غزَّة ومَسْخَرة الأمن القومي الإسرائيلي- حسن لافي

الساعة 02:42 م|26 نوفمبر 2018

فلسطين اليوم

حدَّد بن غوريون ثلاثة مُرتكزات تشكّل بمجموعها العقيدة الأمنية لدولة "إسرائيل"، وهي الردع، والإنذار المُبكّر، والحَسْم، تغيّرات البيئة الاستراتيجية المُحيطة "بإسرائيل". وخاصة بعد حرب تموز 2006 على المستوى الإقليمي والدولي، ناهيك عن التطوّرات التكنولوجية التي شهدتها نوعيّة أسلحة الحروب. وخاصة في المجال الصاروخي، وإدخال مجال الحرب الإلكترونية "السايبر" لساحة المعارك العسكرية، جعلت الكثير من الأصوات تتعالى بالمُطالبة في تعديل العقيدة الأمنية الإسرائيلية على ضوء تلك المُتغيّرات، حيث تمّ عقد عدّة لجان، كان أهمّها لجنة الوزير "دان ميريدور" عام 2006، والتي طالبت بإدخال مُرتكَز الدفاع على العقيدة الأمنية الإسرائيلية.

دراسة مُتطلّبات الأمن القومي الصهيوني، تخلص للدور المحوري لعقيدة الردع في ظلّ التحديات الأمنية المُهدِّدَة لاستمرار وجود الكيان الصهيوني في ظلّ التفوّق العربي العدَدَي غير قابل للجَسْر، بحيث تصبح قوّة الردع الإسرائيلية هدفاً أساسياً لدى صُنّاع قرار الأمن القومي الإسرائيلي على مختلف الصُعُد والاتّجاهات.

موافقة المجلس الأمني الوزاري المُصغَّر "الكابينت"، بقيادة نتنياهو على وقف إطلاق النار مع المقاومة في غزَّة، على وَقْعِ مشاهد الصواريخ الفلسطينية وهي تضرب مدينة عسقلان، الأمر الذي انعكس في استقالة وزير الحرب أفيغدور ليبرمان، واعترافه الواضح "أن حكومته خضعت أمام المقاومة في غزَّة". ناهيك عن خروج مستوطني غلاف غزَّة بتظاهراتٍ تتّهم حكومتهم أنها تركتهم لوحدهم في مرمى صواريخ مقاومة غزَّة، الأمر الذي وجّه ضربة قاسية لقوّة الردع الإسرائيلية، كون ليس فقط قوّة الردع التي تآكلت أمام غزَّة. ولكن أيضاَ قوّتها الفعلية المُتمثّلة بقُدرة جيش الاحتلال والمؤسّسة السياسية باتّخاذ قرار الحرب على بُقعةٍ صغيرةٍ من الجغرافيا، والمقاومة فيها لم تصل بإمكانياتها وعديدها إلى مستوى تهديد الجبهة الشمالية لها.

يُفهَمْ من منطق الفكر العسكري الصهيوني، ومن مُرتكزات عقيدته العسكرية أن توجيه ضربة عسكرية قوية لغزَّة، بات مطلباً وجودياً للحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي، من خلال الحفاظ على قوّة ردع إسرائيلية تُمكّنها من استمرار انتصار الكَيْف الصهيونية على الكمّ العربي، فما الذي يحول بين دولة الاحتلال وتوجيه تلك الضربة حتى الآن؟

