بقلم: جاكي خوجي
حصلت صحيفة "الاخبار" اللبنانية على تسريب من نوع يسر قلب كل صحافي. تسجيل لمكالمة هاتفية بين جبريل الرجوب، من كبار رجالات السلطة الفلسطينية، مع حسام بدران من قادة حماس. فقد سجل بدران المكالمة دون علم الرجوب وسربها الى الصحيفة.
مع أنه جرى في اثناء شهر اذار، حتى قبل اندلاع الاضطرابات على الجدار والتحولات السياسية التي ولدتها، فان هذه المكالمة التي استغرقت نحو 15 دقيقة توجد لها قيمة جماهيرية كبيرة. فهي توفر اطلالة حميمة على العلاقات بين حماس وفتح وليس اقل من ذلك على العلاقات بين السلطة والاخوة العرب، وعلى رأسهم مصر. ينبغي الافتراض بان بدران نقل الشريط الى معارفه في المخابرات المصرية، قبل ان يسلمه الى الصحيفة. وهو يستهدف احراج الرجوب امامهم بل وربما تجنيدهم ضده في حملته المستقبلية لخلافة ابو مازن.
فقد سُمع الرجوب يقول عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي انه "ليس له سيطرة على الدولة". ويتهم الرجوب المصريين بانهم يحققون لانفسهم علاقات عامة ولا يسعون الى حل عميق للعلاقات المهزوزة بين حماس والسلطة. بأفعالهم، ادعى على مسمع من بدران، يساعدون ترامب على تحقيق صفقته للسلام. وكما هو معروف، رفضت السلطة اقتراح ترامب قبل أن ينشر لانها رأت فيه محاولة لاقامة دولة فلسطينية على جزء من اراضي 1967، بروح المصلحة الاسرائيلية. وكشف الرجوب في المكالمة عن تطلعه للتنكر للمصريين ولاجراء حوار مباشر مع حماس.
يتهم الرجوب القاهرة قائلا: "هم لا يريدون ان نصل الى توافقات. اذا عقدنا نحن اتفاقا فلسطينيا - فلسطينيا، وتوجهنا اليهم – فلا مشكلة. هم يريدون ان ينطلق القطار من عندهم، وان يبقى عندهم تحت سيطرتهم... يا اخي، نحن نريد ان نأتي الى غزة ونعلن عن انتهاء الانقسام. وبعد ذلك نذهب اليه، الى الجامعة العربية، الى السعودية والى قطر والى كل العالم. هو لا يريد هذا، يا أخي. هو يريد ان يسيطر على كل صيغة. نقطة".
"انتبه، هم يضغطون. يضغطون اكثر مما تتصور"، يقول الرجوب. وذروة الاهانة للمصريين يعبر عنها بعد دقائق قليلة من بدء المكالمة. على حد قوله فان المخابرات المصرية يتحكم بها محمد بن زايد، ولي عهد اتحاد الامارات. بن زايد، طيار قتالي وقائد سلاح جو الامارات، يعتبر اليوم الرجل القوي في بلاده واحد المهمين في خريطة الزعماء العرب اليوم. امني لا يكل ولا يمل من النوع الذي يحبه الاسرائيليون. الصديق القريب للنظام المصري والسعودي وذو نفوذ في البيت الابيض. سلمان ملك السعودية بعث اليه في الماضي ابنه المفضل محمد ليكون له رقيبا. ولكن بخلاف ولي العهد السعودي، فان مربيه يفضل ان يمسك الخيوط دون ان يترك اثرا. "عصبته لا تدير الامور"، قال الرجوب عن السيسي في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، "من يديرها هو بن زايد". وفي مكان آخر وصفه بـ "الجاسوس".
في السياق قدم الرجوب لبدران ما يعتقده بشأن الانقسام. "انا اقول لك، القضية تتطلب تفاهمات استراتيجية. نحن مستعدون لان نبني معكم شراكة، مستعدون لان نعلم عن انتهاء الانقسام ونقول: "نحن نريد دولة، ونقول مقاومة شعبية ونقول نتوجه نحو تسوية سياسية تكون فيها سلطة واحدة وقانون واحد وبعد ذلك نحتفل. ولكن هذه القصة اعطيني هنا واعطيني هناك، او من يقول لك، هؤلاء يريدون ان يأخذوا سلاح حماس، او ادفع لي رواتب للموظفين، يا أخي، تعال نفكر في المستوى الاستراتيجي وفي المستوى الوطني".
