غزة تُغير مسار الرياح .. فهل ينجح السياسيون في تثبيت ما حققه العسكر؟

الساعة 06:56 م|17 نوفمبر 2018

فلسطين اليوم

غزة تُغير مسار الرياح .. فهل ينجح السياسيون في تثبيت ما حققه العسكر؟

بقلم الباحث السياسي/ محمد فايز الحسني

يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين
«أتمنى أن أستيقظ من النوم ذات صباحٍ فلا أجد غزة على الخريطة». إنها غزة .. !!

غزة البقعة الجغرافية الساحلية تتصدى للرياح العاتية ، بدأت الجولة من المنطقة الشرقية لمدينة خان يونس مساء يوم الأحد ١١ نوفمبر ٢٠١٨ ، حيث فشل العقل الأمني الاستخباراتي الصهيوني فشلاً كبيراً في تحقيق ضربةٍ أمنيةٍ في عمق المقاومة ، إثر دخول قوته الخاصة الى خان يونس لتنفيذ مهامٍ متعددة ؛ وقد جعل كشف هذه العملية الامنية على يد المقاومة في غزة ضربةً كبيرةً تلقاها الجيش الاسرائيلي بجميع فروعه لا سيما جهازَيْ الشاباك والموساد ، ومع أول طلقة رصاصةٍ هرولت القوة الخاصة تجرُّ أذيال الخيبة وتحرَّكَ على أثرها الطيران الحربي ليقطع على المقاومة أيّ طريقٍ لملاحقة قوتهم وذلك باستهدافهم بأكثر من ٧٠ غارةٍ مشكلاً بذلك حزاماً نارياً يحمي قوته الخاصة ويُمكّنها من التملص والانسحاب إلى الاراضي المحتلة عام ٤٨ خشية وقوعها في الأسر، مما أدى لاستشهاد ٧ مقاومين على رأسهم الشيخ نور بركة القائد الميداني في كتائب القسام ، في المقابل خسر العدو ضابط العملية وعدداً من الإصابات الخطرة في قوته ، وباعتراف العدو تم سحبهم بواسطة الطيران المروحي بعدما قلبوا تضاريس الأرض شرق خان يونس لانقاذ ما تبقى من جنودهم، مدمرين خلفهم كلّ أثرٍ يكشف تفاصيل العملية ، في محاولة لمسح مسرح العمليات بالكامل .

إبداعات المقاومة حاضرة

تقول القاعدة الأمنية” قوة الأمن في كشفه للعمل الأمني قبل وقوعه”، وهنا كانت معيّة الله تحفظ المقاومين وتمدّ بصيرتهم حيث شكّل إبداع المقاومة الأمني ضربةً مدويةً في العقل الاستخباري للعدو ، يقظة وقدرة المقاومة وسرعة التنفيذ وإيقاف القوة المتسللة ومحاصرتها ؛ عوامل تكشف بأن قطاع غزة يمتلك مخزوناً أمنياً وثورياً يوزاي قدرات العدو العقلية ويتفوق عليه ، مع فارق العدة والعتاد .

تكاملية الأدوار

تنسيق الأجهزة الأمنية مع المقاومة كان بمثابة الحلقة الذهبية في مشهد المقاومة و هو التنسيق الأمني المُقدس لدينا في قطاع غزة ، هذا التنسيق جعل العدو في حالة عدم ثقةٍ بعملائه على الأرض ، ليذهب بنفسه لتنفيذ العمل الأمني والاستخباراتي وهذا مؤشرٌ على نظافة قطاع غزة بالحد الأدنى من الجواسيس والعملاء الذين تلقوا ضرباتٍ أمنيةٍ كبيرة وما زلوا حتى اللحظة ، والخيوط تتكشف تباعاً ، نحن أمام عقليةٍ فلسطينيةٍ تضع آلآف الأسئلة والسيناريوهات لتصل الى الاجابات الشافية في العمل الأمني والأيام القادمة تحمل في طياتها المزيد من الابداعات والأسرار عن فشل العدو في عمليته الامنية شرق خان يونس.