اتّساع إشكاليات الحكومة الإسرائيلية داخل ائتلافها الحكومي، خاصة بعد استقالة "ليبرمان" وزير الحرب، التي اعتُبِرَت صافِرة البداية للانتخابات القادمة، لذا ذهاب نتنياهو إلى أية حرب على غزَّة في هذه الفترة، سيؤكِّد صوابيّة ليبرمان، وسيظهره بصورة البطل القومي، الذي ضحّى بمنصب وزير الحرب من أجل حماية قوّة الردع الصهيونية، وهذا إضرار بحظوظ نتنياهو الانتخابية خاصة أن الانتخابات القادمة متوقّع لها إعادة تموضع موازين القوى السياسية داخل معسكر اليمين الصهيوني، لذا أية حرب على غزَّة ما قبل إجراء الانتخابات، وتشكيل الحكومة القادمة، ستُعتَبر كهديةٍ انتخابيةٍ يقدِّمها نتنياهو و"نفتالي بينت" زعيم حزب البيت اليهودي المستمر في الائتلاف إلى خصمهما السياسي ليبرمان المُستقيل.

إشعار نتنياهو المجتمع الصهيوني أن هناك معركة قَيْد التجهيز في خطاب ما بعد استقالة ليبرمان، وتهديد "نفتالي بينت" بالانسحاب من الحكومة، يُفْهَم على أنه مساعي نتنياهو لتحويل ملف الأمن من تهديدٍ لمستقبله السياسي إلى فرصةٍ تُتيح له إرضاخ مُنافسيه داخل الائتلاف الحاكِم، والأهم حَرْف انتباه الشارع الإسرائيلي في الانتخابات القادمة عن قضايا الفساد، التي تُلاحقه إلى قضايا الأمن القومي، الأمر الذي يمنح نتنياهو زِمام المُبادرة في اختيار التوقيت المُناسِب للذهاب إلى الانتخابات من دون ضغوطٍ حقيقيةٍ، حيث من الناحية الجماهيرية سيُحافظ على صورة رجل الأمن الأول في "إسرائيل"، ومن الناحية الائتلافية لا يمكن لحزب يطرح نفسه يمينياً في دولة الاحتلال ينسحب من الحكومة في وقت الإعداد للمعركة.

أما عن أية معركة يتكلَّم نتنياهو فضبابية الكلمات مقصودة، حتى يتمكَّن من إعطاء نفسه أكبر مساحة من المُناورة السياسية في قادِم الأيام، ولكن سلوك نتنياهو الأمني والدبلوماسي طوال الفترات السابقة يدلّ على أن الحديث له علاقة بالجبهة الشمالية، في إطار تجهيز تحالفات صهيونية جديدة من خلال مزيدٍ من التطبيع العربي تحت الرعاية الأميركية لمُحاصَرة إيران ومحور المقاومة.

أما على مستوى المؤسّسة العسكرية، لا يرى الجيش والمؤسّسة العسكرية الصهيونية في الحرب على غزَّة خدمة للمصلحة الصهيونية في ظلّ حكومة ليست لها أهداف سياسية من وراء تلك الحرب، هذا الموقف سيزداد صَرامة على ضوء الاتّهامات والمُزايدات السياسية الحزبية، التي تُخرِج الجيش من مربّع الإجماع الوطني الصهيوني، إلى ساحة اللعبة السياسية الداخلية، بحيث بات الجيش والمؤسّسة العسكرية تُهاجَم من داخل الكابينت الوزاري، وليس فقط على مستوى جمهور اليمين الاستيطاني الديموغوغي.

لذا بات من الواضح أن الأمن القومي الإسرائيلي على ضوء قراءة المشهد السياسي الصهيوني الداخلي تحوَّل إلى ورقةٍ انتخابيةٍ تستخدمها قيادات الأحزاب الصهيونية بلعبة حفاظها على كراسيها الوزارية، بعد أن كان الأمن القومي الإسرائيلي قيمة وطنية، ومحلّ إجماع فوق حزبية، أو أيدلوجية لدى القيادات الصهيونية التاريخية، لذا نتفهّم وصف المُراسِل العسكري للقناة الثانية "روني دانييل" تعاطى وزراء الكابينت مع الأمن القومي الإسرائيلي أنه (مَسْخَرَةْ) وقالها بالعربية.

كلمات دلالية