حماس تسارع الى الاحتفال بالنصر ولكن - هآرتس

الساعة 03:06 م|16 نوفمبر 2018

فلسطين اليوم

حماس تسارع الى الاحتفال بالنصر ولكنها تتوقف لاستخلاص الدروس ايضاهآرتس
بقلم: تسفي برئيل

          (المضمون: حماس اخذت المخاطرة عندما اطلقت النار في كل الاتجاهات، لكنها أجادت قراءة الخارطة السياسية الاسرائيلية. واستقالة افيغدور ليبرمان اثبتت أن حماس راهنت بصورة صحيحة، ولكن الواقع الفلسطيني الداخلي سيجبرها على التنازل - المصدر).

          المديح الذي اغدقه هذا الاسبوع حزب الله على سلوك حماس امام العدو ليس بعيدا عن تربيت ذاتي على كتف من يسمون انفسهم "منظمات المقاومة" وكأن الامر يتعلق بتلميذ متميز في النادي. في اسرائيل ايضا سارعوا الى مقارنة طبيعة أداء حماس في المواجهة الاخيرة مع طريقة أداء حزب الله. من منح هذه المقارنة الخاتم "المهني" هو المحلل السياسي اللبناني د. أمين الخطيب، وهو جنرال متقاعد كان من بين المراقبين من الطرف اللبناني على الانسحاب الاسرائيلي من لبنان في العام 2000.

          في مقابلة مع موقع "الرسالة" لحماس اشار الى اربعة تجديدات بطريقة عمل حماس: استخدام ذكي في ساحة قتال صعبة واكثر تعقيدا من طبوغرافية لبنان، التي تسمح للقوات بالاختفاء والعمل في ظروف ارض تعطي الحماية للمقاتلين، حماس اطلقت مئات الصواريخ والقذائف بكل اتجاه، وبهذا نجحت في ارباك العدو. كما نجحت في ممارسة ضغط كبير على سكان غلاف غزة مثل الضغط الذي مارسه حزب الله على مستوطنات الشمال، كما أن كل نشاطاتها رافقها باعلان مرافق وتحليلات ناجعة اظهرت قدرة حماس.

          كما يبدو الحديث يدور عن استراتيجية وضعت في مدرسة حزب الله، ولكن من بين كل "التجديدات" التي ليست حقا جديدة، يبدو أن قرار "اطلاق عدد كبير في كل الاتجاهات" خلافا لاستراتيجية التصعيد التدريجي، استهدف أن يجعل اسرائيل تتخذ قرارا مستعجلا. إما لحرب شاملة أو لوقف اطلاق نار سريع. كانت هذه مخاطرة كبيرة من جانب حماس. كمنظمة تتابع بحرص الساحة السياسية في اسرائيل، هي تعرف جيدا الخلاف بين رئيس الحكومة وبين ليبرمان وبينيت. وهي تدرك موقف الجيش والشباك، اللذان يعارضان الحرب الشاملة، وهذه المرة نجحت في قراءة الخارطة السياسية جيدا. إن استقالة ليبرمان اثبتت فقط لحماس بأن عملية اتخاذ قراراتها كانت صحيحة، وهكذا ايضا ردت قيادتها على بيان الاستقالة، عندما سارعت الى التبشير بأن "استقالة ليبرمان هي اعتراف بالهزيمة امام المقاومة".

مصادر فلسطينية قالت للصحيفة إن المحادثات التي اجراها رؤساء المخابرات المصرية مع القيادة الاسرائيلية ركزت اساسا على اقناعهم بأن حماس ليس فقط لا تريد توسيع الجبهة، بل هي تريد العودة الى اطار المحادثات حول التهدئة، وهي ايضا منظمة مستعدة للوفاء بالتزاماتها؛ وكدليل على ذلك اشاروا الى الطريقة التي عالجت بها المظاهرات في نهاية الاسبوعين الاخيرين اللذين سبقا النقاشات باشراف مصر، التي تحرص على تذكير اسرائيل بأنها هي نفسها كانت ترى في حماس حتى قبل سنتين منظمة ارهابية تحاربها بلا هوادة. مصر اغلقت حدودها مع غزة، دمرت معظم الانفاق وخلقت بصورة قاسية منطقة فارغة من السكان بعمق بضع كيلومترات بين غزة وشبه جزيرة سيناء. هذا الضغط فعل فعله عندما اضطرت حماس للموافقة على شروط مصر وأن تمنع بنفسها تسلل نشطاء من القطاع الى سيناء، ودخول نشطاء تنظيمات ارهابية مصرية من سيناء الى غزة. الآن حماس حسب المصريين هي عنصر هام في الحفاظ على أمنها، ومن الضروري  للحفاظ على مكانتها لصالح أمن اسرائيل ايضا.