عنصر المبادرة والمفاجأة

أن تبدأ المقاومة في الرد النوعي في أقل من ٢٤ ساعة على عملية خان يونس الأمنية يعتبر في عُرف العمليات العسكرية  ( اقتداراً وقوة ) حيث الإمساك بالأرض جيدا وتحديد نقاط ضعف العدو وجهوزية بنك الأهداف ، تمثلّ ذلك بضربةٍ قاسمةٍ بصاروخٍ موجه من نوع كورنيت شرق جباليا (والرسائل مفتوحة) التي تلت ضرب الحافلة في اشارةٍ قوية لا لبس ولا غبار فيها أنّ المقاومة قادرةٌ على تحويل جنود نخبة العدو الى رمادٍ إن فكر بشن مواجهةٍ واسعةٍ ضدّ غزة ، تداعيات هذه الضربة جعلت من قيادة العدو مهزلةً امام جيشه وشعبه وصولا للرأي الدولي ، وأعطت المقاومة قدرةً على المناورة والتفاوض تحت النار Negotiate under fire وهذا أسلوبٌ ابتدعته المقاومة الفيتنامية ضد أمريكا ، أسلوبٌ ينذر العدو بالقدرة والقوة ونوعية المعركة والقراءة واضحةٌ خاصةً بعدما لحقتها رشقاتٍ صاروخية غطت مساحات غلاف غزة بكثافةٍ ناريةٍ عالية وصولاً الى هدم بنايات في عسقلان ، الكثافة النارية أفقدت منظومة الدفاع الصاروخي (القبة الحديدية) وهو مايعرف بأسلوب الإغراق dumping وكشفت ثغرات هذه القبة ، وبحسب المصادر الاعلامية تم اسقاط ١٠٠ صاروخ من أصل ٤٦٠ صاروخ اطلقتهُ المقاومة من غزة.

الغرفة المشتركة وتوزيع شبكة النيران 

شكلت الغرفة المشتركة في قطاع غزة لفصائل المقاومة نوعيةً في العمل ، لأول مرة يعمل ١٣ جناحاً مسلحاً في قيادة عمل موحد ببدأون معاً ويتوقفون معاً ، التنسيق العالي في المواجهة والرد جعل المتابعين والمختصين يشاهدون نواةً لجيش التحرير الفلسطيني ، نحن امام وزارة دفاع متكاملة الأركان ، قدرةٌ في التنسيق ، نوعيةٌ في الصواريخ ، ادارةٌ لشبكة النيران ، قوةٌ في الرسائل الإعلامية ، أداءٌ منضبطٌ وموزونٌ في الميدان ، و التفافٌ شعبي كبيرٌ للمقاومة ، في المقابل فشل استخباراتي اسرائيلي، تصدع في الجبهة الداخلية الاسرائيلية ، مسار الصواريخ النوعية لدى المقاومة صدم ليبرمان ونتنياهو في عرض الحائط وافرز عن استقالة ليبرمان و فشلٍ في القرار السياسي الاسرائيلي بالتعامل مع غزة.

الجبهة الداخلية للكيان الصهيوني

أكد استطلاع للرأي العام الإسرائيلي أجراه معهد “بانل بوليتيكس” لصحيفة “معاريف”، أن غالبية الإسرائيليين يعتقدون أن المقاومة خرجت منتصرة من جولة التصعيد الأخيرة في قطاع غزة ، بالإضافة إلى أن الإسرائيليين غير راضين عن أداء رئيس الحكومة ، بنيامين نتنياهو ، ووزير الأمن المستقيل حديثًا أفيغدور ليبرمان وهنا اشارة كبيرة على حجم التصدع الداخلي الذي عكسه ميدان المقاومة والقدرة على قلب الأوراق في المعادلة ، اضافةً الى خروج آلآف المستوطنين الى شوارع سديروت واحراق اطارات السيارات واغلاق المفترقات الرئيسية احتجاجا على قرار وقف اطلاق النار مع غزة وحديثهم امام الاعلام عن فشل حكومتهم وجيشهم  من ردع قطاع غزة ، نحن أمام تصدعٍ في الشارع الاسرائيلي وفقد الثقة بين الشعب الاسرائيلي والحكومة ، وعلق الرئيس الأسبق لهيئة أركان قيادة المنطقة الجنوبية حول التصعيد الأخير قائلا :

” المواجهة الأخيرة مع غزة دلت أن إسرائيل تعيش أرذل مراحلها الأمنية ولم يسبق لذلك مثيل منذ حرب ال٧٣ ”

تغير الرياح لمسار المقاومة

قالوا قديماً ” الثورة سمكةٌ وبحرها الشعب ”

