بقلم: عاموس هرئيل وآخرين
(المضمون: اسرائيل وجدت نفسها في خط المواجهة في الصراع الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين. الاسرائيليون من شأنهم تحويل التركيز من سوريا الى لبنان. ربما أن التغييرات في الكونغرس ستؤثر على العلاقات بين امريكا وايران. في الوقت الذي تهديء فيه حماس الوضع في القطاع، تحاول اشعال الوضع في الضفة الغربية).
دونالد ترامب كان منشغلا هذا الاسبوع في مشاكل مستعجلة اخرى، ولكن آجلا أم عاجلا ستثير العلاقات الاقتصادية الآخذة في التعزز بين الصين واسرائيل اهتمام الرئيس الامريكي. إن الرهاب في الادارة الحالية تجاه خطوات الصينيين في الساحة الدولية، والخوف من الهزيمة امام بجين في الحرب على الميزان التجاري، حولت ما يجري في شرق آسيا الى الموضوع الاول على جدول اعمال واشنطن.
قبل نحو شهرين كتب في "هآرتس" عن تحذيرات لجنرالات بحرية امريكيين متقاعدين في مؤتمر مع نظرائهم الاسرائيليين بشأن التساؤل الذي سيثيره في الولايات المتحدة قرار اسرائيل في أن تعطي الشركات الصينية بناء مشاريع كبيرة للبنى التحتية في البلاد ومنها ميناء حيفا. أحد المشاركين في المؤتمر طرح امكانية أن يقوم الاسطول السادس الامريكي بمقاطعة قاعدة سلاح البحرية في حيفا بسبب المشاركة الصينية في بناء الميناء المدني هناك. الآن يتبين من محادثات مع وزراء وموظفين اسرائيليين كبار الذين زاروا مؤخرا واشنطن، أن الاسرائيليين فوجئوا من شدة الغضب الذي اظهره نظراءهم الامريكيين، هذه المرة جهات في الخدمة الفعلية في ادارة ترامب، حول هذه القضية.
"هم ببساطة انفجروا علينا"، وصف ذلك أحد الاسرائيليين الذين شاركوا في اللقاءات. المندوبون الامريكيون طلبوا الحصول من اسرائيل على ضمانات بأن الصين لن تستطيع استخدام هذه المشاريع التي تشارك فيها في اسرائيل من اجل تحسين مكانتها الاستراتيجية وقدرتها الاستخبارية. هم لم يقتنعوا بأن اسرائيل تقدم لهم اجابات جيدة بما يكفي، حتى أنهم اضافوا أنه اذا لم تستطع اسرائيل تقديم ضمانات فسيكون هناك مكان لاعادة فحص المشاريع التي وقعت عليها مع الصين.
في احدى المحادثات قالت مصادر امريكية رفيعة المستوى للنظراء الاسرائيليين بأن "الولايات المتحدة لا يمكنها أن تكون صديقة لدولة تبني لها الصين الموانيء". المثال الذي أعطي كان يقصد دولة اخرى وليس اسرائيل. ولكن الاشارة تم التقاطها في القدس.
إن التشدد من قبل واشنطن تجاه بجين هو نتيجة عملية تدريجية، بدايتها كانت في عهد ادارة اوباما، ولكنها تعززت تحت ادارة ترامب. التحليل الاسرائيلي لا يعزو للصينيين نوايا سيئة، بل خطة استراتيجية بعيدة المدى ترتكز في المقام الاول على تجميع صبور لمنافع اقتصادية.
بناء الموانيء وانشاء المشاريع في مجال البنى التحتية، شوارع وانفاق وسكك حديدية تحت الارض، كل ذلك يساعد في توسيع التأثير الاقتصادي والسياسي للصين، ويندمج مع خطة "حزام واحد وطريق واحد"، التي هدفها تحويل الصين الى القوة العالمية الرائدة. الامريكيون يخشون من فقدان عقود لصالح الصينيين، من اعطاء موطيء قدم للصين في اسرائيل ومن امكانية أن يستغل هذا لغايات استخبارية.
مصدر كبير في البيت الابيض، تحدث مع بعثة اسرائيلية قبل بضعة اسابيع، اضاف بأن هذه القضية اثارت الغضب في البنتاغون وفي وزارة المالية الامريكية وفي مكتب نائب الرئيس مايك بينس، ولكن حسب ما هو معروف حتى الآن، لم تطرح هذه القضية على جدول اعمال الرئيس ترامب. هذا المصدر الكبير حذر من أنه عندما سيتم وضع ترامب في الصورة فمن المتوقع أن يرد على ذلك بغضب. مشكوك فيه أن يكون هناك لدى اسرائيل ما يمكنها القيام به من اجل تهدئة الرئيس، بعد أن تم توقيع العقود، لكن يبدو أن التوتر مع الامريكيين حول العلاقات الاقتصادية مع الصين هو مسألة وقت فقط.
