حماس ونتنياهو يلتقيان في مفترق مصالح مشتركة في غزة- هآرتس

الساعة 03:00 م|16 نوفمبر 2018

فلسطين اليوم

حماس ونتنياهو يلتقيان في مفترق مصالح مشتركة في غزة- هآرتس

بقلم: عميره هاس

          (المضمون: حماس تتفاخر بالانتصار في غزة، لكن كصاحبة سيادة هي تعرف الواقع جيدا: لا يوجد أي فلسطيني في القطاع يمكنه تحمل الرعب اللعين لهجوم اسرائيلي جديد. الرغبة الخفية فقط لنصف حماس في وقف اطلاق النار هي ايضا اثبات على حاكميتها ونضوجها كقيادة حاكمة - المصدر).

          حماس اعلنت عن انتصار عظيم بعد كل هجمة من الهجمات الاسرائيلية الثلاث الكبرى منذ العام 2008 التي خلفت قتلى كثيرين ودمار كبير في القطاع. اذا كيف لا تعلن عن الانتصار في الوقت الذي فيه الـ 400 صاروخ التي اطلقتها (وقتل شخص بصواريخها، هو عامل فلسطيني) لم تنته بحرب رابعة؟ ان عرض الانتصار يشير الى الازدواجية في رؤية حماس الذاتية، كما تظهرها للخارج: منظمة تقاوم الاحتلال الكولونيالي من جهة، ومن جهة اخرى صاحبة السيادة في قطاع غزة التي تعبر عن ارادة الله والشعب (في انتخابات 2006، لكن من يحسب) والتي تخطو الى قيادة الشعب الفلسطيني كله. كمقاومة، حماس تتفاخر بانتصارات حقيقية أو مزيفة. كصاحبة سيادة، يوجد لديها موظفين يجب أن تدفع لهم الرواتب، وشوارع يجب أن تشقها، هي سعت الى وقف اطلاق النار. هنا، كما في حقائب الاموال القطرية، حماس التقت في مفترق طرق مع المصالح المشتركة مع نتنياهو: ضمان استمرار حكم حماس في القطاع، شريطة أن يكون هذا فقط في القطاع، أي بشرط أن يستمر الانقسام الفلسطيني الداخلي، الذي يعني استمرار الضعف السياسي الفلسطيني العام.

          إن كشف الوحدة الاسرائيلية التي تسللت للقطاع لتنفيذ عملية هناك (كالعادة، التي بشكل عام لم تكشف) هو حقا انجاز لمقاتلي عز الدين القسام. شاهد عيان (مثل الصواريخ) على زيادة مهنية حماس العسكرية. هذه ليست مهنية لمجموعة عصابات في الغابة، بل منظمة تعتبر نفسها رأس دولة عليه الدفاع عن سيادتها والرد على كل اختراق. الاعلام الاسرائيلي عمل قصة كبيرة من شاب غزي نجح في الوصول الى دفيئة في مستوطنة نتيف هعسره، واعتبرت ذلك فشل امني فظيع. لماذا لا يتوقع الاسرائيليون من حماس أن تتعامل مع الدخول العسكري المعادي الذي تم اكتشافه على أنه أمر كبير، فقط لأنه أمر معتاد وبشكل عام لم يكشف؟ الذي حتى حماس التي يتم التعامل معها كرأس شبه دولة لا يمكنها أن ترى في اختراق دائم كحق ثابت لاسرائيل، حتى لو كان هذا الامر يقوم به الجيش الاسرائيلي كل يوم بشكل علني في الجيوب الفلسطينية في الضفة الغربية ودون أي رد.

