رامز حرب.. رحيل بلا موعد

الساعة 11:03 ص|19 نوفمبر 2018

فلسطين اليوم

حينما يسخر المرء حياته كلها في سبيل الله، ويفدي ثرى أرضه بدمائه وروحه ونفسه وماله، وكل ما يملك, فهوا إنسانُ شابه الملائكة بالتضحية والصبر والفداء، وهذا ما نراه في ذلك الرجل الصنديد الذي أبدع في شتى الميادين ، وبذل كل جهد دون توانى أو كلل مؤدياً واجبه الجهادي والديني والإنساني.

أدرك آيات القران وتدبرها جيداً وعرف النهاية الحتمية لمن يسلك طريق ذات الشوكة، هذه الطريق الحافلة بالابتلاءات والمصاعب والمخاطر والأشواك. ولعل الحديث عنه يطول كثيراً ولن تسعفنا كلماتنا المتواضعة الخجولة أمام عظيم جهاده وصبره وصموده وتقديمه للواجب بالدم والأشلاء.

انه القائد المجهول والرجل المعطاء رامز نجيب حرب "أبا عبيدة" فارس القلم والبندقية وأسد الميدان ونموذج القائد المفعم بالنشاط والحيوية والجد والكد والاجتهاد,  لقد اصطفاه الله ليكون عنواناً للدفاع عن رفعة هذه الأمة الغراء, لم يعرف النوم ولا الكلل ولا الملل ولم يغره كثرة العطاء والكرم الذي أبداه بمسيرته الجهادية الحافلة وسخر حياته ووقته وكل مقومات وجوده في سبيل الله.

ميلاد قائد

ولد الشهيد القائد رامز نجيب حرب في تاريخ 26/10/1976م في حي الشجاعية بمدينة غزة، وترعرع في كنف أسرة ملتزمة تلمذت أبنائها على حب الجهاد والمقاومة, ودرس شهيدنا رامز المرحلة الابتدائية بمدرسة حطين والإعدادية بمدرسة الفرات والثانوية بمدرسة الشجاعية، وثم تخصص في مجال الإدارة بجامعة الأزهر ولكنه لم يكمل دراسته بسبب انشغاله الكبير في العمل الجهادي .

 وشهيدنا رامز حرب متزوج ولديه 3 من الأبناء ( عبيدة وهو بالصف الأول إعدادي – أحمد وهو بالصف الخامس – عمر وهو في الروضة) وترتيب شهيدنا الرابع بين إخوته في الأسرة.

 مشوار جهادي ناصع

مشاهد القتل والدمار التي خلفها الاحتلال الصهيوني، تركت أثراً في نفس شهيدنا القائد رامز حرب مما دفعه للانحياز الكامل لخيار الجهاد والمقاومة منذ نعومة أظافره فكان منذ صغره من عناصر الجهاد الفاعلة وتدرج حتى أصبح قائداً ونموذجاً للعمل الإسلامي والجهادي.

وانتمى شهيدنا القائد رامز حرب لحركة الجهاد الإسلامي في عام 1991م وشارك في بداية عمله بالنشاط الطلابي لحركة الجهاد, وكان من المواظبين على الجلسات الدعوية والنشاطات الجماهيرية للحركة حيث تخرج من كنف مسجد السيد علي بحي الشجاعية.

 وتدرج شهيدنا في العمل الدعوي والسياسي في حركة الجهاد الاسلامي حتى أصبح احد رموزه وركائزه, وكان أحد أعضاء اللجنة العامة للفعاليات في حركة الجهاد. وكما شارك شهيدنا في النشاطات الفنية لحركة الجهاد الإسلامي وكان أحد أعضاء فرقة المؤسسة التابعة للحركة وكان يعمل بها ممثلاً ومنشداً في الحفلات الإسلامية.

ورافق شهيدنا رامز حرب الكثير من الشهداء من بينهم (رائد أبو فنونة – السيد تتر – أنور سكر – حسام حرب – ماجد الحرازين – خالد الدحدوح – حسن الخضري – باسم ابو العطا ) والكثير الكثير من الشهداء والأسرى.

