نار في التوقفات- معاريف

الساعة 03:10 م|16 نوفمبر 2018

فلسطين اليوم

نار في التوقفات- معاريف

بقلم: يوسي ملمان

          (المضمون: الردع الإسرائيلي الذي تحقق في الجرف الصامد تآكل تماما. حماس تملي الخطوات. وسكان الجنوب الذين تركوا لمصيرهم اصبحوا رهائن لحكومة جبانة لا تريد أن تتخذ ما هو متوقع من كل حكومة: قرار شجاع وحاسم - المصدر).

          اخذت الكليشيهات بالنفاد. فقد قيل كل شيء وبات كل شيء معروفا تقريبا عن جبهة غزة. ولكن ما يولي استخدام الأدوات اللفظية المتآكلة هو الواقع الدائري الذي تدور فيه إسرائيل وحماس وينتج إحساسا بتكرار الحال. ومع ذلك، يمكن التشديد على بضع حقائق برزت هذا الأسبوع أكثر من غيرها.

          في غضون يوم ونصف من هذا الأسبوع اطلقت حماس اكثر من 460 صاروخا وقذيفة هاون نحو إسرائيل. هذا عدد مجنون – ذروة كل الأزمنة منذ بدأن النار الصاورخية في غزة في 2001. بعض من الصواريخ التي اطلقت كانت أكثر دقة، تحمل رؤوسا متفجرة اكبر، واصاباتها اشد. واضح أن بعضها اطلق في صليات، لغرض التشويش، والتحدي وفرض المصاعب على القبة الحديدية لاعتراضها. لا شك انه بالعلم والتوجيه من ايران وحزب الله، اخذ مهندسو حماس ورجال صناعة السلاح لديها يتحسنون.

          ولتلطيف الوقع على الاذن فقط، ففي نهاية حملة الجرف الصامد في نهاية آب 2014 اطلق في يوم واحد اقل من 200 قذيفة هاون. اطلقت حماس هذا الأسبوع كمية من الصواريخ وقذائف الهاون تساوي 10 في المئة من اجمال ما اطلقته (نحو 4.600) في خمسين يوما من المعارك في الجرف الصامد، إضافة الى صاروخ مضاد للدبابات من طراز كورنيت أصاب الباص وجرح جنديا واحدا. كان هذا خللا عملياتيا جديا في اعقاب قرر قائد الذراع البري اللواء يعقوب باراك تعيين ضابط للفحص.

          حملت احداث هذا الأسبوع  إسرائيل وحماس الى اقرب ما يكون من حافة الحرب الشاملة منذ شهر اذار، حين بدأت حرب الاستنزاف من حماس، المظاهرات على الجدار والمس به وبجنود الجيش الاسرائيلي، احراق الحقول، اطلاق البالونات الحارقة والطائرات الورقية. كما أن هذا كان التصعيد الأكبر منذ الجرف الصامد.

          اعادت احداث هذا الأسبوع الى الذاكرة الاحداث التي سبقت الحرب في 2014. في حينه بدأ هذا باختطاف تشوش وانتهى بقتل ثلاثة تلاميذ المدرسة الدينية في غوش عصيون، الحدث الذي أدى الى رد قاس من إسرائيل ضد حماس في الضفة،  اعتقال مئات من نشطائها، الى رد مضاد من المنظمة في شكل نار صاروخية وقذائف هاون، والتدحرج الى حرب لم يرغب فيها الطرفان.

          هذه المرة أيضا بدأ كل شيء بخطوة تشوشت، حين تسللت قوة من الجيش الإسرائيلي الى عمق أراضي غزة (3 كيلو متر). يمكن التقدير انه يوجد في السنة مئات العمليات كهذه يقوم بها الجيش والمخابرات والموساد خلف حدود إسرائيل. كل عملية كهذه تخطط بعناية، في ظل فحص كل الجوانب والاعتبارات، وتفحص على نحو خاص المخاطر التي تنطوي عليها. كل العمليات من هذا النوع تحتاج الى مصادقة كل المستويات القيادية، بدء من رئيس شعبة الاستخبارات (او رئيس الموساد او رئيس الشاباك)، رئيس الأركان، وزير الدفاع ورئيس الوزراء. توقيت العملية تتركه القيادة السياسية لقرار القيادة العسكرية. وبالتالي فان الادعاءات التي نشرت وكأن العملية في غزة، والتي قتل فيها المقدم م تمت دون اذن نتنياهو الذي كان في باريس – هي هراء مطلق.

          واضح أن كل عملية تسلل خطيرة. عملية سرية في غزة أخطر باضعاف بسبب ظروف المنطقة، اكتظاظ السكان ويقظة حماس. ولكن لا مفر من تنفيذ عمليات كهذه اذا كنا نريد الوصول الى التفوق على العدو.

          ما ان تشوشت العملية السرية، حتى توجه كل الانتباه العسكري والاستخباري لإنقاذ القوة من ارض العدو. ولا يترددون في استخدام كل الوسائل وهذا ما حصل هذه المرة أيضا. فقد استخدم سلاح الجو، وبدأ تبادل لاطلاق النار قتل فيه 7 فلسطينيين. ردت حماس بنار الصواريخ. ولكن اعتقدوا في إسرائيل بانها ستكتفي بذلك، فقد كان هذا خطأ فظيعا. لقد رأت حماس في العملية وعن حق، خرقا فظا لسيادتها، وردت بموجب ذلك. اطلقت الصواريخ الى مناطق بعيدة مثل البحر الميت وجنوب جبل الخليل كي تنقل رسالة واضحة لإسرائيل. لدينا صواريخ بعيدة المدى ويمكنها ان تصل الى غوش دان أيضا وربما الى شمالها.  ولكن في واقع الامر كان عدد اطلاق الصواريخ الى المركز ينطوي على إشارة لجم ذاتي. واضح لحماس ان النار على غوش دان تفسر – عن حق وعن غير حق – كعملية دراماتيكية تشكل تجاوزا لخط احمر.