مصر لم تجد صعوبة في اقناع حماس بأهمية وقف اطلاق النار بعد أن فهمت من زعماء حماس بأن الاستراتيجية التي وقفت خلف الاطلاق الكثيف الذي شمل اكثر من 400 صاروخ وقذيفة، استهدفت ليس فقط استعراض العضلات، بل ايضا "اغلاق افواه" معارضي حماس، ومن بينهم لجان المقاومة وحتى الجهاد الاسلامي شريك حماس في محادثات التسوية، والذي تفاخر قبل شهر باطلاق الصواريخ على اسرائيل.

          استعراض القوة واعتبارات سياسية داخلية، قدر المصريون، اكثر سهولة على العلاج من استراتيجية "التدمير الذاتي" التي بحسبها حماس ستسعى الى حرب شاملة تمارس ضغط دولي على اسرائيل وتطرح على جدول الاعمال الدولي سياسة الاغلاق الاسرائيلية. لم يكن لحماس أي سببب للتمسك بهذه الاستراتيجية، حيث أنها وافقت على مناقشة التسوية التي ستحرر غزة بالتدريج من حبال الاغلاق. مصر حذرت زعماء حماس من أن مواصلة اطلاق الصواريخ والقذائف سيؤدي الى احتلال غزة، وأن نتنياهو يتعرض لضغوط سياسية شديدة لشن عملية واسعة ستدمر احتمالية أي تسوية وتوقف تزويد الوقود وتدفق الاموال القطرية. حسب مصدر صحفي في غزة، أحد اعضاء الوفد المصري ذكر لمحدثه من حماس الندم الذي اظهره حسن نصر الله بعد حرب لبنان الثانية عندما قال بأنه لو كان يعرف أن رد اسرائيل سيكون هكذا لما كان سيختطف الجنود. "هل تريدون مقارنة انفسكم بحزب الله، تذكروا حالات فشل المنظمة وليس فقط نجاحها في طرد اسرائيل من لبنان"، قال رجل المخابرات المصرية حسب اقوال المصدر.

          المقارنة مع حزب الله ربما تشجع حماس، ويوجد فيها ما يؤطر حماس كتهديد وجودي في نظر الاسرائيليين، لكن هذه مقارنة مضللة. إن عرض الاستخدام الحكيم للسلاح والطبوغرافيا والاعلام المقترن بساحة الحرب كأسس للمقارنة، يشبه من يقارن بين الجيش الاسرائيلي ورجال شرطة السلطة الفلسطينية، بأن هؤلاء واولئك يرتدون الزي العسكري ويحملون الرتب. لحماس لا يوجد جبهة داخلية استراتيجية مثلما يوجد لحزب الله، وليس لها دولة – حكم توفر لها السلاح والاموال. مقابل حزب الله الذي يملي تشكيل حكومة لبنان وبذلك يحدد مكانتها الدولية (لكنه ليس مسؤولا عن الادارة المدنية للدولة) حماس مسؤولة عن كل مناحي الحياة في القطاع، وبناء على ذلك فان الضغوط التي تستخدم عليها من الاسفل اكثر شدة من التي تستخدم على حزب الله في لبنان.