وعلى الصعيد العسكري والميداني, عمل شهيدنا رامز حرب خلال الانتفاضة الاولى في خلايا القوى الإسلامية المجاهدة قسم الجناح العسكري السابق لحركة الجهاد الإسلامي، ومع بداية انتفاضة الاقصى أكمل المشوار والمسيرة وتدرج في العمل من ( جندي – أمير مجموعة – أمير فصيل – أمير سرية – أمير كتيبة – مسئول جهاز الإعلام الحربي بلواء غزة).

 وخلال مسيرته الجهادية الطويلة كُلف الشهيد رامز حرب بقيادة كتيبة الرضوان بلواء غزة ، ولبراعته في مجال الإعلام كُلف بقيادة جهاز الإعلام الحربي لـسرايا القدس بلواء غزة, وسجل شهيدنا رامز صفحات ناصعة من البطولة والشجاعة والعطاء خلال رحلته الجهادية المشرفة.

 وكان لشهيدنا أبا عبيدة بصمة في كافة ميادين الجهاد والمقاومة فلم يترك مجالاً عسكرياً او سياسياً أو دعوياً الا وأبدع فيه, حيث عمل مسئولاً عن ملف الشهداء والأسرى في سرايا القدس في لواء غزة ، وكان مساعداً لقائد سرايا القدس بلواء غزة , كما كان له الدور المميز في جهاز العمليات بالسرايا والعديد من التخصصات العسكرية الأخرى.

 صفاته وأخلاقه

للتعرف على شخصية الشهيد القائد رامز حرب عن كثب التقى مراسل موقع الإعلام الحربي بلواء غزة بـشقيقه "هاشم حرب" حيث قال: " كان رامز رحمه الله طيب وذو أخلاق عالية وتميز بعطائه ومساعدته للفقراء والمحتاجين وكان حنون ولين يحب النقاش والحوار.

 وأضاف: "كان شقيقي رامز دائما يتحدث عن سير الشهداء والأسرى وعن بطولاتهم وتضحياتهم العظيمة، وكان يحثنا على الجهاد والمقاومة والتمسك بالحقوق والثوابت التي انتزعها الاحتلال عبر جرائمه وعدوانه".

 وزاد بالقول: "رامز كان ذو شخصية حيوية ومفعمة بالعمل والجد والاجتهاد فلم يكن يعرف الكلل او الملل وكان يواصل الليل والنهار، من أجل ان يدافع عن دينه ووطنه وشعبه المستضعف دون ان يتراجع او يكن". وتابع حديثه: "لقد وصف شقيقي رامز رحمه الله بـ" دينمو السرايا" من كثرة تحركاته ونشاطه اللا محدود الذي عُرف به , حيث كان يمتلك طاقة كبيرة جداً مما جعله متميزاً عن الآخرين".

 إرهاصات الشهادة

وأضاف شقيق الشهيد: "كنا نتوقع استشهاد رامز في أي لحظة لان طريق الجهاد والمقاومة نهايتها الحتمية هي الشهادة في سبيل الله , وفي الآونة الأخيرة كانت هناك عدة إرهاصات وعلامات تدلل قرب استشهاد رامز من بينها: في عيد الأضحى الماضي قال رامز لأشقائه "هذا آخر عيد سوف أضحي فيه .. لن أضحي بعد اليوم" , وكأنه يشعر انه بالفعل سيكون آخر عيد له في الدنيا, كما أن الشهيد رامز أصر على ضرورة زيارة جميع الأقارب وصلة الرحم، و في الآونة الأخيرة كان الشهيد رامز مكثراً من مساعدة الفقراء والمحتاجين، وقبيل استشهاده أوصى أهله بأن يُدفن مباشرة إذا كتب الله عز وجل له الشهادة، وكان مكثراً للدعاء بأن يرزقه الله الشهادة في سبيله.

 وكما أنه أرسل رسالة عبر الجوال لمجاهدي الإعلام الحربي قبيل استشهاده بساعات كتب لهم فيها: "يا مجاهدي الإعلام الحربي المقاوم انتم من تواصلون غضب المقاومة .. انتم من ترقبكم عيون العالم .. أنت روح السرايا وغضبها .. ابقوا ثابتين صورة لا تهز.. يراها كل مضطهد ومجروح .. جهدكم مبارك وعدستكم تواصل الأمل.. انتم في مقلة العين".

وفي ختام حديثه دعا "هاشم حرب" شقيق الشهيد رامز ذوي وعوائل الشهداء للصبر والاحتساب والرضا بما كتبه الله عز وجل , وطالب المجاهدين بمواصلة طريق ذات الشوكة والمضي قدما بهذا الركب العظيم مهما كلف ذلك من تضحيات ودماء".