يشكو الرجوب على مسمع من بدران بان الدول العربية تتعامل مع القضية الفلسطينية مثلما تراها اسرائيل مشكلة أمنية ليس إلا. وهو يحث سامعه لان يشرح للعرب بان هذه المشكلة سياسية قبل كل شيء. ويرسم الرجوب جدول علامات للانظمة العربية. "السعوديون لا يلعبون. نحن مطمئنون منهم. نحن نعرف ما قالوه للامريكيين. الاردنيون، الله يكون في عونهم. وهؤلاء الذين انتم عندهم (قطر)، هم ايضا لا يلعبون بنا استراتيجيا. اوكي؟ بدأوا يفهمون بان لهم مصلحة في الاتصالات معها. عُمان ذات الشيء. الكويت ذات الشيء. وباستثناء هؤلاء، من تبقى. العراق الله يكون في عونهم اليمنيون، الله يكون في عونهم.
بدران، على طول المكالمة يتحدث ببخل ويحذر من أن ينجرف وراء محادثه. وعند منتصف المكالمة يتبين لماذا اتصل. فهو يضع امام الرجوب طلبا لعقد لقاء القمة بعيدا عن الاضواء بين قادة السلطة وحماس، في دولة ثالثة. تركيا أو لبنان. "تعال أنت، وافحص مع عزام. مع العالول، أنت تعرف ما نحتاج. ثلاثة – أربعة منكم، ثلاثة – أربعة منا. نجلب من عندنا الشيخ صالح العاروري. نحن لا نريد أن نتحدث عن المصالحة، ولا عن الموظفين. نحن نريد أن نتحدث، يا عمي، عن هذه المشكلة التي وقعت علينا جميعا. وكيف نحلها. هذا أهم من كل المواضيع الجزئية، بصراحة".
الرجوب: يا حبيبي، يا حسام، ليس عندنا مشكلة في هذا الموضوع. اخوانك المصريون لا يريدون اي لقاء واي تفاهمات فلسطينية – فلسطينية. عندما نقلنا اليهم رسالتنا، جنوا وعلى الفور نادوا ابو العبد، وجيبوا ابو العبد... ليس عندنا مشكلة يا سيدي. نلتقكيم في كل مكان. متى شئتم، أجيكم. وحتى اليكم (الى قطر) أجي، او الى تركيا. اما الى لبنان فلا لان الامن هناك معدوم.
كان بدران قائد الذراع العسكري لحماس في الضفة في الانتفاضة الثانية، حتى اعتقاله في 2002. قضى 9 سنوات من اصل 17 حكمت بها المحكمة. بعد أن تحرر في صفقة شاليط انضم الى عصبة خالد مشعل في قطر. هو الناطق الرسمي بلسان الحركة في الخارج. عمليا يحتل موقعا مركزيا اكثر مما يشير اليه لقبه. وبسبب سنواته في السجن، كفاءاته، وعبريته، يعتبر في حماس احد الفاهمين في السياسة الاسرائيلية.
منذ جرت المكالمة بدأت تغييرات في الساحة. فقد تغير قادة المخابرات المصرية. اسرائيل غيرت موقفها تجاه غزة. بدأت تتحدث عن اعادة تأهيل السكان ولهذا تمت اتصالات مع قطر. بعد بضعة ايام التسجيل الخفي بدأت المظاهرات الدموية على حدود القطاع. واكتشفت حماس بان في ايديها اداة ضغط على اسرائيل.
في ختام المكالمة يقول بدران للرجوب "سلم على الرئيس وكل الاخوة في المجلس المركزي". ومع ان هذه كلمات مجاملة، ولكن مشكوك ان تقال اليوم بمثل هذه النبرة. في الاشهر السبعة التي انقضت منذئذ عمق ابو مازن جملة تنكيلاته بحماس.