هذه ليست المرة الاولى التي فيها تقوم صفقات مع الصين بوضع العصي في دواليب العلاقة مع الولايات المتحدة. في حالتين سابقتين، في بداية سنوات الألفين، اجبرت واشنطن اسرائيل على الانسحاب من عقود لبيع السلاح للصين. في حينه مثلما هي الحال الآن، كان هذا في فترة صداقة وثيقة بين رئيس الحكومة الاسرائيلي والرئيس الامريكي (اهود باراك وكلينتون في الحالة الاولى، واريك شارون وجورج بوش في الحالة الثانية)، ولكن ذلك لم يهديء الامريكيين. فحسب رأيهم، كل ما يتعلق بالصين ليس لاسرائيل فيه حرية عمل.
سبق ان حصل
إن دخول موجة العقوبات الامريكية الثانية ضد ايران الى حيز التنفيذ في اعقاب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق فيينا، اثار هذا الاسبوع الارتياح في القدس. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو سارع – بدرجة كبيرة من الاحقية – الى المطالبة لنفسه بالفضل على هذه الخطوة لادارة ترامب. النتيجة النهائية لزيادة الضغط على ايران ما زالت بعيدة، لكن يصعب التشكيك في القول إن نتنياهو هو الذي اعطى ترامب الدفعة بهذا الاتجاه، كما أنه فعل ذلك خلافا لرأي اجزاء كبيرة من الاستخبارات الاسرائيلية.
الاستخبارات في اسرائيل تطرح الآن تقديرين فيما يتعلق بالهدف الذي يقف من وراء الخطوات الامريكية. الاول هو أن الولايات المتحدة تريد أن تفرض على ايران اعادة فتح الاتفاق النووي من خلال املاء شروط اكثر شدة على التطبيق والرقابة في الاتفاق البديل. التقدير الثاني يتحدث عن هدف طموح اكثر، ويرتكز على تفسيرات موسعة لـ "وثيقة بومبيو"، برنامج الـ 12 نقطة الذي نشره وزير الخارجية الامريكي بعد الانسحاب من اتفاق فيينا – اسقاط النظام في طهران، التقدير السائد اكثر يقول إن الامريكيين يريدون تحسين الاتفاق وليس اسقاط النظام، وفي هذه الاثناء مقاربتهم ناجعة. جولات العقوبات بدأت بالتأثير سلبا على اقتصاد ايران على المدى البعيد، ورغم الخط المتشدد الذي تتبعه الآن ايران تجاه الخارج فان من شأنها أن تتراجع.
الايرانيون تصرفوا هكذا بدرجة ما في الاتفاق المرحلي في 2013، وبعد ذلك في الاتفاق النهائي في 2015 تحت عملية العقوبات الدولية الموسعة التي قادتها ادارة اوباما. من ناحية الايرانيين، قال مصدر استخباري اسرائيلي، الحديث هنا يدور عن سبق أن حصل، ولكن في ظروف اقتصادية صعبة اكثر: سعر الريال منخفض، واسعار النفط من الصعب جدا توقعها لاحقا، لكنها الآن منخفضة، البطالة في ايران عالية نسبيا ومثلها ايضا التضخم، كما أن واشنطن تتصرف بصورة تدريجية ومحسوبة: حتى الآن يبدو أن معظم الشركات الدولية تتساوق مع ضغط عقوباتها، والامريكيون ايضا اعطوا مهلة في تطبيق المطالب لثماني دول، بنية الوصول الى عقوبات فعالة اكثر فيما بعد.
في اسرائيل يقدرون أن ايران لن تنسحب من الاتفاق لأن خطوة كهذه لن تخدمها الآن، بل ستحاول تمديد سنتين اخريين على أمل خسارة ترامب في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في تشرين الثاني 2020. حتى ذلك الحين لا يجب استبعاد أنه لاحقا ستعقد قمة بين الرئيس ترامب ورئيس ايران حسن روحاني مثلما حدث مع كوريا الشمالية.
