خبر « الرصاص المصهور » ينصهر في « الزيت المسكوب » .. عمرو محمد

الساعة 11:00 ص|13 يناير 2009

على الرغم من اقتراب الحرب الصهيونية على غزة من أسبوعها الثالث, ووقوع مئات الشهداء وآلاف الجرحى من الشعب الفلسطيني, إلا أن عملية "الرصاص المصهور", التي يخوضها الاحتلال أصبحت تُثْبِتُ بما لا يَدَعُ مجالًا للشك أن هذا "الرصاص" أصبح زيتًا مسكوبا , يتزلج فيه الجنود الصهاينة في شوارع غزة, وخاصةً منذ ارتكابهم لعدوان الهجوم البري.

 

هذا التزلج , يأتي انعكاسا لعملية "الزيت المسكوب", التي أعلنت عنها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" , في بداية الحرب, لمواجهة العملية التي أعلنت عنها وزارة الحرب الصهيونية.

 

دوائر الاحتلال العسكرية أصبحتْ تتحدث عن أعداد كبيرة بين قتلى وجرحى في جنود الاحتلال، على أعتاب صمود قطاع غزة , على الرغم من اتباع سياسة التعتيم بتقليل حجم الخسائر البشرية, خلاف الخسائر المادية , التي تُقَدَّرُ بنحو 28 مليون دولار يوميًّا.

 

إطالة أمد المعركة

 

العمليات البطولية للمقاومة, وتَمَكُّنُها من إطالة أمد المعركة , دفعتْ جيش الاحتلال إلى التفكير في إعداد أكثرَ من سيناريو للخروج من مستنقع غزة, ولذلك كانت تلك الجولة التي اصطحب فيها جيش الاحتلال عددًا من الصحفيين على تخوم غزة؛ ليصوروا عمليات اعتقال لمواطنين أبرياء من غزة, واقتيادهم إلى مراكز اعتقال جماعية في حدود الكيان, بالإضافة إلى تصويرهم لقيام جنود الاحتلال باقتحام منازل لفلسطينيين عزل, إلا من سلاح العزيمة والإرادة.

 

إلا أنه سرعان ما ظهر أن كل هذه الصور ما هي إلا عملياتٌ عشوائية قام بها جيش الاحتلال, لإثارة حالة من الوهم في أوساط الرأي العام الإسرائيلي, بأنّ عملياته العدوانية سواء كانت الجوية أو البرية قد حققتْ جزءًا من أهدافها بالوصول إلى المقاومين, ما بين أَسْرٍ واقتحامٍ لمنازلهم, فضلًا عن عمليات القتل.

 

والواقع , فإن الاحتلال ومنذ عملياته العدوانية, يبحث عن وسيلةٍ للترويج والدعاية لعملياته الزائفة, بِبَثِّ مثل هذه الصور للدعاية الإعلامية لها, والترويج لانتصار مهزومٍ في حربه ضد الشعب الفلسطيني في غزة.

 

وطوال أيام المعركة التي نجح المقاومون في إطالة أمدها, كان العدو يظن في كل يوم أن جنوده لا يزالون يمثلون "الجيش الذي لا يقهر", أو أنهم في نزهة, حتى كانت المفاجآت التي أعدتها لهم  المقاومة, عندما استهدفتهم على مداخل ومخارج ومحيط غزة في معارك بطولية, لا تزال تُذْهِلُ القاصي والداني.

 

وفي الوقت الذي عجزت فيه سلطات الاحتلال عن تحقيق انتصارها المزعوم على المقاومة, أو رَدْع صمود الفلسطينيين وإرادتهم, وفشلها في تدمير البِنَى التحتية لمنصات إطلاق الصواريخ, فإنها أمام هذا كله لا تزال تبحث عن هذا الانتصار العاجز.