 وتحدث مسؤول قسم التصوير في جهاز الإعلام الحربي بلواء غزة "أبو إسلام" عن البشرى والرؤيا التي شاهد فيها الشهيد رامز حرب خلال منامه حيث قال "شاهدت في منامي الشهيد أبا عبيدة متواجد أمام مسجد وحينما راني قام بحتضاني بشدة وحرارة وتقبيلي وكان فرحاً جداً , وهذا يبشر خيراً أن أبا عبيدة حي يرزق في الجنان بإذن الله تعالى.

 وأضاف: "حينما رأيت هذا المنام سعدت كثيراً وشكرت الله عز وجل, فبلا شك فراق أبا عبيدة صعب ومرير ولكن عزائي الوحيد انه في الجنة عند مليك مقتدر".

 كما شاهد "طارق الخضري" في منامه الشهيد القائد رامز حرب برفقة شقيقه الشهيد حسن الخضري وكانا في غاية البهجة والسرور والفرحة , وهذا ايضا من مؤشرات الخير والبشريات.

 فراق الحبيب

بدوره قال نجل الشهيد رامز حرب "عبيدة" لمراسل الإعلام الحربي بلواء غزة: "لقد فُجعت كثيراً بفراق والدي الحبيب فقد كان دائما يوفر لنا كل ما نحتاجه ونطلبه ولم يقصر معنا أبدا".

وأضاف: "كان والدي رحمه الله يحثنا ويشجعنا على حفظ القران الكريم وعلى أداء الصلوات الخمس في المسجد، وكان يشجعنا على فعل الخير, وعلى زيارة صلة الرحم, ويحدثنا دائما عن فضل الجهاد في سبيل الله وعن كرامة الشهداء, ومن كثرة تعلقه بالشهداء والمجاهدين كنت أشعر أنه سوف ينول الشهادة".

 وتابع حديثه بالقول: " كان أبي حنون وطيب كريم وشجاع لا يهاب الموت ويخرج في الليل والنهار بدون خوف من طائرات الاحتلال التي كانت تلاحقه وتطارده, وكان يصطحبنا باستمرار لزيارات اهالي الشهداء والاسرى والاقارب".

 وأضاف: "صحيح أن والدي استشهد ولكنني سأكمل المشوار وسوف اسلك نفس دربه وطريقه وحينما اكبر سوف انتمي لسرايا القدس حتى أدافع عن شعبي وأخذ بثأر والدي وكل الشهداء والاسرى والجرحى وأستشهد كما رزق الله والدي الحبيب الشهادة".

 وختم حديثه: " سوف أصبر والدتي وأشقائي أحمد وعمر, فالجرح كبير وفراق والدي صعب ولكن ما يفرحنا ويسعدنا أنه بالجنة وسيتشفع لنا باذن الله يوم القيامة".

رحلة الخلود

في معركة السماء الزرقاء الجهادية وعلى مدار الساعة لم يعرف شهيدنا القائد رامز حرب، طعماً للراحة لا ليلاً ولا نهاراً كان على تواصل دائم مع المجاهدين في ميدان المعركة ومع مجاهدي الإعلام الحربي، لينقل الصورة المشرفة وصوت المقاومة إلى أحرار العالم وكشف زيف الأعداء. ففي اليوم السادس لمعركة السماء الزرقاء يوم الاثنين الموافق 19/11/2012، وأثناء مواصلة شهيدنا القائد أبا عبيدة جهاده ضد المحتل استهدفته طائرات الغدر الصهيونية بعدة صواريخ في مكان عمله التي كان يتواجد به في برج الشروق بمدينة غزة وهو برفقة عدداً من المجاهدين، مما ادى الى ارتقائه شهيداً نحو علياء المجد والخلود، وإصابة عدد آخر من المجاهدين، فرحل ابا عبيدة الى ما تمنى وأحب بعد رحلة حافلة بالجهاد والتضحيات الجسام في صفوف حركة الجهاد الإسلامي وسراياها المظفرة سرايا القدس، وترك خلفه جيلاً مجاهداً مازال على دربه وخطاه حتى النصر او الشهادة، فسلام عليك في الخالدين.

كلمات دلالية