في هذه الاثناء وتحت الضغط الاقتصادي والسياسي فان الايرانيين يرتكبون الاخطاء في اوروبا. في الاشهر الاخيرة تم الكشف في فرنسا والدانمارك، استنادا الى معلومات نقلها كما قيل الموساد، عن محاولات ايرانية للمس بنشطاء معارضة في المنفى. طبيعة التنفيذ تبرهن على هواية وعلى محاولة لتنفيذ عمليات بسرعة كبيرة. ايران فشلت في السابق في هذا الامر، في محاولات ضرب اهداف اسرائيلية ويهودية في ارجاء في نهاية العقد الماضي، في رد على اغتيال علماء الذرة الايرانيين الذي نسبته لاسرائيل.
هل زيادة حدة الازمة الاقتصادية يمكن أن تؤثر ايضا على نشاطات ايران في سوريا؟ النقاش الداخلي حول ضخ الاموال للصراعات العسكرية في الشرق الاوسط، يزداد بموازاة اتضاح ضائقة الموارد. ايضا هكذا يبدو أن روسيا تصعب الامور امام ايران في سوريا، على خلفية صراع السيطرة بينهما. في هذه الاثناء سياسة موسكو هناك آخذة في الاتضاح: هي معنية باستقرار نظام الاسد، بعد استعادة معظم اراضي الدولة تحت سيطرته. وهي اقل تسامحا مع مضايقات اسرائيلية وايرانية.
الرئيس فلادمير بوتين يستغل حادثة اسقاط الطائرة الروسية في ايلول من قبل نظام الدفاع الجوي السوري من اجل محاولة املاء قواعد لعب جديدة. صحيح أن اسرائيل هاجمت منذ ذلك الحين في سوريا، ولكن تحفظ روسيا اصبح أشد الآن. في نهاية المطاف سيلتقي نتنياهو مع بوتين وسيبحث معه الموضوع. ولكن يبدو أن الروس مرتاحين من اطالة النقاشات لتنسيق عقد لقاء.
محادثات مع وزراء في الكابنت وضباط كبار في اسرائيل تؤكد الافتراض المسبق – الذي يعارض تماما الدعاية المتفائلة التي نشرتها جوقة مشجعي نتنياهو – بأن حادثة اسقاط الطائرة كانت حادثة استراتيجية. نافذة الفرص في سوريا تتقلص، سواء للتهريبات الايرانية وكذلك الهجمات الاسرائيلية، رغم أن هذين الامرين يستمران بمقادير أقل. الاهتمام سينتقل كما يبدو بالتدريج الى لبنان، هناك تحاول ايران وحزب الله اقامة مصانع جديدة لتحسين دقة الصواريخ الموجودة لدى هذه المنظمة الشيعية. كيف يمكن لاسرائيل العمل على احباط هذه الخطوات؟ هذا بالضبط هو المعضلة التي تشغل القيادة في القدس في هذه الاثناء.
اللعب بالنار
لقد ظهر ترامب أول أمس غاضب جدا، وفظ حتى أكثر من المعتاد، في المؤتمر الصحفي الذي عقده في البيت الابيض في اعقاب نتائج انتخابات المنتصف للكونغرس. النتيجة توافقت مع معظم التوقعات المسبقة للاستطلاعات والتحليلات السياسية: فوز الديمقراطيين في مجلس النواب وفوز الجمهوريين في مجلس الشيوخ. النغمة المسممة للجدالات بين الرئيس والمراسلين تعبر كما يبدو ايضا عن معركة الاستحكامات المتوقعة في واشنطن، وبصورة أكثر شدة في السنتين القادمتين.
من وجهة النظر الاسرائيلية السؤال الكبير هو كيف سيؤثر تعزز الديمقراطيين، الذي بالتأكيد سيضع الرئيس امام اختبارات سياسية وقانونية اصعب، على سير السياسة الخارجية للادارة. ترامب وكبار الشخصيات المحيطة به يبثون خط متشدد وغير متسامح في الموضوع الايراني، علامات استفهام تحلق في مجالين آخرين: التوتر في العلاقة مع السعودية حول قتل الصحافي الخاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، وامكانية أن تعود الادارة الى جهودها لتطبيق صفقة القرن التي وعد بها الرئيس بين اسرائيل والفلسطينيين.
