متلازمة القدس.. معاريف

الساعة 05:16 م|09 نوفمبر 2018

بقلم: أودي سيغال

نتائج انتخابات منتصف الولاية في الولايات المتحدة ستؤثر على القدس. ليس فقط على القدس كتعبير مجازي على حكومة اسرائيل بل على مدينة القدس وعلى اعادتها الى خطاب سياسي متفجر ومشوق. ما يبدو كأمر لا يجري الحديث فيه بعد اليوم، يهدد بالعودة ومن خلال الادارة الاكثر عطفا على اسرائيل اليمينية. هذا يحدث على النحو التالي: دونالد ترامب انتصر. وهو دوما ينتصر. فقد حافظ على مجلس الشيوخ ومنع "موجة زرقاء" صرفة كانت ستهز مكانته. ولكنه خسر الاغلبية في مجلس النواب. لو كان فاز هناك ايضا، لاصبح الاقوى الذي لا يشكك به أحد. ووفقا للمفهوم الاسرائيلي فان رئيسا قويا يمكنه أن يركز على الشؤون الخارجية بسهولة، فيصطدم بايران، ويضع قدما في سوريا وسيكون اسهل عليه امتصاص انتقاد العالم على اذابة القضية الفلسطينية. وبالمقابل فان رئيسا جريحا، يكافح ضد الاطاحة وضد التحقيق، كفيل بان يكون هشا، اقل التزاما للمنطقة بل وحتى من شأنه ان يدفعه الديمقراطيون نحو خطوات تعطيه مكانة دولية وتثبت بانه لاعب سياسي.

في مثل هذه الحالة، فان اسرائيل وبنيامين نتنياهو كفيلين بان يكونا مطالبين بدفع ثمن كي ينتج اتفاق، او على الاقل مسيرة مع الفلسطينيين. فضلا عن ذلك فانه ابتداء من الاسبوع القادم سيركز ترامب على الانتخابات التالية للرئاسة والتي ستجرى بعد سنتين. سيقاتل ضد الجبهة الداخلية بكل القوة، مثلما كان يمكن ان نرى في الحادثة الشاذة والعنيفة مع مراسل السي.ان.ان في البيت الابيض. فهو سينحي، سيقيل، سيفعل كل شيء حتى لو كان عقيما كي يتملص من اجراء الاطاحة في مجلس النواب.

سيرغب ترامب في ان يحقق قائمة وعوده للجمهور وللعالم. الى جانب الحرب ضد المهاجرين، معالجة الاقتصاد وشؤون السلاح، التعليم والميزانية، سيرغب في أن يظهر بانه زعيم دولي مع انجازات. فقد فرض عقوبات على ايران وسيعمل اذا كان يستطيع على خلق مفاوضات بديلة على اتفاق محسن. احتمال ذلك محدود.

لن ترغب ايران في الاستسلام لترامب. وهي ستفضل الدخول في نظام التقشف الاقتصادي والسياسي وانتظار سنتين لاحتمال أن يرحل. في حالة الضائقة من شأنها ان تبادر الى خطوة عسكرية غير مباشرة مع اسرائيل في الشمال بواسطة حزب الله، ميليشياتها في سوريا والحرس الثوري.

في الفترة القريبة القادمة سيكون الشمال حساسا للغاية. على فرض أن امام ايران ستبدأ معركة سياسية واقتصادية تتطلب زمنا، فان السبيل السهل لتحقيق انجاز سياسي مفاجيء، واضح وقاطع هو في مجال التسوية مع الفلسطينيين.

يبدو هذا مدحوض ومنقطع عن الواقع في ضوء السلوك الفظ لترامب تجاه ابو مازن وتبني مواقفنا. ولكن يجب أن نتذكر لماذا اتخذ ترامب كل هذه الاعمال: فهو يرى نفسه فنان الصفقات، وهو يريد أن يجبر الفلسطينيين على العودة الى الطاولة وقبول الصفقة.

فضلا عن ذلك، يرى ترامب نفسه كمن اعطى اسرائيل ونتنياهو، وهو يحتاج الان لان يتلقى شيئا بالمقابل. كانت لهذه عدة تلميحات: فقد تحدث عن ان بيبي مدين له، قال انه بعد أن حصلت اسرائيل على السفارة في القدس فانها ستعطي شيئا جميلا للفلسطينيين ايضا بل وحتى تحدث عن عاصمة فلسطينية في القدس. فهل سيقسم ترامب القدس؟ مهما كان هذا غريبا، فان ترامب لم يتراجع عن "صفقة القرن". فهو يعمل عليها ويريد أن يحققها واذا لم يحقق شيئا فانه سيبدو هشاشا ومخادعا سياسيا.

يرى الرئيس الامريكي كل الخطوات الاخيرة نوعا من السلفة التي تلقتها اسرائيل من المنطقة: اللقاءات العلنية للرئيس المصري مع نتنياهو؛ الزيارة الاستثنائية والعلنية لرئيس الوزراء الى سلطنة عُمان، دعوة وزير المواصلات اسرائيل كاتس الى عُمان لعرض السكك الى السلام: خطته لربط اسرائيل بسكك قطارات الى السعودية والى العالم العربي. هذه سلفة، وزمن الدفع يجب أن يأتي.