          جزء حيوي لشق طريق حماس في المستقبل نحو قيادة فلسطينية شاملة، وربما معترف بها (سواء في م.ت.ف غير القائمة التي ستحظى بالتنفس الاصطناعي أو تحت مظلة جديدة) هو الاعلان عن انتصارات عسكرية كبرى لها في الحرب. ياسر عرفات عرف في السابق كيف يحول معارك دموية أو فاشلة الى انتصارات في الوعي، والى مسارات نحو قيادة النضال على الاستقلال. هذا الاسبوع خوف الاسرائيليين في قطاع غزة من الصواريخ تم عرضه كانتصار، ايضا الحافلة العسكرية التي احترقت والتقارير عن الخسائر في الاقتصاد الاسرائيلي، كل ذلك هو ميداليات لحماس. المنافسة ليس فقط مع اسرائيل، بل بالاساس مع حركة فتح. استقالة ليبرمان هي الذروة، كأس بلاتيني. وكأس اكبر منه وحقيقي من اجل التغيير، هو التأثر والتشجيع لحماس الذي يظهره الفلسطينيون في الضفة وفي الشتات، التعطش الى انجازات واثباتات بأن اسرائيل ليست هي القادرة على كل شيء (من خلال مقارنة غير مشجعة على الاقل لأداء السلطة الفلسطينية في رام الله وقيادتها، التي في كل يوم تزيد من كراهية الجمهور لها).

          ولكن لو تم ملء الكؤوس بمياه الحنفيات في غزة فانها لن تكون صالحة للشرب. هذا هو التعبير المختصر لسيطرة اسرائيل على الفلسطينيين (في القطاع وايضا في الضفة الغربية): في نهاية الامر هي المقررة الاولى والاخيرة لكمية المياه التي ستتوفر لهم، وما هو مستوى التلوث الموجود فيها. هذه سيطرة مؤلمة اكثر، وهي اكثر تدميرا على المدى البعيد من القدرة على اعطاء أو عدم اعطاء خمسة آلاف تصريح عمل في اسرائيل التي ستؤدي الى زيادة الدخل في غزة بآلاف النسب المئوية خلال شهر. لذلك، يجب علينا تصديق نتنياهو عندما يقول إن حماس توسلت من اجل وقف اطلاق النار حتى لو كان هذا التوسل قد تم نقله عبر مبعوثين. لأن قيادة حماس لا تعيش فقط صورتها، فان الصورة ثلاثية الابعاد التي تضخم صورة الفلسطينيين الذين يعيشون خارج القطاع، بل تعيش ايضا الواقع.

          في الحقيقة لا يوجد أي فلسطيني في غزة (باستثناء من تدرب بارادته ليكون جندي ومقاتل، ومن يوجد له طريق للملجأ المليء بالتموين) يمكن أن يخطر بباله الرعب اللعين لهجوم اسرائيلي جديد، بكل القتلى والمصابين تحت الانقاض، لأن اسرائيل لا تسمح لطواقم الانقاذ في الوصول اليها. في الواقع الاونروا قليلة الموارد ستجد صعوبة اكثر من الصعوبة التي لاقتها في الهجمات الاسرائيلية السابقة لتوفير حاجات الطواريء للسكان الذين هربوا من بيوتهم واحيائهم بسبب القصف. في هذا الواقع لن يعزي احدا أن يعرف بأنه سيجد مرة اخرى، بالتأكيد ببطء اكبر بكثير من السابق، الاموال الدولية لاعمار الدمار والبنى التحتية للمرة السادسة أو العاشرة منذ العام 2000، وأنه مرة اخرى سيأتي متطوعون دوليون ويقدمون العلاج النفسي للاطفال المصابين بالصدمة.