          ناهيك عن ان حماس تشخص ضعف إسرائيل التي لا تريد الخروج الى حرب. وخير ان هكذا. فمع كل الأسف والتفهم لمعاناة سكان الجنوب، من الأفضل دوما ان يعاني الأطفال في الملاجيء من ان يكون قتلى وجرحى في حرب لا غاية لها. وبخلاف الاحداث التي سبقت الجرف الصامد، هذه المرة، مرة أخرى، تدحرج الطرفان نحو وقف هزيل للنار، وليس الى حرب.

* * *

          واضح ان إسرائيل وحماس لا تريدان حربا شاملة. الكابنت، الذي كف منذ زمن بعيد عن ان يكون محفل اتخاذ القرارات واصبح بقدر اكبر ساحة لتنفيس الوزراء، منقسم. ليبرمان – الذي استقال في هذه الاثناء – بينيت، شكيد والكين مستعدون للمخاطر بحرب، بكل معانيها: عشران ان لم يكن مئات القتلى والجرحى بين الجنود والمواطنين، اخلاء بلدات، شل الاقتصاد، تدمير منازل، واغلب الظن أيضا تعطيل الحركة الجوية لإسرائيل. صحيح ان الوزراء الذين يدفعون الى خطوة عسكرية شركاء في المسؤولية عن كل قرار، ولكن هذه المسؤولية مخففة مقارنة بمسؤولية رئيس الوزراء.

          هكذا بحيث ان مداولات الكابنت بكل ما يتعلق بغزة تجمدت في نمط ثابت بما يكفي. الوزراء يسمعون استعراضات من رؤساء جهاز الامن، وفي اعقاب ذلك يبدأ نقاش يعرب فيه كل وزير عن رأيه، ولكن في نهايته لا تتخذ أي قرارات. ففي القرار الا يتقرر شيء، يلقي الكابنت الحسم عمليا امام بوابة رئيس الوزراء.

          نتنياهو يوجد في معضلة شديدة. فهو يفهم ان من شأن الحرب ان تعقد وضعه السياسي اكثر فأكثر الوضع المهزوز على أي حال بسبب التحقيقات. ولكن حتى لجهوده لمنع الحرب يوجد ثمن. في سديروت تظاهر هذا الأسبوع ضده نحو الف متظاهر. كما ان اليمين والمعارضة ايضا يلاحقونه. لا اعتقد أنه يفكر في موضوع ثقيل الوزن كهذا بالاعتبارات الشخصية والسياسية فقط. فهو يعرف كيف تبدأ الحروب، ولكنه يفهم أيضا بان أحدا لا يعرف كيف تنتهي. في كل تخطيط لخطوة عسكرية واسعة النطاق يجب ان تشمل استراتيجية النهاية، ومشكوك انه يمكن تخطيط استراتيجية كهذه لخطوة عسكرية مكثفة في غزة حتى دون دخول بري. لقد سبق لنتنياهو ان قال علنا بانه كان سيفكر بإصدار الامر لاحتلال القطاع واسقاط حكم حماس لو كان هناك من يسلمه الحكم هناك.

          يوجد حل واحد قد يكون بوسعه انقاذ إسرائيل من الفخ، ولكن حكومة إسرائيل تتملص منه. في واقع الامر يدور الحديث عن بديلين يوجدان لدى رئيس الوزراء.

          الأول هو الوصول الى اتفاق لبضع سنوات، مقابله ترفع إسرائيل الحصار عن غزة (والذي هو هدف حماس في حرب الاستنزاف هذه) ويسمح باعمار القطاع. لهذه الخطوة اثمان أليمة: الاعتراف بحماس، تحرير مخربين من اجل الوصول الى صفقة تبادل تعيد جثماني الجنديين والمدنيين الحيين، التخلي عن السلطة الفلسطينية كطرف حوار، والمساعدة في إقامة كيان سياسي مستقل في غزة – حماستان.

          البديل الثاني هو تحريك مسيرة سياسية حيال السلطة، كي تعود هذه لتكون صاحبة السيادة، نظريا على الأقل، في غزة. لهذه الخطوة أيضا يوجد شارة ثمن عالية جدا: إسرائيل ستضطر الى منح تسهيلات للفلسطينيين والتنازل في موضوع المستوطنات.

          حكومة نتنياهو (ولابو مازن أيضا توجد مسؤولية مشاركة ثقيلة) غير مستعدة لان تدفع الاثمان التي ينطوي عليها أي من  هذين الخيارين. بدلا من ذلك فانها تفضل المراوحة من وقف للنار الى وقف آخر للنار. ولكن حتى لهذا يوجد اثمان اليمة جدا: الردع الإسرائيلي الذي تحقق في الجرف الصامد تآكل تماما. حماس تملي الخطوات. وسكان الجنوب الذين تركوا لمصيرهم اصبحوا رهائن لحكومة جبانة لا تريد أن تتخذ ما هو متوقع من كل حكومة: قرار شجاع وحاسم.

كلمات دلالية