 

مخططات إسرائيلية

 

ووَفْقَ ما تم تسريبه من جانب أجهزة ووسائل الإعلام الصهيونية، فإن سلطات الاحتلال في ظل فشلها في تحقيق الأهداف المشار إليها, وضعت ثلاثة "سيناريوهات" محتملة لمواجهة "حماس" في المستقبل, في ظل استمرار الصمود البطولي للمقاومة عموما.

 

السيناريو الأول يتمثل في إحداث الاحتلال لنظام جديد في غزة، بأن تحتل إسرائيل جنوب القطاع, على أن تسعى إلى تسليم هذا الجزء إلى سلطة "أبو مازن" مباشرةً، أو بوساطة قوة دولية، أو قوة عربية عامة، وذلك على الرغم من عدم وجود شخصية إسرائيلية تُنَاصِرُ هذا التوجه، باستثناء "بنيامين نتنياهو" الذي يميل إلى هذا التوجه, بتلميحه إلى "إسقاط نظام حماس في الأمد البعيد".

 

أما السيناريو الثاني فيتمثل في مواجهة "ميزان الرعب"، الذي لا تزال تظهره المقاومة الفلسطينية حاليًا, وهو ما يذهب إليه محللون بأنّ إسرائيل عليها أن تراجع القوة التي وجدتها في حربها على غزة, "وأنه بإنهاك المقاومة خلال الحرب, فإنها يمكن أن تسعى إلى إظهار هدنة متوترة ومسلحة إزاء حماس".

 

ويميل إلى الرأي السابق وزير الحرب إيهود باراك، الذي يؤيد القوة والردع، في الوقت الذي يذهب فيه إلى أهمية اعتماد صيغة محسنة من الهدنة مع حزب الله في الشمال.

 

وتذهب تقارير صحفية إسرائيلية , وَفْقَ ما أورده موقع "هآرتس", أن "السيناريو" الأخير لا يتطلب من إسرائيل إملاء هوية مُعَيَّنة على غزة, في إشارة لاستبعاد خيار العودة إلى سلطة محمود عباس .

 

ويرى أنصار هذا الاتجاه ضرورةَ الحفاظ على غزة هادئة قدر المستطاع، مع استخدام وسائل عسكرية واقتصادية ضدها بتنسيقٍ وثيقٍ مع مصر؛ ليظل القطاع بمثابة "دولة لحماس" غير معترف بها، إلى أن تنضج فيها مسارات تغيير واعتدال.

 

أما أنصار السيناريو الثالث, فيرون ضرورة إتمام الانفصال، بمواصلة الحرب, متذرعين بأهمية إسقاط المقاومة , وإغلاق المعابر، والحرص على قطع الموارد الضرورية عن القطاع , باستخدام مصر في تحقيق ذلك .

 

وأمام  هذه السيناريوهات الإسرائيلية لبحث مستقبل القطاع , ففي الطرف المقابل, وأمام فشل الدول العربية في إبرام مشروع عربي، حتى المبادرة المصرية, التي أقرتها فرنسا, بدت ترمي بشكل واضح إلى تحقيق أهداف إسرائيلية وأمريكية , بدليل مباركتهما لها.

 

كل ذلك دفع "حماس" وبعض الفصائل الفلسطينية إلى رفض المبادرة, في الوقت الذي تقوم فيه دول عربية من تركيا، ودول أوروبية، بتكثيف اتصالاتها وتحركاتها من أجل التوصل إلى وقف ما تعتبره إطلاق النار .

 

وتدفع هذه الدول العربية بالاتجاه السابق إلى تفادي عقد قمة عربية تبحث العدوان البربري على غزة، في الوقت الذي تبدو فيه شروط "حماس" واضحة, وهي التي نقلتها إلى أنقرة وبعض الدول الأوروبية خلال اتصالات مباشرة معها, وهى ضرورة رفع الحصار عن غزة، وفتح المعابر، كَشَرْطَيْنِ تتمسك بهما، من أجل تهدئة بضمانات دولية، إضافة إلى تواجد للحركة على معبر رفح.