دولة مغلفة بغزة.. هآرتس

الساعة 10:47 م|14 نوفمبر 2018

فلسطين اليوم

بقلم: تسفي برئيل

(المضمون: لقد تحولت الدولة الى دولة مغلفة بغزة. الامور قد تسير بصورة عادية في حالة اطلاق الصواريخ على غلاف غزة، ولكن عند قتل جنود اسرائيليين تتداعى كل اعضاء الدولة لتصبح جسما واحدا).

القاموس الملتوي لفترات الحرب مرة اخرى يبحث عن نفسه. ماذا نسمي ما يجري الآن بين اسرائيل وقطاع غزة. اطلاق نار متبادل؟ مواجهة عنيفة؟ ربما حرب؟ لا، هذه ليست حرب، بصورة مطلقة محظور تسمية هذا الوضع حرب، لأن الحرب هي فشل. فشل الردع، هزيمة سياسة الاغلاق، تنازل عن خيار التسوية، وبالاساس، المعنى هو استسلام نتنياهو لطلبات افيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت.

الحرب تقتضي انتصار، والانتصار يقتضي تحديد اهداف. من الافضل أن نسمي هذا الامر الذي تورط فيه الجيش الاسرائيلي في عملية سرية واضطر الى القيام بالقصف من اجل انقاذ الجنود، تصعيدا. تصعيد لا يقتضي انتصار، هو بالاجمال رد على رد، ليس له هدف محدد سوى زيادة الحدة. ليس اسقاط حماس أو احتلال غزة، وليس تدمير البنى التحتية المدنية وقتل آلاف الاشخاص، بل هو بالاجمال استعراض قوة، حيث بعده كالعادة تبدأ الجهود للتسوية. المشكلة هي أنه لم يبق الكثير من الزبائن لاستعراض القوة هذا. مواطنون اسرائيليون الذين هم محبوسون منذ اربعة ايام في الملاجيء وفي الغرف الآمنة لم يعودوا يتأثرون كثيرا بحقيقة أن الجيش الاسرائيلي يقوم بقصف غزة. صافرات الانذار تخيفهم اكثر من الهدوء الذي تلقيه عليهم طلعة اخرى من طلعات الطائرات القتالية. حماس لا تحتاج الى اثبات على قوة الجيش الاسرائيلي، ولكنها ملزمة بالاثبات لجمهورها أن هناك من يحارب من اجل شرفه.

يبدو أن الانطباع الأشد يمارسه هذا القصف على وزراء الحكومة المنقسمين بين من يؤيدون حرب "لمرة واحدة والى الأبد" وبين من سبق ورأوا الكثير جدا من "انتصارات حاسمة". هؤلاء واولئك يعرفون بأنه ليس بالامكان أن يكون هناك انتصار كامل، لأن انتصار كهذا معناه اعادة احتلال غزة، الذي من المتوقع أن تجد فيه اسرائيل هزيمة مطلقة داخل أزقة مليئة بالمسلحين والعبوات الجانبية ونار القناصة ومدنيين قتلى يجندون ضغط دولي – ولم نتحدث بعد عن الجنود الذين سيقتلون ويصابون وعن الاحتجاجات التي ستبدأ في الظهور في اعقاب ذلك في اوساط الجمهور الاسرائيلي. لأنه طالما أن بلدات غلاف غزة تصاب وتعاني، فان باقي اعضاء الدولة تواصل أداء دورها كالمعتاد، ولكن عندما يقتل الجنود فكل الدولة تتحول الى غلاف غزة.

سنكتفي اذا بمفهوم "تصعيد كبير". هو سيمكن ليبرمان من الاعلان أن حماس ضربت ضربة قاسية، وسيرضي للحظة بينيت، كما أنه سيمكن نتنياهو من العودة بسرور الى "التسوية"، مع المسؤول الحقيقي في غزة.

"تصعيد كبير" يخلص ايضا الجيش الاسرائيلي من الشرك السياسي الذي جر اليه مؤخرا. المواجهة بين رئيس الاركان غادي آيزنكوت وبينيت التي جرت في جلسة الكابنت في تموز الماضي ما زالت تدوي. بينيت سأل لماذا لا نطلق النار مباشرة على مطلقي البالونات الحارقة وآيزنكوت سأل اذا كان يقترح القاء قنبلة على مطلقي الطائرات الورقية. بينيت رد بالايجاب، وعندها عرض رئيس الاركان تبريرا غريبا: "هذا يخالف موقفي العملي والقيمي". مع رئيس اركان كهذا لا يمكن شن حرب اختيارية. ولكن الآن توجد له يد "تنفيذية" و"قيمية" حرة. لأن تصعيد غاضب امام صواريخ هو مشروع حتى لو جاء بسبب فشل عملياتي. توجد فقط مشكلتين صغيرتين مع التصعيد: هو ليس ثابت ولديه ميل للتحول الى حرب، لأن مجرد الانحراف اليه يدل على فقدان الردع، كما أنه لا تكون سيطرة عليه فقط من قبل طرف واحد حتى لو كان هذا الطرف يطير بطائرات متقدمة.

هذا التصعيد لم يكن يحتاجه الواقع. هو نتيجة الخوارزمية التي تشغل نظام الردود التلقائية للحكومة. يمكن ويجب وقفه على الفور. يوجد له بديل – التسوية – التي كانت على شفا التوصل اليها قبل بدء الهياج. الجيش الاسرائيلي كان أحد القوى المحركة القوية لتشكيلها. ويستطيع ايضا أن يحدد للحكومة متى يكفي. هذا لن يكون ضعفا، بل تعبيرا عن المسؤولية.