المُتابع للتطورات الميدانية خلال الساعات السابقة في قطاع غزة يرى الحالة الروحية العالية لشعب غزة ومدى الالتفاف الشعبي الكبير حول المقاومة ودرجة الثقة بين المقاومة وشعبها بخلاف الكيان الصهيوني وشعبه ، كادت اسرائيل من خلال عمليتها الأمنية قلب الأرواق وخصوصا بعد تفاهمات مصر وقطر وحماس محاولةً بقوةٍ عزل المقاومة عن بيئتها وحاضنتها الداخلية وما تبين لاحقا من أجهزةٍ ومعدات الكترونية بقيت خلف القوة الخاصة يبين حجم المؤامرة و يبرز هنا سؤال كيف لو نجحت هذه العملية ؟

اننا امام استحقاقٍ كبير نتيجة قدرة المقاومة على تغيير مسار الرياح ونقل المعركة الى داخل الكيان الصهيوني وضرب حاضنة جيشه وخلطٍ لأوراقه واسقاط معادلة الردع لديه ، عوامل كثيرةً أفرزت فشلاً سياسياً لدى صانع القرار في أعلى الهرم الاسرائيلي ، وسمحت لعودة الوفد الأمني المصري ممثلةً باللواء أحمد عبد الخالق لادارك الاطراف كافةً قوة المقاومة ، ومحاولةً ضبط الايقاع بما لا يتسبب باندلاع مواجهةٍ واسعة ، وتثبيت التفاهمات السابقة لا سيما التخفيف من الأدوات المستخدمة في مسيرات العودة ودخول الوقود والأموال القطرية عبر تفاهمات لعدة شهور قادمة ، رغم أنها في مرحلتها الأولى ومحاولة اسرائيل سحب انتصار حماس وفصائل المقاومة بهذه الاستحقاقات المنتزعة رغم عن أنفه ، المقاتلون والعسكر في ميدان المقاومة يثبتون قدرتهم ونجاعتهم على المواجهة ومفاجئتهم للعدو والصديق بالفعل والاقتدار ونوعية العمل وحجم الاعداد الصامت خلال السنوات السابقة ، وفي المقابل هناك عدوٌ متخبطٌ متضعضع داخليا وحساباته مشكوفةٌ امام المقاومة وعقولها.

هل ينجح السياسيون في تثبيت ما صنعته القوة العسكرية في غزة؟

لايمكن قياس اي فعل دون معرفة الاهداف الإستراتيجية لهُ ومتباعتهُ في المراحل ، ان ما يطمئن له المتابع هو وجود تناغمٍ سياسيٍّ مع المقاومة وتطلعات الشعب ، مع ادراكنا حجم المرحلة وتعقدياتها ، لكن من حقنا أيضا أن نخشى الانزلاق في مربع الاقليم وتداعياته على القضية الفلسطينية ، وخاصةً ما نشاهده من غزل وتطبيع متكامل وتوزيع ادوار مع العدو الصهيوني ، وأيضاً لا نسقط النتائج السياسية المترتبة على حكومة نتنياهو حيث يُفترض أن غداً الأحد سيجتمع كل رؤساء الكتل المشاركة في الحكومة ، نعم انها محطة مفصلية في تحديد مستقبل الحكومة والكنيست على حدٍ سواء وهناك سيناريوهان محتملان:

أولا:  اما ان يتم الاتفاق على استمرار الحكومة بصيغتها الحالية الى آخر عهدها وفق اتفاقات محددة أو ان يتم الاتفاق على تحديد موعدٍ للانتخابات المبكرة في العام المقبل والى ذلك الحين تواصل الحكومة عملها.

ثانيا: أن تنفجر الخلافات بين أطرافها وهو ما سيؤدي الى طرح قانون لحل “الكنيست” الذي يفترض أن توافرت له هذه الحالة ، غالبية تسمح بالمصادقة عليه ويتحدد في ضوئه موعد الانتخابات المبكرة !!

نحن أمام فرصة كبيرة لقلب الأوراق أكثر داخل الكيان الصهيوني وحكومتهم وتشكيل حالة اختراق ( لو أردنا ذلك ) واستغلال حالة الاشتباك السياسي ، شرط الاستناد الى قاعدة الوحدة الوطنية وتكامل الأدوار في ظل غياب السلطة الفلسطينية عن المشهد ! بحجة أن الممثل الشرعي والوحيد هي منظمة التحرير فهل ينجح السياسيون في ذلك.!!

كلمات دلالية