بقلم: ايلينا همرمان
"في ذلك اليوم عقد الله حلفا يقول إنني أعطيت هذه البلاد لذريتك من نهر مصر وحتى نهر الفراع"، هذا مكتوب في التوراة في الفصل 15 الآية 17، وهذه الاقوال مكتوبة في اللافتة الموجودة على مدخل متنزه وادي الاشباح على مداخل مدينة القدس.
هذا المتنزه الذي انشيء بسرعة في السنوات الاخيرة يجسد فقط قطعة صغيرة واحدة من الوعد الممتد من نهر النيل وحتى نهر الفرات. ولكن اللافتة تبشر الزوار بعظم الوعد الالهي الذي اعطي لهم وتجعلهم يعرفون أن ما يجري هنا، الحفريات والطرق التي يتم شقها واللافتات وزوايا اللعب المزينة جيدا – كل ذلك هو جزء من المشروع الكبير.
على بعد كيلومترين من اللافتة يتم بناء حاجز جديد في هذه الايام. اللافتات الصفراء توضح جيدا أنه سيقطع تواصل الطريق امام كل من قانون الدخول الى اسرائيل لا يسمح له بالدخول الى المتنزه. أي أن ملايين الفلسطينيين، لم يعودوا يستطيعون الاستمتاع بالسلاسل الجبلية التي اقاموها وفلحوها هم وآباءهم، ومن مياه النبع الجميلة عين حنية التي حتى الآن استخدموها لقضاء الوقت في احضان الطبيعة. في هذه الاثناء ايضا يتم بناء جدار حول قرية الولجة المطلة على المتنزه اليهودي الذي اقيم على اراضيها، وحول اكثر من ألفي شخص من سكانها الى معتقلين يحظر عليهم الخروج من هذا المعتقل للاستحمام في مياه النبع الذي ينبع من سفح جبال القرية، وبدون تصريح من الجيش يحظر عليهم فلاحة اراضيهم التي بقيت خارج الجدار. في هذا السجن يحظر عليهم بناء بيوت جديدة: مؤخرا هدمت اربعة بيوت في القرية وهناك ستين بيت آخر مرشحة للهدم.
خارج القرية المحبوسة في سجنها تتوسع المستوطنة السمينة والمتغطرسة هار غيلو، التي بيوتها تلامس بيوت القرية. هي قبلة مسممة: جدار حجري مرتفع يفصل بينهما، ومحظور على ابناء الولجة السفر في الشارع الواصل بين القدس والقرية. كل ذلك تم بمصادقة محكمة العدل العليا.
لماذا أقول إن حكم هذه القرية مثل حكم قرية الخان الاحمر، التي صادقت المحكمة العليا مؤخرا على هدمها واخلاء سكانها؟ حيث أن سكان الولجة ليسوا فقراء وبيوتهم ليست من الخيام والصفيح في قلب الصحراء، بل هي بيوت حجرية جميلة في قلب مشهد جبلي رائع، وسكانها لا يطردونهم في الوقت الحالي. أنا اقول هذا لسبب اساسي وعملي في نفس الوقت.
السبب الاساسي هو كما تنبيء اللافتة، ايضا التنكيل بالولجة بالضبط مثل التنكيل بالخان الاحمر، هو جزء لا يتجزأ من نفس البرنامج الايديولوجي المصاب بجنون العظمة: تحويل كل البلاد الى ارض لليهود فقط، وأن يطرد منها، مرحلة إثر مرحلة بقدر ما تسمح الظروف، كل سكانها غير اليهود. السبب العملي – ربما هو الأهم – هو أنه ايضا هنا مثلما في الخان الاحمر ما زال يمكن احداث ضجة تضع العصي في دواليب النظام العنيف الذي يقسم دون أي عائق المناطق المحتلة من جنوب جبل الخليل وحتى غور الاردن ويعدها لتكون اجزاء من جنة عدن لليهود وغيتوات لمن هم غير يهود.
اليكم: مئات الاسرائيليين يمكنهم المجيء الى هنا بسياراتهم – سفر قصير ومريح وآمن في شارع ابرتهايد من اجمل الشوارع التي تم شقها في جبال القدس – والوقوف الى جانب المكعبات الاسمنتية الكبيرة التي أعدت لاستكمال الحاجز والاحتجاج. وعند قدوم الجرافات يستطيعون الالتصاق بها والقول: لن نسمح بذلك باجسادنا وأرواحنا! وباحتجاجهم هذا يمكنهم استدعاء الى المكان المزيد من الاسرائيليين والاجانب ايضا: شخصيات كبيرة في السفارات والقنصليات ومن مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني في دول اخرى. الى حين يتدحرج هذا الصوت الاسرائيلي هذا، صوت اقلية لكنها اقلية لها وزن، يدوي ويفضح هذه الجريمة امام المجتمع الدولي، ويقول له بأنه بدون تدخله لن يكون هناك صلاح في هذه البلاد للشعبين فيها. هذا ما حدث في الخان الاحمر وهكذا يجب أن يكون الامر هنا. مصير هذه القرى ليس شأن داخلي لدولة اسرائيل.