نتنياهو أظهر علنا وبصورة متأخرة موقفه بشأن العلاقات المناسبة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان: القتل كان خطأ، ولكن السعودية هي حليفة هامة للولايات المتحدة في جهودها لصد الايرانيين. من المعقول الافتراض أن ترامب يعتقد ذلك ايضا، ازاء المصالح الاقتصادية الكبيرة لواشنطن في الرياض. في هذه الاثناء تواصل قناة "الجزيرة" بتشجيع من اصحابها القطريين والشركاء من تركيا، الحفاظ على اشتعال اللهب تحت قضية الخاشقجي. الكشف الفظيع عما حدث في القنصلية يحرج بقدر ما المديح الذي القي تجاه المسيح السعودي في استوديوهات التلفاز في اسرائيل فقط قبل سنة على خلفية سجن رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري في الرياض، وخطوات اخرى قام بها. الامير، هكذا يتبين، يلعب بالنار بصورة منتظمة. ومن ارتبط به بسبب مصالح مشتركة مثل محاربة ايران، يجب عليه أخذ ذلك في الحسبان.
الثأر القادم
في المناطق يبدو أن الفلسطينيين يجدون صعوبة في التسليم بالمقولة القاطعة لنتنياهو بأن الخلاف على الاحتلال قد انتهى. رئيس الشباك نداف ارغمان حذر في هذا الاسبوع في لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست من احتمال الازدياد المستمر للارهاب في الضفة الغربية. إن اجمالي احداث الايام الاخيرة في الضفة، بما في ذلك اطلاق النار الذي اصيب فيه بصورة طفيفة مواطنين اسرائيليين في حافلة شمال رام الله، اضافة الى محاولتي طعن تم احباطهما.
زيارتان منفصلتان للواءين في الضفة خلال اسبوع تظهران صورة مشابهة. هناك تزايد واضح في عدد اعمال رشق الحجارة وتنفيذ عمليات وتحذيرات استخبارية بشأن الاستعداد لتنفيذ عمليات. في السامرة بشكل خاص فتحت دائرة ثأر لا نهاية لها. موت المواطنين الاسرائيليين في عملية اطلاق النار في المنطقة الصناعية في برقان وموت المواطنة الفلسطينية بسبب حجر تم القاءه على سيارتها، كما يبدو من قبل شبان اسرائيليين، تسرع عمليات ثأر متبادلة اخرى.
حقيقة أن القاتل في برقان لم يتم القاء القبض عليه حتى الآن، تثير عدم الهدوء في اوساط نشطاء اليمين المتطرف. الشباك والجيش يستثمران جهودا كبيرة لالقاء القبض على المخرب الذي نجح حتى الآن في التملص. الهجوم على فشلهما في وسائل الاعلام يتم صياغته بصورة مختلفة نوعا ما، يظهر منها أنه لو أن ارغمان ورئيس الاركان آيزنكوت تمكنا من النهوض قبل ساعة في الصباح لكانت كل هذه القضية قد حلت منذ فترة.
قادة الالوية القطرية يصفون خليط من المخربين المنفردين، الذين عدد منهم يعمل على خلفية مشكلات شخصية شديدة، وعدد منهم بالهام من عمليات سابقة، وخلايا محلية مستقلة، والى جانبها توجه متزايد لخلايا ارهابية تتلقى التمويل والتعليمات من قيادة حماس في لبنان وفي قطاع غزة. الجيش الاسرائيلي يستعد لسيناريو اكثر خطورة – مواجهة اخرى في الحرم تشبه الخلافات حول البوابات الالكترونية في صيف 2017، احداث بين الفلسطينيين والمستوطنين، وعدم استقرار في اعقاب صراع مكشوف على الوراثة سيتطور في السلطة الفلسطينية.
حماس تدير العمليات الارهابية في الضفة بصورة منفصلة عن عملية التسوية في القطاع. عنق الزجاجة العملياتي الاساسي لها يتعلق بغياب مهندسين مدربين في تركيب العبوات الناسفة. منذ اللحظة التي ستتراكم فيها المعرفة المطلوبة لصنع العبوات القاتلة سيزداد من جديد خطر العمليات الانتحارية.
بصورة مفاجئة في القطاع يتم الحفاظ على مستوى معين من التفاؤل. بعد ادخال الوقود القطري تم الاتفاق على استخدام نظام مؤقت يسمح بتحويل مباشر لعشرات ملايين الدولارات من قطر لصالح مشاريع اعادة اعمار البنى التحتية ودفع رواتب موظفي الحكومة في قطاع غزة. الآن حماس تسيطر على سير المظاهرات على طول الجدار وتكبح نشاطات عنيفة اخرى. في نفس الوقت تمارس مصر الضغط على السلطة الفلسطينية من اجل تقليص جهودها لتخريب التسوية في القطاع. اذا تم الحفاظ على الزخم الايجابي للمظاهرات اليوم، فقد وجد هنا احتمال ما لابقاء احداث الاشهر الاخيرة من خلفنا.