          مقابل حزب الله الذي ليس له في لبنان منافس عسكري يستطيع أن يهدد حصريته في استخدام السلاح ضد اسرائيل، يوجد لحماس منافسون مسلحون يتحدون في كل مرة الاحتكار الذي تريده لنفسها في ادارة علاقات غزة – اسرائيل. الشبه الاهم بين المنظمتين هو أنهما تمأسستا. حزب الله تحول من منظمة "مقاومة" الى جزء من المؤسسة السياسية والاقتصادية. وحماس تحولت من منظمة "شؤون اجتماعية" عملت حسب الايديولوجيا الاجتماعية للاخوان المسلمين الى منظمة مقاتلة – وطنية تنافس منظمات اخرى مثل فتح والجهاد الاسلامي، ومن هناك تطورت واصبحت حكومة مستقلة وملتزمة، مثل حزب الله، باستخدام استراتيجية سياسية يمليها الجمهور الذي تسيطر عليه، الى جانب التكتيك العسكري.

          من هنا فان الاستنتاج الذي يقول إن "الانتصار على اسرائيل" و"استخذاء الحكومة"، حسب اقوال ليبرمان من شأنه تشجيع منظمات اخرى بما فيها حزب الله ايضا، على تحدي اسرائيل، هو بالاساس استنتاج ديماغوجيا سياسية. البيئة العسكرية والسياسية التي تعمل فيها حماس تختلف عن التي تعمل فيها تنظيمات ارهابية "عادية" أو تنظيمات شبه سياسية مثل حزب الله. هكذا، حماس اعلنت بأنه تم الاتفاق على العودة الى شروط وقف اطلاق النار التي وجدت بعد الجرف الصامد. من ناحية عسكرية الحديث يدور عن صيغة "الهدوء سيقابل بالهدوء"؛ ولكن حماس تسعى الى تحقيق تطبيق الوعود الاقتصادية التي جاءت مع تلك التفاهمات، خاصة تحقيق وعود الدول المانحة بتخصيص 5.4 مليار دولار لاعادة اعمار القطاع، كما اتفق في مؤتمر شرم الشيخ الذي نظمته مصر. مشكوك فيه اذا كانت هذه الوعود ما زالت سارية المفعول، لكن حتى لو تم تطبيق عدد منها فانها ستلزم حماس بالتوصل الى مصالحة مع فتح ومع السلطة الفلسطينية. هذا هو الشرط الذي تضعه مصر الآن امام حماس، ولهذا الهدف فقد صاغت في الشهر الماضي عدة مباديء معدلة من شأنها أن تحرك عملية المصالحة.

          من بين امور اخرى تنص هذه المباديء على أن الحكومة الفلسطينية برئاسة رامي الحمد الله تعود للسيطرة على القطاع وتتعهد بدفع الرواتب، على الاقل لنصف الموظفين الذين عينتهم حماس. اللجنة الادارية التي تم تشكيلها في 2017 لتسوية مكانة الموظفين ستنهي عملها خلال ثلاثة اشهر. لجنة قانونية برئاسة قاض محايد تفحص القوانين التي سنتها حماس في القطاع خلال سنوات حكمها وتقترح طرق لدمجها في نظام قوانين فلسطيني شامل. لجنة اخرى ستفحص مكانة اراضي الدولة في غزة التي بيع جزء منها لتمويل نفقات حماس. وخلال ثلاثة اشهر ستشكل حكومة وحدة فلسطينية. بالنسبة لمكانة القوات المسلحة لحماس والسلاح الموجود بحوزتها، وهذا بند اساسي في طلبات محمود عباس، فان مصر تقترح مناقشة ذلك بشكل منفصل دون أن تفصل موقفها. اذا وافقت حماس على هذا العرض فذلك سيكون المرة الاولى التي تكون مستعدة فيها للتفاوض حول مكانة ذراعها العسكري وسلاحها. بعد أن قالت في السابق إن هذه المواضيع ليست محل مفاوضات.

          الخطوات المصرية لاجراء مصالحة فلسطينية لا تتساوق مع سياسة اسرائيل التي استندت الى الانقسام بين حماس وفتح كدرع واق ضد كل عملية سياسية. ولكنها تجد صعوبة في تخريب هذه الخطوات اذا قررت مصر تجاوز موافقتها. هذه الخطوات حماس تفهم جيدا أنها تحتاج الى هدوء في القطاع. من هنا تأتي اهميتها ايضا من ناحية اسرائيل. هكذا، اذا وجدت معادلة ردع تجاه حماس فمن شأنها أن تستند بالتحديد على هذه الخطوات السياسية، وليس بالضرورة على التهديدات العسكرية.

كلمات دلالية