"نداء جوليان فلدا قبل تسعين سنة" (في كتاب "خيانة المثقفين") كتب في هآرتس قبل فترة زئيف شترنهل "القصد هو للمثقفين كمنتجي ثقافة: كتاب وفنانون وبروفيسورات وصحافيون. اليوم دائرة المثقفين تشمل ايضا من يستهلكون الثقافة. المثقف هو كل شخص يعتقد أنه تلقى ثقافة، لذلك يرفض ابتلاع بدون نقد اقوال الدعاية الديماغوجية والاكاذيب. هؤلاء هم الاشخاص الذين يجب عليهم الاحتجاج أولا ضد تصفية المبدأ الذي يقول إنه يوجد لكل الناس نفس الحقوق في الحرية والمساواة. من ينكر هذا المبدأ يحول اسرائيل بصورة رسمية الى دولة ابرتهايد. وضد دولة كهذه يجب الانتفاض. مرحلة التحليل انتهت، وحول قانون القومية قيل كل شيء. الآن حان الوقت لاعداد وسائل قتالية واستخدامها" (3/8).
ولكن الكتاب المتنورين في الصحيفة المتنورة هذه ما زالوا يحلمون. اليكم ثلاثة امثلة من الفترة الاخيرة:
"المعارضة لنظام الاحتلال في المناطق"، هكذا توج عريضتهم اكثر من 200 مثقف عشية رأس السنة (هآرتس، 9/9)، وفي العريضة يقولون إنه يجب معارضة "بشدة وبدون تهاون استمرار وجود نظام الاكراه والقمع" وما شابه. ولكن في كل الصيغة الملتوية للتوجه المثير لهم "الى الجمهور الذي يلتزم بالقيم الاساسية للانسانية في اسرائيل" ليس هناك أي مقولة واضحة واحدة على طبيعة المعارضة. ما هو معنى في الظروف الحالية "بشدة وبدون تهاون" – ما المطلوب منا عمله، نحن المحسوبون على هذا الجمهور المتنور؟.
في هذه الاثناء ليس هناك مغفرة. توج في عشية يوم الغفران مقاله أحد المؤرخين الذين وقعوا على البيان (دانييل بلتمان، هآرتس، 14/9). الكاتب ذهب بعيدا في اقواله التي كتبها: لقد اجرى مقارنة واضحة ومفصلة بين المجتمع الالماني في فترة حكم النازية وبين المجتمع الاسرائيلي في هذا الوقت. ولكن ايضا لم يقترح أي وسيلة معارضة، وبالتأكيد ليس وسيلة قتالية. ربما ادعى الكاتب أنه في مستهل يوم الغفران ليس هناك مقولة اكثر صحة يختتم بها مقاله الهجومي من القول بأنه حتى تختفي "الطائرات الورقية السوداء للاحتلال... لن يكون المجتمع الاسرائيلي أهلا لغفران الخطايا الكبيرة".
عصيان مدني؟ هكذا توج مؤخرا مقاله مؤرخ آخر من الموقعين على البيان (دمتري شومسكي، هآرتس، 24/10). ايضا شومسكي يعمل مقارنة تاريخية ذكية من مجال تخصصه ويقول ويراوغ ويصدر حكم ويتحفظ وفي النهاية يتساءل: "هل على الاقلية العقلانية في اسرائيل السعي الى عصيان مدني غير عنيف؟". أنا افترض أن نفس الاجزاء في اليسار الاسرائيلي الذين انزلقوا من قلقهم على حقوق الانسان الى شيطنة ممنهجة للدولة اليهودية، بالتأكيد اهتزوا وبحق من افعال بافرس. ليس لهذا صلوا. هم املوا بأن الشيطنة ستؤدي الى ضغط دولي الذي بدوره سيخلق نهاية للاحتلال (على خلفية الافتراض المتخيل أنه فقط اذا اردنا حينئذ سيكون لدينا شريك)، ولكن الاستراتيجية هذه لن تؤدي الى النتيجة المأمولة، وترامب يمثل فشلهم. إلا أنه في هذه الاثناء كان لها نتائج اخرى: زيادة اللاسامية بكل صورها وخضوع مخجل لسيل اللاسامية الاسلامية.
من يشتغل بشيطنة اسرائيل يوميا يحتاج الى درجة غير عادية من الوقاحة من اجل أن ينتقد ترامب على خلق مناخ لاسامي. لم يعد الامر يتعلق بجمال لا يتم رؤية سنمتها، بل فيلة يتجاهلون رؤية خراطيمها.