فتح من القمة إلى القاع ..ومن القاع إلى الضياع.. بقلم ساجد عوض

الساعة 02:31 م|06 نوفمبر 2018

فلسطين اليوم

فتح من القمة إلى القاع ..ومن القاع إلى الضياع..

بقلم / ساجد عوض

كم هي صعبة ومعقدة تلك المقارنة بين الماضي والحاضر في تاريخ حركة تحرر وطنية اختصرت تاريخها ورصيدها الكفاحي وتجربتها النضالية ومسيرة شهدائها في قالب من الظل المزيف اسمه السلطة ويستند لليل محتله المحدود بينما يترك نهار شعبه النابض بالحق والحقيقة الحق الذي يضرب جذوره في أعماق التاريخ ماضياً ويتجذر في المقاومة حاضراً وتحافظ عليه الأجيال وتحميه مستقبلاً، والحقيقة التي آمن بها شعبنا وأمتنا أن الاحتلال إلى زوال وأن ضعفنا مرحلي وأن المقاومة والنضال ثابت في حياتنا السياسية، بينما اختارت فتح لنفسها مكاناً أبعدها عن تفاصيل حياة هذا الكوكب المقاوم النابض بالحياة والنابض بالألم والمعاناة في آن واحد، فتح التي كانت تطرح نفسها على أنها الأم تنكرت لأطباع الأمومة ولفطرة الأم تجاه أبنائها والقائمة على الرحمة والوصل والتضحية والبذل ومنحهم العطاء والغطاء والدفئ، تنقلب على ذاتها وعلى شعبها لتصبح كزوجة الأب وتحول شعبها إلى مقهور في مسيرة اليتم تحت سطوتها وغيرتها القاتلة وعشوائيتها التي لم تعد قادرة على إخفائها، فيما تدقق في الحسابات جيداً لتتحول إلى جلاد تحاسب شعبها على صفحات نضاله وكفاحه وتحاول العبث حتى بنواميس الكون وتقلب مبادئ السياسة الفلسطينية، وتجبر شعبها بالإكراه على قبول الواقع المهزوم لا ليتعايش معه بل ليتبناه ثقافة وسياسة، على قاعدة التخيير الوقح بين ما هو كارثي وما هو مرير..

إن الأنانية التي غدت "كفيروس سياسي" خطير لم تعد فتح قادرة على مقاومته وهو يتغلغل في جسدها وبنيتها التنظيمية وخطابها السياسي، جعلها فاقدة للمناعة الشعبية ورهينة لمشروع السلطة لأزمت نفسها باستحقاق الدفاع عنه والدفع له وربطت خطها به عضوياً بما يتناقض مع النفس الشعبي و ثقافة الشعب الفلسطيني ذات الجينات المقاومة والتي يصعب القضاء عليها بسيف السلطة بحكم تجذرها وامتدادها في وعي وثقافة الفلسطيني، لتصبح فتح وللأسف رهينة مشروع السلطة الذي يلتهم كل ما هو مقدس في قاموس الفلسطيني، ولتصبح فتح مطالبة باختراع الأدوات والروايات التي تهدف إلى التخويف من المقاومة والتأثير على الحاضنة الجماهيرية عبر صناعة الفوارق الاجتماعية بين الفئات والمستويات والجغرافية، وداخل هذه المتاهة من صناعة الفارق المخل بالأدب الوطني، أصبح لدينا مواطن درجة أولى وثانية وثالثة، في خطوة تعكس مدى الدونية السياسية وحجم التنكر للاستحقاقات الأخلاقية والوطنية تجاه مكونات الشعب الفلسطيني من أحياء وشهداء وأسرى وكادحين....إلخ، فلمصحة من يفرق بين شهيد وشهيد ؟ وأسير وأسير ؟ وأسير محرر ومثيله؟ وبين غزة والضفة؟ غزة كقطعة ذهبية من الوطن يراد لها وللأسف أن تصبح مجرد خردة تتسول قوت أبنائها ، ويراد لها أن تتخلى عن دورها الذي حفظته بأمانة ولا زالت عبر مسيرة دامية محافظةً على الهوية الوطنية ولا زالت حاميةً لمشروع وثقافة الكفاح والمقاومة وتمثل توجهات الشعب الفلسطيني في رسائلها للعالم وللمنطقة كصخرة صمود و جدار منيع لا يسمح للعابرين ولا للمحتلين ولا للمهزومين بالمرور عبر بواباتها نحو وعي الأمة ووعي الشعب الفلسطيني، ويحرس هذه البوابات أرواح الشهداء وجراحات المعذبين ونضالات الأسرى وتعب الكادحين من آباء وأمهات مكلومين صابرين وثابتين، لم تعد فتح وللأسف قادرة على إبصارهم فضلاً على الإحساس بهم، هذا الخليط الحي يدفع فاتورة ثباته كونه رفض خلع المبادئ على بوابات السلام الهزيل والكاذب في متاهات السلطة، ولأنه "شعبنا" رفض اعتبار السلطة إنجازاً ولأنه وعلى بساطته الثائرة رفض الدخول إلى الزمن "الإسرائيلي" ولا زال مستمسكاً بروايته للصراع وإدارته ..وحول الإجابة على رسائل فتح القاتلة للشعب الفلسطيني وفي غزة على وجه التحديد كما جاء في آخر العواصف وليست بالأخيرة وعلى لسان أحد المستنطقين بلسان حالها البائس، نجيب بالتساؤلات التالية:

•       كيف تطرح فتح نفسها كحركة تحرير، فيما هي تستهدف مشروع التحرير وتصبح عبئاً ثقيلاُ بخطابها وخطواتها ومعاول هدمها ودكاكينها واحتكارها للقرار السياسي، وكيف تتحدث فتح عن فلسطين من بوابة السلطة والتسوية والتنسيق الأمني والمطاردة الساخنة لكل محاولة نهوض مقاوم في الضفة، وكيف توفق بين كونها حركة وطنية فيما ترى الوطن والمواطن وفق التزامات السلطة الأمنية والسياسية، وكيف لحركة وطنية ترضى وتشارك في حرمان الشهداء وذويهم والأسرى وعائلاتهم من حقوقهم وتجتزأ من رواتب بعضهم، أليس هذا تغريداً خارج نزف وواقع الوطن.

•       كيف تدعو الشعب (وتخص قوى المقاومة تحديداً حماس والجهاد) إلى التصدي للتسويات القاتلة وهي أول من دشن تلك التسويات وجعل تغيير المبادئ والانقلاب عليها ثمناً لذلك.

•       كيف تجتمع الوطنية مع العمل ليل نهار على شيطنة غزة وأهلها ومقاومتها بدلاً من إسنادها ، بل واستثارة واستنفار أغلب قوى الشر في العالم واستنطاق أصوات الطغاة لتخويف العالم من غزة الجريحة المقاومة ولكن.. هيهات!!

ربما الآن عرفنا لماذا أصر المحتل على تغييب أبو عمار وأبو جهاد و أبو إياد وغيرهم الكثير من الذين عرفتهم ميادين المواجهة، هؤلاء الذين عرفوا الصهاينة حتى وإن فاوضوهم على أنهم أعداء.. ما كان تغييبهم بالاغتيال شهداء إلا ليفسح العدو طريقاً للذين لم يعرفوا لغبار المواجهة في الساحات يوماً سبيلاً، للذين اقتاتوا على موائد السلطة فأنجبوا جيلاً من الطغاة والمهووسين بالسلطة والقامعين لكل بارقة أمة مقاوم، ولكن ماذا بعد؟ فلا التاريخ ينسى ولا ذاكرة الأجيال مثقوبة، ولا دماء شهداء الثورة ستغفر تلك الخطايا.. فيا بني فتح أنقذوا أنفسكم من مجزرة التاريخ واتقوا الله في فلسطين000

وختاماً.. لأسامة القواسمي.. تقول لك غزة بالفم الملآن شتان بين من يستأجر ليقول عن فلسطين ، وبين من يتكلم دمه وألمه على مدار العمر ليسطر الموقف، يا أسامة!!! فلسطين التي تعرفها تدفع لك، وغزة التي تتهمها لتحفظ مكانك ومكانتك تدفع لفلسطين الوطن.. ليدفع لك.... فلا نامت أعين الجبناء

كلمات دلالية