الى جانب تبني موقف اسرائيل في انه لا حاجة لاخلاء المستوطنات من اجل السلام، من ناحية ترامب فان تقسيم القدس او عرض الجانب الشرقي منها كعاصمة الدولة الفلسطينية المستقبلية هو مفاجيء ومغري في نفس الوقت، وعمليا بيع في الوضع القائم.

سياد مقترضة

القدس موحدة زعما ومقسمة في الواقع. كان يمكن ان نتابع مثلا الفعل المخيف لسلطات الدين الاسلامية في المدينة، التي رفضت دفن احد قتلى الحادثة المروعة على طريق الغور لادعاء انه تاجر بالاراضي مع اليهود. اي من المرشحين لرئاسة البلدية لم يتدخل. لم يكن هذا في منطقة اهتمامنا.

هذا السؤال الذي يحوم فوق القدس مشوق وتقليدي. ففي الاسبوع الماضي توفي رفل بركان (بنكلر) صحفي ومحرر في "عل همشمار" مراسل سياسي كان صديقا مقربا من يوسي سريد حين كان هذا صحفيا، يكتب انه كان جزءا من اضطرابات الطلاب في باريس في 1968 حيث كتب رسالة الدكتوراة مع انه سافر دون أن يعرف كلمة واحدة بالفرنسية. بحثه خصصه لتوحيد القدس، وحلل مكانتها القانونية. كتب رسالته بعد ثلاث سنوات من حرب الايام الستة، حين لم يتجرأ احد في الحديث عن تقسيم القدس، وحين كانت اسرائيل في حالة نشوى كاملة.

من جهة قال ان ليس للاردن اي صلاحية قانونية في السيطرة التي كانت لها على المدينة، "القدس ادرجت قانونيا في سيادة اسرائيلية من خلال تحقيق الحق الطبيعي للشعب اليهودي في تقرير المصير لبلاد اسرائيل، بعد ان احتلتها اسرائيل في ظل استخدام حق طبيعي آخر لها، هو حق الدفاع عن النفس". واضاف انه وفقا لتحليل القانون الدولي، فان "القيد الوحيد الكفيل بان يثور على حق اسرائيل هو اذا ما وعندما يقوم كيان سياسي مستقل وسيادي للشعب الفلسطيني".

في ختام رسالته للدكتوراة قال بركان ان السيادة الاسرائيلية هي سيادة مكتظة، لان السيادة العربية هي سيادة معلقة. وقد سمح لنفسه بالحديث عن حل مثالي لتقسيم المدينة الى ادارة مشتركة وفقا للاحياء المختلفة، تسوية عادت الى الحياة في عهد كامب ديفيد ايهود باراك، قبل أن ينهار كل شيء. وبالمناسبة، رافق بركان مناحم بيغن عندما وصل السادات الى البلاد وغطى اعلاميا عن كثب اتفاق السلام الذي وضعت فيه البنية التحتية للحكم الذاتي الفلسطيني. تحليله منذئذ يشرح لمن نسي الموقف المتحفظ من الدول في العالم على مكانة القدس. هذا هو ايضا الاغراء لترامب: لتسوية الامور، لعقد صفقة. متلازمة القدس للصفقات السياسية.

من جانب آخر، فان كل تحليل لاعمال ترامب اشكالي. فلم يكن مصدر كبير واحد في القدس وافق على ان يقدر ما الذي سيفعله. يمكنه ان يفعل كل شيء. كل شيء. تسوية، خطة او لا شيء. وهو غير ملزم بتفسير لاحد. وهو سيرتب الواقع كما يريد. محافل في اليسار تدعي بان كل خطوة القدس من جانب ترامب، والتي استفادت منها اسرائيل، هي على الاطلاق خطوة هدفها ارضاء الجمهور الافنجيلي الذي انضم اليه رغم سلوكه عديم القيود في المجال الشخصي. وهم اللاجئون الاكبر للخطة السياسية. ترامب يبدأ حملة ومشكوك ان يرغب في تقسيم القدس وفقدان مصوتيه. في نهاية المطاف، مثلما قال كيسنجر، فان كل سياسة الخارجية في القدس هي سياسة داخلية. وهو محق، وليس فقط بالنسبة لاسرائيل.

قدس الذهب والسياسة والصفقات. الجولة الثانية في الانتخابات لرئاسة بلدية القدس ترفع الى الذروة العاصفة الحزبية، السياسية والبلدية التي تميز المدينة التي تحيط بها الجبال، ويتجول فيها الوزراء. فالانشقاق في المعسكر الاصولي ادى الى الخسارة المتوقعة ليوسي دايتش والى عودة زئيف الكين، السياسي الخبير والحاد، الى وزارة حماية البيئة. الفرضية السياسية التلقائية كانت ان موشيه ليئون، معتمر الكيبا المدعوم من آريه درعي وافيغدور ليبرمان سيجترف بسهولة اصوات الاصوليين للمرشحين اللذين تساقطا وسينتصر بسهولة. هذا لم يحصل. عوفر بركوفيتش، المرشح العلماني لحركة اليقظة، نجح في وضع علامة استفهام. رغم كل الصفقات، يتحدث الناس على تصويت احتجاج من جانب الاصوليين في صالحه، عن الكيبات المحبوكة الذين سيصوتون في صالحه، رغم ان البيت اليهودي اعلن عن تأييده لليئون. هذا الاسبوع سيتبين من سيقف على المدينة الموحدة التي يريد الجميع تقسيمها. تقسيمها لانفسهم واحيانا للاخرين.

كلمات دلالية