          الرغبة الخفية لنصف حماس فقط في وقف اطلاق النار هي ايضا الاثبات لحاكميتها ونضوجها في القيادة، كما يبدو ايضا لسيطرة يحيى السنوار على أمنيات الذراع العسكري. الحسابات لم تعد حسابات تنظيم عصابات يعد القتلى الذين اوقعهم في الطرف الآخر، لكن ليس لديه الادوات لصد امتداد مستوطنات اسرائيل، وهو ايضا لا يحاول القيام بذلك. اعتباراته ليست اعتبارات منظمة تعنى بتجميد عمل السلطة الفلسطينية واحراج الحركة الخصم (فتح) من خلال دفع نشطائها في كتائب شهداء الاقصى الى المنافسة على من ينجح في قتل عدد اكبر من الاسرائيليين. الحسابات هي لقيادة مدنية تعيش داخل شعبها وتصغي اليه بهذه الدرجة أو تلك، حتى لو أنه يخاف في ظلها من أن يقول امام العدسات إنه يخاف وأنه قد مل من الحروب الشاملة، والقيادة تعرف ذلك. وتعرف ايضا أن كل السلاح الايراني والموجود لديها ايضا والحماسة العصابية لمقاتلي عز الدين القسام لا تعادل القوة العسكرية المدمرة التي يمكن أن تقوم بها غرفة العمليات الاسرائيلية في جبهة واحدة. والقيادة تتذكر أنه يجب حل مشكلة المياه والمجاري والكهرباء.

          رغم تصريحاتها حول استعدادها لاجراء انتخابات حتى في الغد، حماس تعرف جيدا أنه لو فازت فيها مرة اخرى فهي لا تستطيع ان تحكم للحظة واحدة في جيوب الضفة الغربية. اسرائيل ستعتقل على الفور منتخبيها، وستجمد مرة اخرى نقل الضرائب، وستصادر الاموال من البنوك. ولكن مشكوك فيه اذا كانت معنية بذلك: ستظهر في حينه عاجزة حقا مثل السلطة الفلسطينية ازاء تعميق السيطرة الاسرائيلية في معظم مناطق الضفة الغربية وشرقي القدس، وتوسيع المستوطنات.

          حماس لا تستطيع العودة لأن تكون فقط منظمة عصابات بعد أن بنت قوة تتجاوز قدرة المليشيا، بعد أن رسخت نفسها كحكومة مدنية. حتى لو سمحت اسرائيل بذلك، وهي لن تسمح، فان السلطة الفلسطينية لن تعود للسيطرة على القطاع اذا استمرت حماس بالاحتفاظ بقوتها العسكرية الخاصة بها، لكن حماس لن توافق على التحول الى مظلة للجمعيات الخيرية. لذلك ما بقي لهذه المنظمة الاسلامية، المواصلة كما في السابق بدعم من اسرائيل والاموال القطرية، هو أن تبقي في ايديها سيطرتها المدنية والعسكرية في حدود القطاع فقط. الوحدة الفلسطينية والمصالحة ستحافظ على مكانها في التصريحات. وبهذا فان مشروع الدولة الفلسطينية (في حدود 1967 أو 1948، هذا لن يغير أي شيء) بعيد عن التحقق.

          نتنياهو بدعمه للقطاع ككيان سياسي منفصل لا يأتي بجديد. هو يواصل سياسة الحكومات الاسرائيلية السابقة. حتى قبل الانفصال أحادي الجانب الذي قام به شارون في 2005، فان اسحق رابين وشمعون بيرس واهود باراك سبق وعملوا على فصل سكان القطاع عن باقي السكان الفلسطينيين، واهود اولمرت واصل نفس الخط بعدهم. مهما اعلنوا فانهم بالفعل احبطوا التسوية السياسية القديمة التي كانت ماثلة امام معظم دول العالم، عندما منحوا الدعم المالي والسياسي لاتفاق اوسلو: أي اقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية (بما فيها شرقي القدس) التي احتلت في العام 1967. وبدلا من ذلك خلقت حكومات اسرائيل واقع الجيوب الفلسطينية المنعزلة، والفلسطينيون ساهموا في خلق حكم مزدوج. حماس ونتنياهو يثبتان أنه يمكن الحفاظ على هذا الوضع حتى بدون سفك دماء فظيع.

كلمات دلالية