الذي ستجرى فيه مباريات المونديال في 2022. للكثيرين يبدو المبنى المميز، الذي صممته زهوة حديد، المعمارية البريطانية – العراقية التي توفيت هذه السنة، كالعضو الجنسي الانثوي – وسرعان ما حظي بلقب "استاد المهبل". ودافعت قطر بتفان عن المبنى الرائع، واوضحت بانه يجمع تصميما شرقيا مع أفضل التطويرات الحديثة، وان من يرى فيه شيئا آخر – فهذه مشكلته.

40 الف مكان سيحتوي المبنى المكيف، الذي الى جانب الاستادات المكيفة السبعة الاخرى يفترض أن يلبي الطلب لنحو مليون ونصف مشاهد سيصلون لمشاهدة المباريات. فالتحديات الهندسية والتصميمية التي وقف امامها المخططون لا تنفس الا مسألة كيف سيكون ممكنا "اشغال" الزوار في ساعات الفراغ بين المباريات وبعدها

اكثر من 1.7 مليون عامل اجنبي يشتغلون في قطر، قسم كبير منهم مجند خصيصا لبناء البنية التحتية الرياضية في الدولة، التي عدد مواطنيها الاصليين هو 450 الف نسمة. ميزانية سخية على نحو خاص، بمقدار 8 - 10 مليار دولار خصصت فقط لبناء الاستادات؛ ونحو 200 مليار دولار استثمرت في السنوات الاخيرة وستستثمر، في البنية التحتية المحيطة، مثل الطرق، شبة المواصلات، بناء نحو 60 الف غرفة فندقية وقطار خاص سيعمل لخدمة المونديال.

ولكن بالنسبة لــ "ما بعد الحفلة" سيضطر السياح للاكتفاء بأروقة الفنادق، بالمجمعات التجارية – واذا كانت حالة الطقس تسمح بذلك، فبالرحلات الصحراوية وبالجولات في الاسواق. اما المشجعون الذين يرغبون في تعاطي الكحول فلا يمكنهم ان يجدوه الا في بضعة فنادق ومطاعم تلقت إذنا خاصا بذلك. اما باقي الوقت فسيضطرون الى قضائه على ما يبدو بالقراءة او بمشاهدة التلفزيون. ولكن بعد كل شيء فانهم جاءوا ليشاهدوا كرة القدم وليس للترفيه.

بالنسبة لقطر، فان استضافة مباريات كأس العالم هي قناة اخرى لتنويع مصادر دخل الدولة، الذي يعتمد اليوم على تصدير النفط والغاز – وليس اقل اهمية من ذلك، تشكل لها رافعة هائلة لاعتراف دولي، بالذات في فترة تفرض عليها عقوبات من جانب قسم من جيرانها. فعندما قررت السعودة، بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان الى جانب دولة اتحاد الامارات، البحرين ومصر، ان تفرض قبل نحو سنة ونصف حصارا بريا، بحريا وجويا على قطر، كان يخيل أن الامارة الصغيرة ستحني الرأس وتستجيب للمطالب الـ 12 التي طرحها عليها جيرانها. ضمن امور اخرى كانت قطر مطالبة بقطع علاقاتها مع ايران، اخلاء القوة التركية المرابطة فيها، اغلاق شبكة "الجزيرة" وتعويض الجيران عن الضرر الذي لحق بهم.

ولكن قطر استنجدت لمساعدتها بتركيا التي سارعت الى فتح خط تسويق جوي، وايران التي وفرت لها رواقا جويا وبحريا، وكذا عمان والكويت اللتين لم تنضما الى المقاطعة. وفي غضون سنة ضاعفت قطر عدد المصانع المحلية الموجهة لانتاج الغذاء، كي تحرر الدولة من الحاجة الى استيراد غلا ثمنه عقب اطالة مسافة خطوط الطيران؛ وضخت نحو 40 مليار دولار الى البنوك كي تغطي فجوة الايداعات التي سحبها منها مستثمرون من الخليج؛ ووسعت صندوق الاستثمارات الوطني الى حجم اكثر من 320 مليار دولار. ومكان الضائقة المؤقتة والخوف من الخنق الاقتصادي، حل نمو بمعدل نحو 2.7 في المئة، وحسب صندوق النقد الدولي من المتوقع نمو مشارك في السنة القادمة ايضا.

قطر الذي تضرب رقما قياسيا عالميا في الدخل للفرد، تعهدت باستثمار نحو 15 مليار دولار في تركيا، كي تبطن الاقتصاد التركي الذي يعاني من أزمة عسيرة وكثواب على المساعدة التي تلقتها من تركيا حين فرضت عليها العقوبات. كما انها توسع استثماراتها في ارجاء العالم وكأنه لم يفرض عليها حصار.

يبدو أن مكانتها السياسية في الساحة الدولية لم تتضرر رغم مساعي السعودية لعرضها كدولة مؤيدة للارهاب وكشريكة لايران. ووصف الرئيس الامريكي دونالد ترامب حاكم قطر، الشيخ تميم بن حمد كـ "شريك عزيز وصديق قديم"، بعد ان كان وصف قطر قبل سنة من ذلك كدولة مؤيدة للارهاب. كما تجند ترامب للوساطة بين السعودية وقطر، حاليا بلا نجاح.

ولكن يحتمل أن تورط بن سلمان في قضية قتل خاشقجي ستحدث تغييرا في موقف السعودية، وهي ستوافق على ارضاء ترامب كثواب على الاسناد الذي منحه لولي العهد في قضية القتل. وحتى اسرائيل، التي سوقت قطر كدولة ارهاب بسبب تأييدها لحماس، ادارت عيونها في اتجاه آخر، في ضوء الاضطرار لمساعدة سكان غزة، ووافقت على السماح لقطر بتحويل نحو 15 مليون دولار لدفع الرواتب وتمويل اضافي بحجم اجمالي بمبلغ 90 مليون دولار.

ان الشكل الذي خرجت فيه قطر من الخناق السعودي يمكن أن يفيد بشيء ايضا عن استراتيجية العقوبات الاقتصادية التي تمارسها الدول، ومنها الولايات المتحدة أو روسيا على من لا يعجبها سياسته. وطالما لم تكن خطوة كهذه قادرة على ان تضمن اغلاقا تاما لحدود الدولة المحاصرة، فان العقوبات وان كانت ستجعل الحياة صعبة الا انها لن تمنع استمرار ادائها لمهام الدولة المحاصرة بل وتطورها ايضا. ايران، عراق صدام حسين، السودان والان قطر، هي الدليل على ذلك.